الأربعاء 2022/10/19

آخر تحديث: 14:56 (بيروت)

يوميات عائلات بلا كهرباء: حياة من ظلام وصقيع

الأربعاء 2022/10/19
يوميات عائلات بلا كهرباء: حياة من ظلام وصقيع
فاتورة الاشتراك تتخطى في أحيان كثيرة ما يتقاضاه الكثير من الموظفين (Getty)
increase حجم الخط decrease

حسمت منيرة يونس قرارها بقطع اشتراك المولّد، بعدما أصبحت التسعيرة بالدولار الأميركي. الأخيرة غير قادرة على تسديد ثمن خمسة أمبيرات، لأن ذلك سيبقيها بلا طعام طيلة الشهر. تقول لـ"المدن": لا يكفي راتبي المليوني ليرة (50 دولاراً تقريباً) لتسديد فاتورة الاشتراك، التي تتخطى في أحيان كثيرة ما أتقاضاه، وأعيش اليوم على ضوء الشموع والقناديل".

قرار يونس، ليس الأول في مجتمع يتقاضى جزء كبير منه رواتبهم بالليرة اللبنانية، فيما يتم تسديد الفواتير جميعها بالدولار الأميركي. فقد سبقتها بذلك، عائلة أخرى تعيش في إحدى الأحياء الفقيرة بالقرب من المدينة الرياضية. أسرة مكونة من أب عاطل عن العمل بسبب إصابة تعرض لها، وزوجته وطفلين منذ أكثر من عام، من دون أي وسيلة للحصول على الكهرباء.

في العاصمة بيروت، تخطت ساعات تقنين التيار الكهربائي 23 ساعة، وفي أحيان كثيرة تغيب أياماً عدة، فيما مناطق أخرى ضمن ضواحي العاصمة، تشتكي من غياب الكهرباء منذ أكثر من 40 يوماً.

صحيح أن مشكلة الكهرباء في لبنان ليست جديدة، وحتى أن تسعيرة المولدات بالدولار أيضاً ليست مستحدثة، ولكن عدم إمكانية الكثير من المواطنين الحصول على الكهرباء في العاصمة تحديداً مع اقتراب فصل الشتاء، يطرح علامات استفهام عديدة، حول طرق التدفئة، أو تسخين الأطعمة، أو حتى الاستحمام!

يوميات مختلفة
تختلف يوميات يونس عن سائر زملائها، وهي التي تعمل في مستشفى حكومي بدوام كامل، إلا أن السيدة يونس تعيش بمفردها، ولا تملك أي مدخول أخر، يساعدها على تحمل تسديد الفواتير بالدولار. تقول: "في فصل الصيف، كان من الصعب جداً التأقلم من دون الكهرباء، خصوصاً مع ارتفاع درجات الحرارة، فاضطررت إلى قضاء معظم الليالي على الشرفة". تضيف "تخليت عن جميع الأدوات الكهربائية، فعلى سبيل المثال، أقوم بغسل الملابس يدوياً، ولا أطهو الطعام الذي يحتاج إلى التبريد". كما تغيرت أيضاً طرق شراء السلع الأساسية، إذ تقوم بشراء الأطعمة بـ"الحبة" الواحدة، حتى لا تفسد. وهو ما يضيف إليها أعباء مالية إضافية، تتعلق بتبدل أسعار السلع مع تغير سعر الصرف.

تعترف يونس أن تأقلمها في فصل الصيف مع غياب الكهرباء، لن يكون مهمة سهلة في فصل الشتاء. تخشى من غياب التدفئة، وعدم قدرتها على الاستحمام بالماء البارد كما فعلت صيفاً.

تواجه يونس والعديد من اللبنانيين ظروف صعبة في ظل عدم قدرتهم على تسديد فواتير الاشتراك المولد بالدولار. فقد وصلت أسعار الاشتراك بالمولدات لأكثر من 60 دولاراً شهرياً، وفي بعض المناطق تتخطى 120 دولاراً، وهو رقم يعجز عن تسديده ما لايقل عن نصف اللبنانيين، خصوصاً الذين يتقاضون رواتبهم الليرة فقط.

معاناة العائلات
تعاني عائلة أبو نبيل من ظروف أصعب اقتصادياً ومادياً. منذ عام، تعرض الأب -مياوم- لحادث، أفقده القدرة على العمل، فيما الأم والأبناء يعيشون ظروق صعبة، بعدما تخلت العائلة عن اشتراك المولد، رغم أن تكلفة الاشتراك في حيّها لا تزال بالليرة اللبنانية.

تعيش العائلة بلا ثلاجة أو سخان ماء، أو حتى وجود مقومات أساسية لحفظ الطعام. يساعدهم بعض الجيران في شحن بطاريات تعمل على الكهرباء، حتى يتمكنوا من إضاءة البيت، إذ لا يملكون حتى ثمن شراء الشمع، بعدما وصلت أسعاره إلى مستويات قياسية بالنسبة إلى قدرتهم المعيشية.

أما بالنسبة إلى طهي الطعام، فالأمر يبدو أصعب. إذ تؤكد الأم أن الخيارات محدودة نسبياً، نظراً لعدم إمكانية حفظ الأطعمة في مكان بارد، وبمعظم الأحيان تعيش العائلة على البطاطا أو البقوليات.

ورغم كل هذه المعاناة، تتفاجأ العائلة نهاية كل شهر بوصول جابي الكهرباء لتحصيل الرسوم المفروضة، فتسأل كيف يمكن تسديد ثمن خدمة لا نحصل عليها أبداً؟

غياب العدالة الاجتماعية
لم يجد اللبنانيون سبيلاً لمواجهة الظلام، إلا من خلال الاشتراك بالمولدات الخاصة، وتحديداً في العاصمة بيروت. ولكن رغم ذلك، فإن هذا الخيار بات حكراً فقط على من يتقاضون رواتبهم بالدولار الأميركي، إذ تبدلت قيمة الاشتراكات بعد رفع الدعم عن استيراد المحروقات، وهو ما رفع التعرفة بالاشتراك أضعاف ما كانت عليه، حتى أن بعض أصحاب المولدات، تخلوا عن فرض تسعيرة موحدة بالدولار، وباتوا يستخدمون العداد، وهو ما يجعل فاتورة الاشتراك تتخطى في أحيان كثيرة ما يتقاضاه الكثير من الموظفين.

هذا الواقع دفع حتى الميسورين إلى التخلى عن الاشتراكات أو حتى تخفيف عدد الأمبيرات. يؤكد هاشم نجم، أنه بدل قيمة الاشتراك من 10 أمبيرات إلى 5 أمبيرات فقط، كي يستطيع إضاءة بعض الغرف وحسب مع تشغيل الثلاجة فقط. يقول لـ"المدن": لايمكن تحمّل تسديد فواتير الاشتراكات شهرياً، التي تناهز 4 ملايين ليرة، وفي بعض الأحيان، تتخطى ذلك عند تشغيل المكيفات. وهو ما دفعني إلى تخفيف عدد الأمبيرات، إذ من غير المنطقي أن نسدد رواتبنا فقط لأصحاب المولدات.

يشكو نجم من غياب الكهرباء عن منطقته منذ أكثر من 50 يوماً، وهو ما دفعه إلى تغيير الكثير من العادات وتخفيف استخدام الكهرباء، لكن المشكلة التي قد تواجهه هو عدم قدرة الـ5 أمبير على تشغيل التدفئة في المنزل، أو حتى تشغيل سخان المياه على سبيل المثال، وهو ما يعني أن هناك أزمة عميقة يواجهها اللبناني على المدى القريب.

يبرر أصحاب المولدات ارتفاع التسعيرة لغياب الدعم عن المحروقات، وعدم قدرتهم على الالتزام بالتسعيرة التي تفرضها وزارة الطاقة، إذ أنهم يسددون ثمن المحروقات بالدولار، وفي أحيان كثيرة، يواجهون مشكلة تأمين المازوت، ما يضطرهم أيضاً إلى دفع أموال إضافية، وهو ما يدفع ثمنه بالمحصلة المواطن.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها