تتسابق تداعيات الأزمة الاقتصادية في لبنان مع استنزاف جميع الموارد المالية، فضلاً عن تفاقمها مع رفع الدعم عن السلع الأساسية والمحروقات. وقد أدى هذا التسارع منذ عام 2019 إلى انهيار اقتصادي شامل، بدأت سلبياته تظهر مع تزايد عمليات إغلاق المؤسسات التجارية والصناعية والسياحية، والتسريح العشوائي والمنظم للعمال والموظفين.
هذه الأسباب رفعت نسب البطالة في لبنان. فكم بلغت؟ ومن هي الفئات الأكثر تضرراً؟ وكيف سترتفع حدة الآفة مع خطوات رفع الدعم؟
معدلات البطالة وسماتها
صنفت "إدارة الإحصاء المركزي" في آخر تقاريرها سمات البطالة في لبنان، وجاءت على الشكل التالي:
- 55% يعملون بشكل غير نظامي، مقابل 45% يعملون بشكل نظامي.
- بطالة الشباب هي الأعلى، وترتفع عند فئة الشباب الذين يحملون شهادات جامعية إلى 35.7%
- نسبة عالية من بطالة النساء.
- تتركّز البطالة بشكل أساسي في مناطق عكار والجنوب والبقاع الأوسط وعاليه.
هذه النسب ارتفعت حتماً في عام 2021. إذ يشير آخر تقرير صادر عن "منظمة العمل الدولية" عن مستويات الهشاشة والعمل في القطاع غير المنظم للمواطنين اللبنانيين الأشد حرماناً، إلى أن معدل المشاركة في القوى العاملة –هو نسبة السكان في سن العمل ممن ينشطون في سوق العمل سواءً أكانوا يعملون أم لا– بلغ 39.7%، واحتمال مشاركة الرجل في القوة العاملة 62.1% أكبر بكثير منه لدى المرأة 15.5%.
في الوقت نفسه، كان معدل البطالة الإجمالي في العينة مرتفعاً، إذ بلغ 33%، ومعدل بطالة النساء 37.2% أعلى قليلاً من معدل الرجال 32%.
كما سجل الشباب معدل مشاركة متدن في القوة العاملة بلغ بنسبة 42.5% بين البالغين بعمر 25 سنة فما فوق. وبلغت نسبة الشباب خارج التعليم أو العمل أو التدريب 62.3% مع ارتفاعها في صفوف الشابات إلى 72.1% مقارنة بالشبان53%.
البطالة نحو 41.4% نهاية العام
وحسب تقديرات وزارة العمل اللبنانية، وصل معدل البطالة عام 2020 إلى نحو 36% ويرجّح أن يبلغ 41.4% نهاية 2021، في حين يؤكد مصدر في وزارة العمل لـ "المدن"، أنه "لا توجد إحصاءات دقيقة تستطيع تحديد نسبة البطالة في لبنان، خصوصاً أن الأزمة الراهنة على المستويين المالي والاقتصادي قد رفعت من منسوب البطالة بشكل كبير. وأن التطورات المتسارعة على هذا المستوى، يجعل أي جهة احصائية عاجزة عن تحديد نسبة البطالة."
وتابع المصدر:" ولكن أتوقع أن نسبة البطالة فاقت 50% رغم التوقعات السابقة لوزارة العمل. وأكثر القطاعات التي شهدت عمليات صرف كبيرة للموظفين، هي قطاعات الخدمات، مثل القطاع المصرفي والقطاعات الفندقية وقطاع البناء والمقاولات، وأيضاً قطاع الإعلام".
كما لفت إلى أن "موظفين في القطاع العام باتوا يغيبون عن عملهم لعجزهم عن تأمين بدل النقل ليلتحقوا بوظائفهم."
أما إحصاءات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي منذ مطلع 2020 ولغاية شباط 2021، فتشير إلى أن صافي عدد الخارجين من سوق العمل بلغ 40 ألفاً ممن كانوا مسجلين بالضمان.
ارتفاع معدل "الفقر"
إن تسريح العمال والموظفين من مؤسساتهم وإغلاق أخرى لأسباب مالية، يدخل لبنان في كارثة اجتماعية.
إذ تظهر دراسة أخيرة للجنة "الإسكوا" التابعة للأمم المتحدة عما وصل إليه مستوى الفقر بين اللبنانيين، فنسبة الذين يعانون من الفقر المتعدّد البُعد في العام 2021 حوالى 82% من العدد الإجمالي للسكّان، فيما تبلغ نسبة من يعانون الفقر المُدقع المتعدّد البُعد 40%، في حين سجَّلت معدلات التضخم مستويات خطيرة وكبيرة وصلت إلى 281%.
وفي حديث لـ"المدن"، أشار الباحث في المؤسسة الدولية للمعلومات، محمد شمس الدين، إلى "أن هناك حوالى 80 ألف شخص تركوا العمل، و480 ألف شخص عاطلون عن العمل، ما يمثل 35% من القوى العاملة. وهو رقم متحفظ، من الممكن أن يرتفع بأي وقت. ما يؤدي حتماً إلى ارتفاع في معدلات الفقر".
ويضيف أن "معظم القوى العاملة في لبنان يتقاضون رواتبهم بالعملة الوطنية، ومع رفع الدعم ستزداد آفة البطالة، وسيتأثر قطاع المحروقات سلباً، وقد يتضرر حوالى 50% من العاملين في هذا القطاع".
من جهته، أكد المدير التنفيذي لـ"المرصد اللبناني لحقوق العمال والموظفين"، أحمد ديراني، لـ"المدن"، "أن معدلات البطالة في لبنان ارتفعت بعد تزايد تسريح العمال والموظفين وإقفال مئات الشركات والمؤسسات من دون سابق إنذار، وإخفاق السلطات المعنية في الحد من الخسائر ونزيف القطاعات الإنتاجية".
ويضيف، "أن القطاعين العام والخاص تضررا بشكل كبير، فهذه الأزمة طالت كافة فئات المجتمع، لكن لا شك بأن فئة الشباب نالت القسم الأكبر من نسبة البطالة الآخذة بالارتفاع".
رفع الدعم سيزيد من حدة البطالة
هذا ويشرح رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الأسمر لـ"المدن" عن هذه الآفة، مقسماً البطالة إلى قسمين:
"أولاً- البطالة الناتجة من الصرف والتي لامست بحدود 35%، وعند النساء كانت أكثر ولامست 45% من مجمل 35 بالمئة، وفئة الشباب كانوا أكثر عرضة للصرف في القطاع المصرفي والقطاع السياحي بنسبة 20%. وحسب آخر حصيلة عمليات الطرد، صرف 3 آلاف شخص من أصل 23 ألف عامل في القطاع المصرفي.
ثانياً- البطالة الناتجة عن عدم وجود فرص عمل فهي مرتفعة أيضاً، إذ أن هناك 235 ألف جامعي نالوا شهاداتهم: 90% منهم لم يجدوا أي فرصة عمل وبالتالي كانوا مشاريع هجرة."
ويتابع الأسمر: "أما عملية رفع الدعم التي لطالما حذرنا منها، فستزيد من حدة هذه الأزمة وستؤدي إلى كوارث عند العاملين في جميع القطاعات". ويشرح، "أنه حسب دراسة أعدها الاتحاد، فإن الحد الأدنى للأجور، البالغ حالياً 675 ألف ليرة، من المفترض أن يتضاعف عشر مرات، نظراً إلى أنه قد لا يساوي، خلال وقت قصير، ثمن صفيحتي بنزين. وبالتالي، منطقياً يجب أن يكون بحدود 7 ملايين ليرة".
ويوضح الأسمر، "أن المواطن يحتاج، لكلفة نقل وبدل مولد الكهرباء فقط، نحو 3 ملايين ليرة، وبالتالي ستزداد نسبة البطالة المرتفعة أساساً".
هذه التقارير والأرقام تتماهى مع إعلان "البنك الدولي" بأن الانهيار الاقتصادي الذي يمر به لبنان هو "الأكثر حدة وقسوة في العالم"، وقد صنّفه ضمن أصعب ثلاث أزمات اقتصادية واجتماعية سُجلت في التاريخ الحديث. ورغم ذلك تقف السلطة اللبنانية عاجزة عن وضع خطة عمل صارمة توقف نزيف البطالة وتبعاتها الاجتماعية.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها