الأحد 2022/01/16

آخر تحديث: 14:10 (بيروت)

صفقة ميقاتي وسلامة: حرق الدولارات لحماية الحاكم

الأحد 2022/01/16
صفقة ميقاتي وسلامة: حرق الدولارات لحماية الحاكم
سلامة يشتري الحماية السياسيّة بدولاراتنا (Getty)
increase حجم الخط decrease
من المفترض أن يستكمل حاكم مصرف لبنان يوم غد الإثنين حفلة حرق الدولارات، بقرار بيع الدولار بسعر صرف المنصّة بدون ضوابط أو قيود في الفروع المصرفيّة. وفي قائمة المستفيدين من هذا القرار، تحل المصارف في المرتبة الأولى، خصوصًا بعد أن جمعت خلال الأسبوع الماضي كميّات ضخمة من النقد الورقي بالليرة اللبنانيّة، عبر بيع الشيكات المصرفيّة، استعدادًا للحظة شراء الدولار النقدي بسعر المنصّة المنخفض خارج أي سقوف.

تواطؤ المركزي والمصارف
وهنا، ثمّة أسئلة لا تنتهي عن التواطؤ بين مصرف لبنان والمصارف التجاريّة، والذي مكّنها من معرفة تفاصيل القرار قبل صدوره، ومن ثمّ المضاربة على قيمة الليرة بهذا الشكل والاستفادة من عمليّة حرق الدولارات المنظّمة التي يقوم بها مصرف لبنان.

وفي قائمة المستفيدين أيضًا، حلقة ضيّقة من المضاربين من أصحاب العلاقة الوثيقة بأوساط الصرّافين والمصارف، عبر بيع الدولار في السوق الموازية بسعر السوق المرتفع، ومن ثم شراؤه مجددًا في المصارف بسعر المنصّة المنخفض. وهذه الفئة بالتحديد امتلكت أفضليّة الاستفادة من المضاربات على غيرها من المواطنين، في ظل تقنين الصرّافين عمليّات شراء الدولارات من السوق، وتقنين المصارف حجم الدولارات التي تبيعها بسعر المنصّة.

كل هؤلاء يستفيدون من مهرجان "الحسومات" على سعر الدولار في المصارف، فيما تكون النتيجة انخفاض سعر صرف السوق السوداء لمدة محدودة جدًّا، قبل أن يعاود الدولار ارتفاعه، بمجرّد استنفاد الدولارات المخصّصة لهذه العمليّة، وانتهاء عمليّة ضخ الدولار عبر المصارف. وبذلك، تكون حدثت مجزرة الدولارات التي تحصل اليوم كطلقة عبثيّة في الهواء، ولمصلحة بعض القادرين على مواكبة حفلات المضاربة من هذا النوع.

لماذا ضخّ الدولار؟
يدفعنا ما سبق إلى طرح سؤال واحد: ما الذي دفع رياض سلامة إلى مغامرة من هذا النوع؟ ما الذي فرض عليه التورّط في تبديد الدولارات في عمليّة طائشة تنتهي مفاعيلها خلال مدّة قصيرة، قبل أن يسأله الجميع عن الكلفة والهدف والمستفيدين، تمامًا كما حصل في مغامرة الهندسات الماليّة سابقًا؟

الجواب على هذا السؤال ممكن سياسياً، وليس على الصعيد الاقتصادي. فما يجري لا يمكن تفسيره بأي منطق اقتصادي أو مالي هادف. ولم يحدث أن اشتدّت الضغوط السياسيّة على حاكم مصرف لبنان كما حدث في الأسابيع الماضية. وهذا ما فرض على سلامة مقايضة يبدد بموجبها الدولارات، لضبط سعر الصرف على المدى القصير وتحصين وضعيّة حكومة ميقاتي، بمعزل عن آثار هذه الخطوة المدمّرة على المدى الأطول. وفي مقابل هذه الخطوة، تتكرّس الحماية السياسيّة التي يستفيد منها سلامة اليوم. وخصوصاً تلك التي يمنحها له رئيس الحكومة. وهكذا، تصبح المعادلة التي تحكم عمل مصرف لبنان اليوم هي: حماية سلامة مقابل تبديد الدولارات.

الضغوط على سلامة
قبل نحو ثلاثة أسابيع، رفضت الهيئة العامّة دعوى مخاصمة الدولة التي تقدّم بها بنك المتوسط  ضد القاضي جان طنّوس، الذي يحقق في الاتهامات الموجّهة لرياض سلامة في المحاكم الأوروبيّة. وبمجرّد سقوط دعوى مخاصمة الدولة، استعاد القاضي قدرته على التحرّك القانوني ضد سلامة، بعدما أدّت دعوى مخاصمة الدولة إلى كف يد طنّوس موقّتًا لمدّة شهر ونصف الشهر عن الملف، بانتظار البت بالدعوى. وما أن استكمل طنّوس تحقيقاته مطلع هذا العام، حتى اندفع بعيدًا في محاولة حصوله على داتا حسابات شقيق سلامة، وصولًا إلى مداهمة مراكز المصارف المعنيّة بهذه الحسابات قبل أيام. وكان القاضي على وشك الحصول على المعلومات التي تنتظرها المحاكم الأوروبيّة للوصول إلى مصادر أموال سلامة وشقيقه، المحوّلة من لبنان.

في أوروبا، ستكون العاصمة الفرنسيّة على موعد في نهاية هذا الشهر مع اجتماع للجهات القضائيّة التي تحقق في أمر تحويلات رياض سلامة في دول سبع. ويفضي هذا الاجتماع حتمًا إلى زيادة الضغوط على الدولة اللبنانيّة، لتسليم المحققين الأجانب المعلومات المرتبطة بمصادر التحويلات من داخل النظام المالي اللبناني. ولهذا السبب تحديدًا، من المتوقّع أن تكتسب تحقيقات القاضي طنّوس- وهو الجانب اللبناني في هذا الملف- زخمًا جديدًا، بالتوازي مع تلقّي الدولة اللبنانيّة من الدول الأوروبيّة المعنيّة مزيداً من طلبات التعاون وتقديم المعلومات.

وعلى هامش هذه الأحداث، تبرز أيضًا ملاحقات القاضية غادة عون، المستفيدة من غطاء سياسي سميك من العهد. وهذا ما سمح لها برفع السقف وصولًا إلى إصدارها مذكّرة منع سفر حاكم مصرف لبنان، على خلفيّة التهم الموجهة إليه في المحاكم الأوروبيّة. وإلى جانب ضغط القاضية عون، يصعّد رئيس التيّار العوني وتكتّله النيابي ضد رياض سلامة، بعدما كان التيار قد طرح في أواخر الشهر الماضي المقايضة بين عزل الحاكم ومشاركة التيّار في جلسة برلمانيّة مخصّصة لفصل التحقيق مع الوزراء والنوّب عن التحقيق العدلي في انفجار مرفأ بيروت.

غطاء ميقاتي السياسي
في كل هذه الملفّات، استعان سلامة بصديقه رئيس مجلس الوزراء نجيب مقياتي. وفي اللحظات الأخيرة تدخّل ميقاتي مع النائب العام التمييزي غسان عويدات، لعرقلة عمليّة مداهمة المصارف التي طلبها القاضي جان طنّوس من جهاز أمن الدولة، والتي كان يفترض أن تفضي إلى تسليم داتا حسابات شقيق سلامة. وبفضل تدخّل ميقاتي، توقّفت العمليّة بعدما كانت دوريّات أمن الدولة قد قامت بالمداهمة وشارفت على فرض استلام الداتا. وهكذا، تحوّل ميقاتي إلى العقبة الأساسيّة التي تحول دون سحب داتا شقيق سلامة، وتسليمها إلى المحاكم اللبنانيّة والأجنبيّة التي تحقق بارتكابات الحاكم.

وحتّى حين طرح باسيل المقايضة على رأس حاكم مصرف لبنان، في مقابل تلبية مطالب الثنائي الشيعي في ما يخص تحقيقات انفجار المرفأ، كان ميقاتي هو الطرف الذي اتخذ موقفًا حازمًا من أي مبادرة من هذا النوع، حفاظاً على مكانة الحاكم وحصانته. ويذكر الجميع كيف أعلن ميقاتي بوضوح أمام رئيس مجلس النوّاب أنّه "غير قادر على تأمين التغطية الداخليّة أو الخارجيّة للإطاحة برياض سلامة"، في تلميح إلى الدعم الذي يتلقاه سلامة داخليًّا من قوى سياسيّة عدة، وإلى الغطاء الدولي الذي يملكه من الولايات المتحدة الأميركيّة.

ثمن حماية سلامة
لهذه الأسباب بات ضخ الدولار بهذا الشكل مجرّد ثمن يدفعه حاكم مصرف لبنان لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي، مقابل تثبيت الحماية السياسيّة التي يتلقاها منه. وهذا في ظل اشتداد الضغوط الخارجيّة والداخليّة على سلامة.

وتبديد الدولارات بهذا الشكل، لن يسهم بأي معالجة نقديّة جديّة على المدى الطويل. وسيعاود الدولار صعوده حين ينتهي مصرف لبنان من هذه العمليّة المكلفة. ولكنّ غاية ضخ الدولار اليوم ليست سوى شراء الوقت لمصلحة رئيس الحكومة، عبر تهدئة صعود الدولار خلال الفترة الزمنيّة القصيرة المقبلة، على أعتاب الانتخابات النيابيّة إذا حصلت. وبالتوازي مع عودة الحكومة للاجتماع للتباحث في موازنة العام الحالي، وخطّة التعافي المالي. بمعنى آخر: سلامة يشتري الحماية السياسيّة بدولاراتنا!

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها