الأحد 2022/01/16

آخر تحديث: 11:07 (بيروت)

صغار المهنيين: بلا طبابة وتعليم لأولادهم ومهددون بالجوع

الأحد 2022/01/16
صغار المهنيين: بلا طبابة وتعليم لأولادهم ومهددون بالجوع
من يكسبون رزقهم يومياً حلت بهم كارثة معيشية ماحقة (خليل حسن)
increase حجم الخط decrease
يفشل أحمد نجم (45 عاماً) في تأمين مستلزمات عائلته شهرياً، على الرغم من ارتفاع وتيرة العمل في كاراج السيارات الذي يديره في منطقة الأوزاعي في بيروت. وهو يقول لـ "المدن": منذ بداية الأزمة أُقفلت كاراجات عدة في المنطقة. وهذا ما "ساعدني في الاستمرار، لكن مشكلة الفريش دولار بدأت تضغط على المهنة".

و يشتري أحمد معدات تصليح السيارات بالدولار، لكنه يتقاضى أجرته بالليرة اللبنانية. فمعظم شركات التأمين لا تسدد المبالغ بالدولار، بل بالليرة اللبنانية. ولكل شركة تسعيرتها الخاصة.

وتغيرت حياة نجم منذ العام 2019. خطط لتعليم ابنته الكبرى في جامعة خاصة، لكن حجز أمواله في المصارف، وصعوبة الوضع المعيشي، حالا دون ذلك، ولم يعد قادراً على تسديد نفقات تعليم أولاده في مدرسة خاصة، فاضطر إلى نقلهم إلى مدارسة رسمية. ولم يعد قادراً على تسديد إيجار الكاراج. فاستغنى عن جزء منه، وحافظ على مكان لا يتسع لأكثر من سيارة واحدة. وقلص أجور عماله لأنها تتخطى عشرة ملايين ليرة شهرياً.

هذا كله ظل مقبولاً لدى أحمد، قبل عجزه عن تسديد فاتورة الاستشفاء. في السابق، كانت طبابة أسرته على نفقته الخاصة، إضافة إلى اعتماده جزئياً على وزارة الصحة. ولما واجهته مشكلة صحية، لم يتمكن من علاجها، ويقول: "تكلفة الاستشفاء بالدولار، ولا أملكه. والوزارة غائبة، ولا نقابة تحمينا".

ويؤكد رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الأسمر في حديثه لـ "المدن" أن غياب النقابات التي تحمي أصحاب المهن البسيطة والتقليدية كانت دائماً محور اهتمام الاتحاد، لكن البيروقراطية وغياب التشريعات، شكلت عائقاً أمام تأسيسها. ومع تفاقم الأزمة بدت الحاجة إلى نقابة تحمي الفئات الضعيفة والمهمشة حاجة ضرورية. وإلا بات أصحاب هذه المهن بلا حماية لحقوقهم المكرسة بحكم الدستور. ويرى الأسمر أن الاتحاد العمالي، وإن كان مولجاً بحماية الفئات العمالية، يظل عاجزاً في ظل تقاعس السلطة السياسية. ويعتبر أن حق الطبابة يجب أن يكون مكرساً لجميع اللبنانيين، خاصة في ظل الأزمة الحالية، بهدف تحقيق العدالة الاجتماعية.

أبر الأنسولين
وقد يكون وضع عبد القادر شبارو أكثر صعوبة. فهو لا يسعى إلى تأمين المستلزمات الأساسية لعائلته فحسب، بل يبحث عن أبر الأنسولين لوالدته التي تعاني من مرض السكري.

ويعمل شبارو  في مجال صيانة الأدوات الصحية أو ما يعرف بأعمال "السنكرية". ويقول: "الأزمة أصابت الجميع. الأحوال تبدلت. والوضع لم يعد كالسابق. صحيح أن أجرتي ارتفعت بالليرة اللبنانية، لكنها هوت أكثر من 50 في المئة لدى حسابها بالدولار". قبل العام 2019، كان يلقب صاحب هذه المهنة، بالـ "البروفيسور"، وفق شبارو، بسبب ندرتها، وارتفاع أجرة اليد العاملة فيها. اليوم بات الطلب على المهنة ضعيفاً جداً، وبالتالي تأثرت حياة أصحاب هذه المهن بشكل كبير.

أصحاب المهن البسيطة أو التقليدية تأثروا جميعاً بهذه الأزمة التي انعكس ذلك على حياتهم. فمداخيلهم غير ثابتة، ولا يجيدون مهناً أخرى لتدبير كلفة معيشتهم اليومية. وشبارو غير مسجل في الضمان الاجتماعي، ولا يتمتع بتغطية صحية. في السابق كان يعتمد على شركة التأمين. أما اليوم، فهو غير قادر على تسديد قيمة التأمين بالدولار. ويؤكد لـ "المدن" أنه يقضي أيامه باحثاً عن أبرر الأنسولين، لكنه لا يجدها في أي صيدلية أو مستوصف.

يعود غياب الأدوية في لبنان إلى سياسات السلطات، كرفع الدعم، وشح احتياطي الدولار، وعمليات التهريب والاحتكار. ورغم ذلك، يرفض مدير عام وزارة الصحة فادي سنان في حديثه لـ "المدن" أن تكون الوزارة غائبة عن تلبية حاجات المواطنين، خصوصاً أصحاب المهن الحرة، أو من هم بلا أي جهة ضامنة. ويؤكد أن الوزراة تسعى إلى تأمين ما يلزم للمرضى في لبنان. ويقول: "الظروف الصحية قاهرة، والضغط على المستشفيات مرتفع. لكن لا يجوز اتهام الوزارة بالتقصير. فالأزمة عامة وليست محصورة بفرد أو فئة أو قطاع معين".

مداخيل ضئيلة
وقد يكون جورج خوري، الذي يدير "ميني ماركت" صغير ضحية أخرى لانخفاض قيمة العملة من جهة، واختفاء الأدوية من جهة ثانية. وهو يصف المعاناة بسبب الأوضاع الاقتصادية بالكارثة التي حلت على عائلته. فقبل الأزمة تراوح مدخول خوري مابين 900 ألف إلى مليون ومئتي ألف ليرة، ما يوازي 800 دولار. اليوم يصل مدخوله إلى ثلاثة ملايين ليرة، لكنه في الحقيقة لا يوازي أكثر من 100 دولار.

ويعانى خوري من تداعيات فيروس كورونا الذي أصابه الشتاء الماضي، ولا يزال يشعر بضيق في التنفس، ما يتطلب شراء أدوية للعلاج، لكنه لا يستطيع تسديد ثمنها  في حال وجدت.

صحيح أن الأزمة الاقتصادية طالت معظم اللبنانيين. لكن أصحاب المهن البسيطة، والذين يكسبون رزقهم بشكل يومي، حلت بهم كارثة معيشية ماحقة. وهم يحتاجون إلى سياسات اجتماعية تساعدهم في البقاء على قيد الحياة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها