الأحد 2021/09/26

آخر تحديث: 17:19 (بيروت)

التفاوض مع صندوق النقد وأفق الإصلاحات: ثلاثة أشهر حاسمة

الأحد 2021/09/26
التفاوض مع صندوق النقد وأفق الإصلاحات: ثلاثة أشهر حاسمة
حكومة ميقاتي أمام استحقاق مصيري (دالاتي ونهرا)
increase حجم الخط decrease
مع تشكيل حكومة نجيب ميقاتي، زادت الأسهم الإيجابية حيال التفاوض مع صندوق النقد والبدء بترتيب الأوضاع -على الأقل نظريًا- وصولًا للخروج من الأزمة. فهل تملك الحكومة الوقت قبل الوصول إلى الانتخابات النيابية؟ وما هو أفق الإصلاح وعراقيله؟

الإصلاحات وحجم الخسائر
لم تصل المفاوضات التي بدأت في شهر شباط 2020 مع صندوق النقد، إلى أرضية صلبة. فالجانب اللبناني غرق في تباين أرقام الخسائر والديون بين الحكومة ومصرف لبنان، فقدّم كل طرف أرقامًا مختلفة، ولم يجرِ الاتفاق على توحيد الأرقام، ما دفع الصندوق إلى التماس عدم الجدية، ووقف جانبًا منتظرًا أي جديد من جهة لبنان.

لم يحصل إي جديد إيجابي، بل على العكس، علّق لبنان عملية التفاوض مع الصندوق في تموز 2020. ورأى وزير المالية حينها، غازي وزني، أن المفاوضات مع الصندوق "علّقت، في انتظار بدء لبنان تنفيذ الإصلاحات بأسرع وقت ممكن، والتوافق على مقاربة الأرقام بشكل موحّد".

بين الحكومتين
خرجت حكومة دياب من المشهد واضعة الكثير من النقاط السلبية على ملف التفاوض، أبرزها "خسارة سنة ونصف سنة نتيجة عدم الدراية بأصول العلاقات الدولية، وهدر أكثر من 10 مليار دولار من أموال المودعين، وعدم دفع 1.2 مليار دولار هي قيمة سندات اليوروبوند. خلق موقف دولي مرتاب من جدية لبنان بالتفاوض مع صندوق النقد، والأهم هو جدية النية بالخروج من الأزمة، لأن أبسط الإصلاحات لم تُنَفَّذ"، وفق ما تقوله لـ"المدن" مصادر على تواصل مع صندوق النقد الدولي.

أولى الخطوات الإيجابية التي برزت مع تشكيل حكومة ميقاتي، تظهر من خلال إعادة إحياء عملية التدقيق الجنائي مع شركة ألفاريز أند مارسال. وأيضًا من خلال إبداء مجموعة من الدائنين أملها وتوقّعاتها في أن "تعزّز الحكومة الجديدة عملية إعادة هيكلة الديون بطريقة سريعة وشفافة ومنصفة". ويأتي هذا الموقف بعد "سنوات الاضطرابات السياسية وسوء إدارة الاقتصاد، قوضت قدرة لبنان على خدمة عبء ديون يوازي أكثر من 170 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي". حسب ما أوردته هذه المجموعة لوكالة رويترز.
ثاني الخطوات الإيجابية، كما تراها المصادر، هي "تضمين الحكومة أسماء عملت مع صندوق النقد وتحظى بثقته، مثل وزير المالية يوسف الخليل الذي شغل منصب مدير العمليات المالية في مصرف لبنان المركزي، ونائب رئيس مجلس الوزراء سعادة الشامي، وهو خبير في مجال الاقتصاد الكلي والسياسات المالية، وهذان الإسمان عمِلا مع صندوق النقد ويعرفان كيفية التواصل معه وما يريده الصندوق".
الفارق بين حكومة دياب وحكومة ميقاتي، في ما يتعلق بالتفاوض مع صندوق النقد، هو انتظار الأولى للصندوق كي يأتي إليها ويقدّم لها حلولًا، ومحاولة الثانية تمهيد الطريق للذهاب نحو الصندوق. وتكشف المصادر أنها تواصلت مع صندوق النقد بصفة شخصية وليس رسمية، بحكم طبيعة عملها، وكانت الخلاصة بأن الصندوق "يريد أن تأتي الحكومة إليه وتقدّم خطتها للاصلاح، ليقدّم هو مساعدته". أولى المساعدات هي "التفاوض مع الدائنين". فالمصادر طرحت على الصندوق بأن تكون الخطوة الأولى هي التواصل مع الدائنين، وكان ردّ الصندوق بأن "هذا المطلب بداية جيدة. لكن لبنان لم يُبدِ استعدادًا للتفاوض".

لا وقت للماطلة
لعلّ أهم ما قاله وزني حيال التفاوض مع صندوق النقد، هو أنّ "الوقت لم يعد يسمح بالمماطلة ويجب أن نتفق بأسرع ما يمكن". وبالفعل، قد لا تستطيع الحكومة الحالية كذلك، التوصّل إلى اتفاق مع الصندوق أو البدء بالاصلاحات الداخلية. فالعراقيل جاهزة وأصلبها ما يتعلّق بملف الكهرباء وإشاعة جو الثقة لتهدئة الدائنين وتجشيع المستثمرين.

الكهرباء تنتقل من تعثّر لآخر، وتشهد انهياراً بصورة يستحيل معها الإصلاح. ذلك أن الفريق المسيطر على وزارة الطاقة، ما زال يصرّ على تطبيق خطته الموضوعة في العام 2010، والتي تقوم على ابتداع قنوات رديفة لمعامل الإنتاج، تتمثّل ببواخر الطاقة، بالاضافة إلى الاصرار على الاحتفاظ بالشركات مقدمي الخدمات، فضلًا عن رفض تعيين الهيئة الناظمة للقطاع وتعيين رئيس لمجلس إدارة مؤسسة كهرباء لبنان خلفًا لكمال حايك الذي لا يفعل شيئًا سوى تمرير ما يريده وزير الطاقة.
واقع الكهرباء الذي يتكامل مع الهدر الحاصل وثقل الديون التي ترتّبها مؤسسة الكهرباء على الخزينة، يؤشّر إلى صعوبة -إن لم يكن استحالة- إجراء إصلاحات ترضي صندوق النقد الذي يضع الكهرباء ضمن أولوياته.
وبالتوازي، إصلاح قطاع المصارف ليس صعبًا، وتؤكّد المصادر أنه "في ظل وجود مؤسسة دولية راعية لإدارة الأزمة، ستلتزم المصارف. خاصة وأنها تملك ملاءة وموجودات حتى وإن افتقرت إلى السيولة".

بانتظار الأشهر الثلاثة
في الشكل، لدى حكومة ميقاتي حظوظ أكثر. لكن في المضمون، للدائنين حق أقوى. وهم القادرون على حشد الرأي العام العالمي ضد لبنان. فهناك "بين 3 و4 شركات دائنة، تشكّل ديونها أكثر من 25 بالمئة من حجم الدين الخارجي، وقادرة على وضع يدها على موجودات الدولة بمعدّلات لا نعرف أين يمكن أن تصل. وما يحسم المسألة هو الأشهر الثلاثة المقبلة. فإن كانت النتائج إيجابية، قد تفتح الآفاق أمام تعزيز ثقة المستثمرين والدائنين، وتفتح الآفاق أمام البنوك المراسلة لتعزيز التعاون مع لبنان".

أما الاختلاف حول الأرقام بين الحكومة والمركزي، فهي ليست أزمة كبيرة لأن "صندوق النقد يعرف الأرقام الحقيقية، والمشكلة الأكبر ليست في الأرقام، بل في الرغبة بالإصلاح".

الانتخابات النيابية المقبلة ستغيّر المعادلة إن لم يكن لبنان قد أرسى قواعد التفاوض مع صندوق النقد. فالقوى السياسية ذات مزاج متقلّب. وإحداها لا حرج لديها في استمرار الوضع على ما هو عليه أو استفحاله. هذا الفريق سيخرج قريبًا من دائرة الحكم المباشر ليبقى في الظل ممسكًا بأهم الملفات، وهو الطاقة. لكن ما سينتج لاحقًا سيزيد الضغط على البلاد. وعليه، إما أن يظهر شيء إيجابي قبل نهاية العام وإما المزيد من الخراب.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها