السبت 2022/10/08

آخر تحديث: 08:40 (بيروت)

الودائع المصرفية في عهدة من؟

السبت 2022/10/08
الودائع المصرفية في عهدة من؟
اجراءات موجعة وجذرية لا بد منها لتجاوز ومعالجة مشكلة الودائع العالقة(علي علوش)
increase حجم الخط decrease

تتوالى في هذه الأيام محاولات عدد من المودعين إستعادة بعض حقوقهم المالية من المصارف التجارية بأنفسهم وبوسائل زجرية إكراهية مختلفة، لا تخلو من المخاطر في ظل غياب أية إجراءات تدخلية من قبل السلطات اللبنانية إزاء قرابة المليون وديعة ما زالت محتجزة مبدئياً في تلك المصارف، وفي ظل التعاميم المجحفة بحق المودعين الصادرة عن حاكمية مصرف لبنان ، والتي لا تخلو من عمليات الإقتطاع القسري من تلك الودائع تتراوح بين (45 الى 75) بالمئة من قيمة الأموال المسحوبة وفقاً للتعميمين 151 و158 الصادرين عن مصرف لبنان (هيركات) ، وضمن سقوف متدنية جداً لا تكاد تكفي لسداد حاجات ونفقات عائلة مؤلفة من خمسة أشخاص لمدة عشرة أيام كحد أقصى دون نفقات الطبابة والتعليم والإستشفاء وخلاف ذلك. بالرغم من الزيادات الداعمة لرواتب العاملين في القطاع العام، إلا أن زيادة الضرائب والرسوم المقررة في موازنة العام 2022 بالإضافة الى ما سوف تتم طباعته من العملة الوطنية وإرتفاع منسوب التضخم المالي والنقدي سوف يؤدي ذلك الى تآكل قيمة تلك الإضافات على الرواتب والأجور.  كما يتبين أن غالبية الأشخاص الذين هاجموا تلك المصارف قد كانوا بحاجة ماسة الى مبالغ مالية من ودائعهم المصرفية للرد على حالات إجتماعية ضاغطة كمتابعة تعليم أبنائهم أو معالجتهم أو للقيام بعمليات جراحية ذات كلفة مرتفعة وماشابه ذلك.

مسؤولية الحكومات

إن إحتجاز أموال المودعين على إختلاف مستوياتهم والإمتناع عن الإفراج عنها إلا وفقاً لشروط وتعاميم مصرف لبنان الجائرة وغير العادلة تجاههم، والتي تحمي المصارف التجارية أكثر مما تعطي الحقوق لأصحاب الودائع، يخالف أبسط الحقوق القانونية التي ينص عليها قانون النقد والتسليف وقانون الموجبات والعقود وقانون العقوبات وشرعة حقوق الإنسان ومقدمة الدستور اللبناني التي تحمي حقوق الملكية وجميع القوانين والأنظمة النافذة ذات الصلة. 
منذ أكثر من ثلاث سنوات متتالية، لم تتمكن خلالها الحكومات المتعاقبة من إيجاد الحلول اللازمة على هذا الصعيد، علماً بأن هذه الحكومات هي المسؤولة بالدرجة الأولى عن تلك الأزمات المالية والنقدية، بسبب إستعانتها شبه الدائمة بمال الإحتياط لدى مصرف لبنان الذي تتكون غالبيته من أموال المودعين، من أجل سد العجز في موازناتها المتتالية وتأمين نفقاتها غير المحسوبة النتائج، وعجزها أيضاً عن سداد ديونها الى مصرف لبنان الذي إعتمد سياسة الإستدانة من المصارف التجارية بفوائد مرتفعة والى إصدار السندات المالية من أجل تمويل عجز تلك الحكومات الفاشلة في إدارة السلطة والمالية العامة والإقتصاد الوطني، ودون أن تقرع ناقوس الخطر في أي وقت من الأوقات لوضع حد لأسلوب الإستدانة المتراكمة من مال الإحتياط، وتعاظم كرة الثلج التي أوقعت البلاد في أفظع كارثة مالية ومصرفية، إنعكست آثارها السلبية على الأداء المصرفي وعلى تراجع قيمة العملة الوطنية تجاه العملات الأجنبية، وتخلع الإقتصاد الوطني وهروب الرساميل نحو الخارج بطريقة هستيرية وإنحدار قيمة الرواتب والأجور الى أدنى مستوى في العالم المعاصر، وتراجع الأداء في القطاعات المنتجة والمرافق العامة والإدارات الرسمية والخاصة، وفقدان الثقة الدولية بالدولة اللبنانية الفاشلة حالياً على جميع الأصعدة.

من المسؤول؟

على من تقع هذه المسؤولية؟ وكيف السبيل لتجاوز مشكلة الودائع بطرق قانونية عادلة؟ لا شك بأن الدولة بكافة مؤسساتها الدستورية من تشريعية وتنفيذية وقضائية هي المسؤولة عن تلك الأزمات، كما هي مسؤولة أيضاً عن سوء أداء مصرف لبنان على كافة مستوياته الإدارية والهرمية، ولا يحق لهذه السلطات التخلي عن مسؤولياتها تجاه شعبها، بل هي ملزمة بإيجاد الحلول المناسبة والمحقة تبعاً لمبدأ عام إستمرارية عمل الإدارة ودون تحميل المودعين قسطاً كبيراً من الخسائر الحاصلة، إذ يكفي أن ودائعهم ما زالت محتجزة منذ أكثر من ثلاث سنوات متتالية ومن دون أية فوائد تذكر. وينبغي أن تتحمل الدولة القسم الأكبر من تلك الخسائر الى جانب مصرف لبنان وجمعية المصارف ومن يمثلها من الناحية القانونية وإنصاف قضية المودعين بالطرق القانونية العادلة.

إجراءات لا بد منها

لتحقيق ذلك، لا بد من إتخاذ الإجراءات والتدابير العملية التالية:

1- إستكمال التحقيقات الجنائية المتعلقة بتهريب الأموال من المصارف التجارية نحو الخارج خلال الفترة الواقعة منذ بداية العام 2019 وحتى نهاية العام 2021 والعمل على إستردادها.

2- تطبيق قانون الإثراء غير المشروع وتبييض الأموال على جميع العاملين في الشأن العام دون أي إستثناء منذ العام 1993 وحتى تاريخه.

3- وضع خطة زمنية ضمن خطة التعافي المالي والإقتصادي لسداد الديون المتوجبة على الدولة والحكومات المتعاقبة وإيداعها تدريجياً لدى مصرف لبنان من أجل إعادة رسملته وسداد ديونه أيضاً.

4- إلزام المصارف التجارية وجمعية المصارف بإحترام القوانين المالية والمصرفية والأحكام القضائية المتعلقة بحقوق المودعين، ورفع سقف السحوبات المالية الشهرية.

5- تعديل المادة السادسة من قانون تبييض الأموال ومكافحة الإرهاب في لبنان، المتعلقة بإقتراح قانون إعادة هيكلة هيئة التحقيق الخاصة لدى مصرف لبنان، وإخراج حاكم مصرف لبنان من هذه الهيئة، ومحاكمة المرتكبين.

6- وضع تصور علمي وواقعي حول هندسة مالية جديدة للقطاع المصرفي وإعادة توزيع الخسائر دون المساس بحقوق المودعين، ووضع خطة زمنية لا تتجاوز الثلاث سنوات لاحقة للإيفاء بأموال المودعين، دون اللجوء الى فرض ضرائب جديدة.

7- إلزام مصرف لبنان بتعديل التعميمين الجائرين 151 و168، وبما يتلاءم مع سعر صرف منصة الصيرفة ورفع الغبن عن المودعين.

8- إستكمال التفاوض مع صندوق النقد الدولي، وإجراء الإصلاحات المطلوبة والتي تصب في مصلحة الوطن.

آلية عملية

أما بالنسبة لآلية الخروج من تلك الأزمة، فينبغي العمل سريعاً على إقرار قانون إعادة هيكلة القطاع المصرفي، وإعادة النظر بخطة التعافي الحكومية لما تعتورها من عيوب أو ثغرات، وإقرار خطة شاملة مالية وإقتصادية ونقدية وإجتماعية عند تشكيل الحكومة الجديدة، وإدراج الخطة في بيانها الوزاري والذي على أساسه سوف تنال ثقة البرلمان، وإتخاذ الإجراءات اللازمة لتحديد سعر الصرف عبر منصة صيرفة، وإلغاء التعددية في أسعار الصرف في أقرب فرصة ممكنة، وإعادة رسملة مصرف لبنان بالطرق الحكيمة، وإلزام المصارف برفع سقف السحوبات الشهرية للمودعين بالعملة الوطنية أو الأجنبية للمساهمة في تفعيل الإستثمارات الوطنية والدورة الإقتصادية المحلية، ومحاولة إشراك المودعين مع المصارف وبصورة إختيارية في بعض المشاريع الإستثمارية التي ستقوم بها المصارف التجارية بعد إعادة هيكلة القطاع المصرفي وإدراج هذه الإجراءات في مشروع موازنة العام 2023. كما ينبغي إنتخاب رئيس الجمهورية ضمن مهلة الإستحقاق الدستورية منعاً لأي فراغ قاتل على مستوى الرئاسة الأولى في هذه الظروف الحساسة من إعادة بناء السلطة على أسس سليمة، ومن أجل إعادة الثقة بلبنان أمام المجتمع الدولي وبالقطاع المصرفي الذي لا يمكن الإستغناء عنه بعد ترشيده في إعادة الحياة الطبيعية للإقتصاد الوطني وتأمين حقوق المودعين قبل فوات الأوان وتفاقم الأزمات ودرءاً للمخاطر التي تحيط بالدولة والمجتمع وإنقاذاً للوطن من سيادة شريعة الغاب على سيادة دولة القانون والمؤسسات.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها