الإثنين 2022/11/21

آخر تحديث: 16:03 (بيروت)

العمليات بالدولار في المستشفيات الحكومية: التحايل على الواقع

الإثنين 2022/11/21
العمليات بالدولار في المستشفيات الحكومية: التحايل على الواقع
المستشفيات الحكومية تحاول الحفاظ على الأطباء قدر المستطاع (المدن)
increase حجم الخط decrease
أصبح نحو 30 بالمئة من مجمل عدد الأطباء، خارج الحدود اللبنانية. هؤلاء، تركوا البلاد بعد انهيار سعر صرف الليرة وما تركه من تأثير سلبي على أتعاب الأطباء، التي يتقاضونها من وزارة الصحة والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. وبعد نحو 3 سنوات من تسارع الانهيار، ما عاد الأطباء يثقون بتحسّن الأحوال ضمن فترة زمنية تكفل لهم استرجاع القدرة الشرائية لأتعابهم، فأصبحوا أمام خيارين، أفضلهما الهجرة والآخر البقاء في لبنان وتقاضي الأتعاب بالدولار النقدي مباشرة من المريض. واللافت أن هذه السياسة تُطَبَّق على العمليات الاستشفائية والجراحية التي تقام في المستشفيات الحكومية. أما وزارة الصحة، فتغضّ الطرف كي تحافظ على استمرارية هذه المستشفيات، وتالياً تقديم الطبابة للمرضى غير القادرين على دفع تكاليف أعلى في المستشفيات الخاصة.
تكاليف أقل
قبل الأزمة، لم يكن تقاضي الطبيب مبلغاً مالياً من خارج فواتير المستشفيات، حتى الخاصة منها، أمراً مرحّباً به. لكن مع ارتفاع فواتير المستشفيات الخاصة إلى أرقام خيالية مقارنة مع القدرة الشرائية للرواتب والأجور، باتت الحلول المبتورة محطّ قبول. فالمريض يريد خدمته بأقل تكلفة، والطبيب يريد أفضل أجر ممكن.
التقت مصلحة الطرفين تحت سقف المستشفيات الحكومية التي تعاني من استنزاف للموارد البشرية والمادية. فالنقص في الأطباء والمعدّات بات فادحاً. "الشركات المورّدة للمعدات تريد أموالها بالدولار النقدي، وتحاويل وزارة الصحة لا تغطّي الكلفة المطلوبة. والشركات لم تعد ترضى ترك حساباتها مع المستشفيات مفتوحة"، وفق ما تقوله مصادر في قطاع المستشفيات الحكومية.
والحال نفسه لدى الأطباء. فتشير المصادر في حديث لـ"المدن"، إلى أن "حصول المريض على موافقة من الجهات الضامنة لتغطية كلفة العمل الطبّي، لا يلغي مطلب الأطباء بالحصول على بدل أتعابهم نقداً من خارج أي رابط قانوني مع الدولة. فهم، منذ سنوات، لم يتقاضوا سوى القليل من مستحقاتهم على وزارة الصحة، وإن قبضوها لاحقاً، فستكون بالسعر الرسمي، فيما الدولار يسجّل 40 ألف ليرة".
ولأن إجراء العمليات الطبية في المستشفيات الحكومية، مغطّى من وزارة الصحة، تنخفض كلفة العمليات بالنسبة للمريض الذي سيدفع مبلغاً قليلاً للمستشفى، ويبقى أمامه أجرة الطبيب. ومجموع ما سيدفعه، لا يقارَن بنصف المبلغ الذي سيدفعه في المستشفيات الخاصة، لقاء العمل الطبي عينه.

العمليات الجراحية
اقتصر ارتياد المرضى للمستشفيات على الضرورات القصوى، كالتي تستدعي إجراء العمليات الجراحية الطارئة. ولأن النقص في عدد الأطباء أصبح حرجاً، كان لا بد من سياسات تشجّع على البقاء، فما كان من وزارة الصحة إلاّ "غض النظر عن تقاضي مبالغ من خارج الفاتورة. فالتشديد على الطبيب، يعني بصورة أخرى، الطلب منه عدم إجراء أي عمل طبي في المستشفى الحكومي، وهذه النتيجة تنعكس سلباً على المرضى".
طلب الأطباء أجورهم بالدولار "يترافق مع مراعاة للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للمرضى". فالذهاب إلى المستشفيات الحكومية يدلّ على القدرة المادية للمريض "ولا يمكن تحميله الكثير. كما لا يمكن إلزام الطبيب على انتظار تحويل أتعابه بالسعر الرسمي".
في السياق نفسه، لا تضع المصادر تقاضي الأطباء أتعابهم بالدولار، في خانة استغلال الأوضاع الاقتصادية الصعبة، لأن "استمرار تأمين الخدمة الطبية يستدعي المرور بصعوبات كثيرة. وهذا الخيار ليس اعتباطياً. كما أن المريض سيدفع ثمن العلاج في المستشفيات الخاصة أضعافاً مضاعفة، وبالدولار، وأتعاب الطبيب لا تشكّل النسبة الأكبر من الفاتورة، لذلك يوافق المرضى ولا يتذمّرون لأنهم يعرفون ما سينتظرهم من أرقام ومبالغ في المستشفيات الخاصة".

هي علاقة مصالح متبادلة بين المرضى والأطباء. لا دخل لهم بمسببات ما وصلوا إليه، لكنهم مجبرون على التعامل وفق الواقع المستجدّ. ولإدارة المرحلة بأحسن طريقة، يقرّب أصحاب العلاقة وجهات النظر، فيصلون إلى مبالغ مالية محتملة، تشفي المريض وتؤمّن استمرارية العمل للأطباء والمستشفيات الحكومية، لأن إقفال تلك المستشفيات ليس خياراً صائباً.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها