الأربعاء 2022/01/12

آخر تحديث: 12:12 (بيروت)

المذكّرة الملغومة: "بروفا" وزارة المالية لتغيير سعر الصرف الرسمي

الأربعاء 2022/01/12
المذكّرة الملغومة: "بروفا" وزارة المالية لتغيير سعر الصرف الرسمي
تحاول وزارة المالية تحسُّس ردود الفعل حيال تغيير سعر الصرف الرسمي (Getty)
increase حجم الخط decrease
تُعتَبَر الرسوم والضرائب المصدر الأبرز لأموال الدولة. ولعجزها عن تحصيل أرباح إضافية من الرسوم على العقود المذكورة قيمتها بالليرة اللبنانية، نَبَشَ مدير الواردات في وزارة المالية، لؤي الحاج شحادة، المرسوم الإشتراعي رقم 67 الصادر عن رئيس الجمهورية شارل حلو في العام 1967، ليجد في متنه المادة 17 التي تنص على أن "تحوَّل، من أجل تحديد الرسم النسبي، المبالغ المذكورة في الصكوك والكتابات بعملة أجنبية إلى العملة اللبنانية على أساس سعر الصرف الأجنبي الذي كان رائجاً في السوق الحر في اليوم السابق لتاريخ نشوء الحق بالرسم. ما عدا المبالغ المذكورة في المستندات المقدمة للدائرة المالية المختصة فتحسب على أساس سعر الصرف الرائج بتاريخ تقديمها".

إنتقى شحادة عبارة "السوق الحر"، وأسقطَها على سعر منصة صيرفة، وطَلَبَ من دائرة الضرائب غير المباشرة والمصالح المالية الإقليمية في المحافظات، في مذكرة أصدرها يوم الإثنين 10 كانون الثاني، الإلتزام بأحكام هذه المادة واعتماد سعر صرف الدولار على أساس السعر المتداول على المنصة في اليوم السابق. أي أن وزارة المالية، ستُتَرجِم قيمة العملة الأجنبية للصكوك والكتابات قبل استيفائها، إلى ليرة حسب سعر المنصة.

خطأ في الترجمة
عودة شحادة نحو 55 عاماً إلى الوراء أفقده القدرة على الترجمة الصحيحة. فاعتماد المرسوم الإشتراعي لعبارة "السوق الحر" تختلف كثيراً عن سعر "منصة صيرفة". فسعر الصرف الرسمي في حينه كان حراً وغير مثبّت، واستقرار الاقتصاد العام كان يمنع الليرة من التحرّك بهوامش كبيرة وبفترات زمنية متقاربة، ولم يكن هناك أكثر من سعر للصرف، على غرار الموجود حالياً.

أما الركون إلى سعر المنصة، فيستدعي التذكير بأنها لا تلغي حقيقة وجود سعر رسمي للتعاملات في الدولة، سواء بالنسبة إلى مستحقاتها أو متوجباتها، وأي مقاربة لتقاضي المستحقات أو دفع المتوجبات، فمرتبط بالسعر الرسمي، الذي يتراوح بين 1507 ليرات و1517 ليرة، وفق ما يحدده مصرف لبنان. وأي قراءة خارج السياق الزمني لأحكام المرسوم، هي قراءة قاصرة وخاطئة.
ولمزيد من الغَرَق، خالَفَ شحادة نص المادة 35 من قانون الموازنة العامة للعام 2020، والمتعلّقة باستيفاء الضرائب والرسوم بالليرة اللبنانية. وتنص المادة حرفياً، على أنه "خلافاً لأي نص آخر عام أو خاص، تستوفى جميع الضرائب والرسوم والأجور من كل أنواع الخدمات التي تقدمها الدولة اللبنانية(...) بالليرة اللبنانية فقط(...) وإذا اقتضت الضرورة معادلة الليرة اللبنانية بأي عملة أجنبية بالنسبة لأجور بعض الخدمات، فيكون ذلك إلزامياً وفقاً للتسعيرة الرسمية التي يفرضها المصرف المركزي اللبناني. أما بالنسبة إلى حصة الدولة في قطاع استخراج النفط والغاز ومشتقاتهما وبيعها فيكون استيفاؤها حصراً بالدولار الأميركي أو اليورو".
وبما أن القانون أقوى من المرسوم الإشتراعي، فإن المادة 35 ألغت مفاعيل المادة 17 التي يستند إليها شحادة. كما لا يمكن استبدال قانون بموجب مذكرة صادرة عن موظف إداري، أي مدير الواردات في وزارة المالية. وبما أن السعر الرسمي ثابت ومعمول به، فإن تقاضي الرسوم لا يتجاوز سعر الـ1517 ليرة.

ترقيع غير فعّال
حاوَلَ وزير المالية يوسف الخليل تلطيف الأجواء وسحب مذكرة شحادة، لكنه سقط في الحفرة، إذ علّق العمل بالمذكّرة "مؤقتاً، على أن يتم البحث بها ضمن خطة اقتصادية وضرائبية متكاملة تلاقي تطلعات اللبنانيين وتخرجهم من أزمتهم الحالية"، وفق ما جاء في بيان مكتبه الإعلامي.

ومن جهة أخرى، عكسَ التعليق الذي جاء بعد نحو 24 ساعة على إصدار المذكّرة، عدم التنسيق بين المدير ووزيره، إلاّ إن كان الوزير قد وافَقَ سابقاً على المذكرة، وهو ما يتناقض مع مقتضيات الإلغاء الذي استند إلى "تأمين المصلحة العامة والحرص على الأوضاع المعيشية للمواطن اللبناني"، فهل كان الوزير والمدير يريدان القفز فوق المصلحة العامة ومصلحة المواطنين؟ ثم أن تعليق العمل بالمذكرة وليس إلغاءها، يفترض العودة إليها في حالة وضع خطة ضرائبية. لكن حتى في ظل وجود خطة متكاملة، تبقى المذكرة مخالفة للقانون ولا يمكن لموظف إداري أو حتى الوزير، اتخاذ قرار بشأن مضمونها.

تحضير الأرضية
تؤسس وزارة المالية لصدام كبير مع الشركات والمؤسسات التي تتعامل مع الدولة والأفراد. فسعر منصة صيرفة لا يعكس السعر الفعلي للدولار في السوق، والذي يشكّل السعر المقبول لدى المتعاملين بالدولار. والترويج لسعر المنصة على أنه السعر الرسمي قبل الاعتراف به "ضمن خطة اقتصادية وضرائبية متكاملة تلاقي تطلعات اللبنانيين وتخرجهم من أزمتهم الحالية"، على حد قول وزير المالية، سيرفع منسوب القلق في السوق وسيرفع تالياً سعر صرف الدولار بما يتخطّى سعر المنصة، التي بدورها تلحق عملياً تغيّرات سعر السوق، وإن بقيت معدلاتها أقل منه.

والأخطر، أن هذا الصدام سيحصل عاجلاً أم آجلاً، لأن الانتقال إلى تحرير سعر الصرف بات مسألة وقت ليس إلاّ، وستكون المنصة هي الراعي الأساس لهذا السعر. وما قام به مدير الواردات "لم يأتِ من فراغ ولم يكن قراراً متسرّعاً، بل هو محاولة تحسُّس ردود الفعل قبل إعادة العمل بموجب المذكّرة بعد فك تعليقها المؤقت"، على ما تؤكّده مصادر قانونية واقتصادية لـ"المدن".

لكن تتخوّف المصادر من أن تؤسس المذكرة -في حال تنفيذها- بعيداً من الإصلاحات المطلوبة، لحالة "تفلّت ضريبي وفوضى في الرسوم، خاصة في الجمارك والخليوي وغيرها". وتتساءل عمّا إذا كانت الدولة ستعتمد سعر المنصة في دفع مستحقاتها. والأهم، هل تملك وزارة المالية الملاءة النقدية الكافية لاعتماد سعر صرف رسمي أعلى؟ أما الاتكال على طبع العملة وتكديس أوراق فاقدة لقيمتها الفعلية، فهو لن يعدو كونه مساهمة في تكبير حجم التضخّم ومعدّل انهيار الليرة وامتصاص قيمة ما ستقدّمه الرسوم بسعر المنصة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها