السبت 2021/09/04

آخر تحديث: 14:20 (بيروت)

أحزاب المنظومة تستهدف تمويلات منظمات المجتمع المدني للسطو عليها

السبت 2021/09/04
أحزاب المنظومة تستهدف تمويلات منظمات المجتمع المدني للسطو عليها
تريد الأحزاب مصادر لتمويل شبكاتها الزبائنيّة السياسيّة والانتخابات النيابيّة (Getty)
increase حجم الخط decrease
على حين غرّة، باتت جمعيّات ومنظمات المجتمع المدني مستهدفة في خطاب أحزاب المنظومة السياسيّة، وتحديداً في مصادر تمويلها الأجنبيّة وحجم الدولارات التي تتلقاها. هذا الاستهداف لا يعبّر فقط عن الانزعاج من الدور السياسي الذي يمكن أن تلعبه منظمات المجتمع المدني والمجموعات السياسيّة البديلة في الحقبة المقبلة، بل بات يعكس رغبة هذه الأحزاب في الحصول مصدر جديد لتمويل شبكاتها الزبائنيّة السياسيّة التي أقامتها في المناطق المختلفة.

أموال الزبائنيّة
فأحزاب المنظومة، لطالما استعملت التعاونيات والبلديات والجمعيات المحليّة واجهات لها، للاستفادة من تمويل السفارات الغربيّة ومنظمات الأمم المتحدة وسائر الهيئات الدوليّة، ولتمويل الخدمات والتنفيعات وشراء الذمم في المناطق المختلفة. لا بل كانت قنوات التمويل هذه أحد سبل رفد هذه الأحزاب والقائمين عليها في المناطق بالسيولة، من خلال الفساد الذي اشتهرت به هذه المشاريع.

أما اليوم، فبات من الواضح أن ثمّة قرار دولي بنقل الجزء الأكبر من المساعدات والتمويل الأجنبي إلى جمعيات ومنظمات المجتمع المدني المستقلّة عن هذه الأحزاب، فيما تحاول معظم المؤسسات الدوليّة والسفارات الغربيّة الابتعاد عن تمويل المشاريع التي تمثّل واجهة للزعامات الطائفيّة وشبكة مصالحها. لا بل حتّى المؤسسات الرسميّة التابعة للدولة اللبنانيّة، باتت تخضع للكثير من الضوابط الرقابيّة قبل الحصول على هذا النوع من المساعدات، للحؤول دون إساءة استعمالها.

ولهذا السبب بالتحديد، باتت منظمات المجتمع المدني وما تتلقاه من تمويل أجنبي مستهدَفة من الأحزاب الطائفيّة، في محاولة لوضع اليد على هذا التمويل وإعادته إلى وضعيته السابقة في خدمة المنظومة. أمّا المفارقة فكانت في حديث بعض السياسيين، عن شفافيّة إنفاق المساعدات الإنسانيّة من قبل هذه الجمعيات، في حين أن هؤلاء بالتحديد كانوا من ذوي الباع الطويل في هدر الأموال العامّة التي كان يفترض أن تُستخدم لإعادة المهجّرين إلى قراهم بعد الحرب.

البلديات: سمسرات ومشاريع على الورق
تاريخيّاً، مثلت البلديات بالتحديد القناة الأساسيّة التي قامت من خلالها الأحزاب السياسية بامتصاص المساعدات الخارجيّة والتمويل الأجنبي، ومن ثم توزيع هذه المشاريع كمغانم وتنفيعات للمحسوبين على هذه الأحزاب، أو على من تريد الأحزاب شراء ولائه. والملفت في الموضوع، أن أحداً ما لا يملك اليوم رقماً محدداً لحجم هذه الأموال التي بدأت بالتدفّق على البلديات منذ التسعينات، بسبب صعوبة الحصول على قطوعات الحساب من جميع البلديات، لا بل وعدم التصريح رسمياً عن الكثير من هذه المشاريع. وفي الوقت نفسه، جرى التغاضي عن عمد عن تحديد مرجعيّة تشرف على تنفيذ هذه المشاريع، وتتأكّد من تكاملها في المناطق.

وهكذا، يبدو من الغريب اليوم تساؤل الأحزاب عن شفافيّة مشاريع جمعيات المجتمع المدني وأساليب انفاقها، بينما كان انفاق المجالس البلديّة المحسوبة على هذه الأحزاب بعيد كل البعد عن أبسط معايير الشفافيّة. لا بل تكفي مراجعة بسيطة للأدوار التي تقوم بها البلديات في جميع المناطق ليدرك المرء أنها لم تحقق أي من أهداف المشاريع التي حصلت على أساسها على التمويل الأجنبي. فخطط معالجة النفايات عبر الفرز من المصدر، ومن ثم إعادة تدويرها، ظلّت حتى اليوم حبراً على ورق في الغالبيّة الساحقة من المناطق اللبنانيّة، رغم انفاق الاتحادات البلديّة في جميع الأقضية كميات ضخمة من أموال المانحين الأجانب على هذا النوع من الدراسات والمشاريع.

على أي حال، توزّعت مصادر التمويل الأجنبي الذي استفادت منه البلديات ما بين البنك الدولي والاتحاد الأوروبي والوكالة الأميركيّة للتنمية الدوليّة USAID، إضافة إلى برنامج الأمم المتحدة الإنمائي. وقد استفادت جميع البلديات من هذا النوع من التمويل بمعزل عن مرجعيتها السياسيّة ومرجعيّة الجهة الدوليّة المموّلة، كحال بلديّات الجنوب وبعلبك مثلاً، والتي تمكنت طوال السنوات الماضية من الاستفادة من تمويل الوكالة الأميركيّة للتنمية الدوليّة.

ومع الوقت، بدأت الجهات المانحة تكتشف عبثيّة الانفاق على هذا النوع من المشاريع، وبدأ حجم الأموال التي تستفيد منه البلديات يتناقص تدريجياً، في مقابل تزايد حجم التمويل الذي تحصل عليه الجمعيات المستقلّة والمجتمع المدني. ولعلّ هذه المسألة بالتحديد هي ما يغيظ اليوم الكثير من الأحزاب، التي تتطلّع لإعادة الاستحواذ على مصدر الدولارات هذا في المستقبل، لاستعماله في تمويل خدماتها وتعزيز سطوتها وشعبيتها، وخصوصاً في المرحلة التي ستسبق الانتخابات النيابيّة المقبلة.

التعاونيات: يتآكلها الفساد
في الأصل، كان يفترض أن تكون التعاونيات الزراعيّة والحرفيّة والصناعيّة باب من أبواب تعزيز القطاعات الانتاجيّة، من خلال تعاضد أصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسّطة الحجم ضمن إطار هذه التعاونيّات، وعملهم على الاستفادة من مقدراتها لزيادة قدرتهم التنافسيّة. ولهذا الهدف، كان العمل على قانون التعاونيات الذي جرى إقراره سنة 1964 جزءاً من خطة النهج الشهابي، لتنمية الأرياف وخلق فرص عمل فيها، وتأسيس نمو اقتصادي مستدام على المدى الطويل.

لكن أحزاب ما بعد الطائف غيّرت هذه المعادلة كلياً، فجعلت من التعاونيات مجرّد باب من أبواب الحصول على الدعم المالي الأجنبي، ومن ثمّ إنفاق هذه المساعدات على الخدمات التي تقدمها القوى السياسيّة في القرى لمناصريها. كما استفادت الأحزاب من القانون الذي يمنع تشكيل أكثر من تعاونيّة واحدة للهدف نفسه في قرية محددة، من أجل تقاسم رخص التعاونيات الزراعيّة وفقاً لقواعد التحاصص المذهبيّة، ومن ثم احتكار المساعدات الأجنبيّة المخصصة للتعاونيات. وبهذه الطريقة، تحوّلت الغالبية الساحقة من التعاونيات على امتداد الأراضي اللبنانيّة إلى كيانات شكليّة، لا تمثل إلا قناة من قنوات مصادرة تمويل السفارات والهيئات الدوليّة.

ولذلك تقلّص التمويل الذي تستفيد منه معظم التعاونيات غير الفاعلة في الكثير من المناطق، بالتوازي مع تقلّص التمويل الأجنبي الذي يصل إلى الدولة والبلديات، لعدم ثقة الجهات الدوليّة بأي كيان يقع تحت هيمنة الأحزاب المسيطرة في لبنان. وصار تقلّص هذا التمويل الذي يصل في النهاية إلى يد الأحزاب جزءاً من أسباب الضغينة على جمعيات المجتمع المدني، التي ما زالت تستفيد اليوم من هذا النوع من التمويل.

جمعيات عائليّة وشراكات حزبيّة
الجمعيات العائليّة، التي غالباً ما تؤسسها أو تشرف عليها زوجات وعوائل كبار الزعماء، لطالما كانت من المستفيدين من تمويل السفارات والجهات الدوليّة، تحت عناوين الاهتمام باللاجئين أو المعوقين أو حتى إقامة المهرجانات في المناطق، كحالة الجمعيات التي تدور في فلك رندة بري ونورا جنبلاط وستريدا جعجع وغيرهن. حتّى أن الأحزاب الطائفيّة نفسها اعتادت تاريخيّاً على الدخول في شركات استراتيجيّة مع منظمات وأحزاب أجنبيّة، للحصول على الدعم المالي الخارجي لمشاريع معيّنة. وكل قنوات التمويل هذه، باتت تعاني اليوم من شح كبير بعد الانهيار المالي الذي ضرب البلاد، وبعد القرار الذي أجمع عليه المانحون الدوليون بعدم تقديم أي تمويل يمكن أن يفضي إلى إعادة تعويم هذه الأحزاب.

هكذا تقاطع عاملان ضاغطان على أحزاب المنظومة: لم يعد بإمكان هذه الأحزاب تمويل زبائنيتها من الميزانيّة العامّة، كما كانت تفعل في السابق، بسبب حالة التعثّر التي تمر بها الدولة. كما لم يعد بإمكانها استعمال التمويل الخارجي لهذه الغاية، بعد أن شحّت أموال المساعدات الأجنبية التي تصل إلى يد البلديات والجمعيات والتعاونيات المحسوبة عليها.

ولذلك صار المطلوب الضغط على المجتمع المدني، للحد من قيمة المساعدات والهبات التي يستفيد منها اليوم، لاستعادة ما كانت تحصل عليه الأحزاب من هذه المساعدات في السابق. وبالتوازي، يبدو أن هذا الاستهداف ينطوي أيضاً على هدف سياسي، يتمثّل في تشويه صورة القوى السياسيّة البديلة الناشئة، وتصويرها على أنها جمعيات مجتمع مدني تنشأ في حضن التمويل الخارجي، وكمؤامرة أجنبيّة على المنظومة السياسيّة اللبنانيّة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها