الخميس 2021/09/16

آخر تحديث: 12:54 (بيروت)

الحكومة تحمي تلزيمات مشبوهة بطلها الوزير وليد نصّار

الخميس 2021/09/16
الحكومة تحمي تلزيمات مشبوهة بطلها الوزير وليد نصّار
وعد الوزير نصار أنه سيعلن أمام الرأي العام "كافة التفاصيل خلال يومين" (دالاتي ونهرا)
increase حجم الخط decrease
في تشرين الأول المقبل، ولغاية 31 آذار 2022، تشهد مدينة دبي في الإمارات العربية المتحدة إطلاق معرض إكسبو دبي 2020. وقد بدأ التحضير له في العام 2019، وعُلِّقَ بفعل انتشار فيروس كورونا. يضم المعرض 191 دولة ويستقبل نحو 25 مليون زائر. ولبنان من بين الدول التي ستشارك في المعرض وسيكون له جناح خاص. ولأن الجناح يمثّل الدولة اللبنانية، تُجري وزارة الاقتصاد مناقصة لتسليم تصميمه وتنفيذه وتشغيله لإحدى الشركات. ومن هنا تبدأ الحكاية وفق الصيغة المعهودة، والتي تخلص إلى غموض في التلزيمات واختيار المُنَفّذين وفقًا للارتباطات السياسية والمصالح المادية والشخصية. ورجل التلزيمات الغامضة هذه المرة، هو وزير السياحة الجديد وليد نصّار. فما هي تفاصيل القضية؟

شفافية التلزيم
يؤكّد وزير الاقتصاد الأسبق منصور بطيش، في حديث لـ"المدن"، أن الوزارة ذهبت إلى إدارة المناقصات لاجراء المناقصة، التماسًا للشفافية.

في الإدارة، اجتمعت لجنة المناقصات في شهر أيلول 2019. وحسب الوثائق التي حصلت عليها "المدن"، بقيت شركتان للتصفيات النهائية، هما شركة آي سي إي ICE وشركة بلاتفورم ش.م.ل. تم قبول عرض الشركتين، الأولى تحت رقم 18739، من دون ملاحظات، فيما تم قبول عرض شركة بلاتفورم، والمسجّل تحت رقم 18740، "مع الإشارة إلى أن إفادة الخبرة (...) غير كافية. لكن اللجنة أخذت بالاعتبار عقد الاتفاق الموقّع بين العارض ومجموعة من الشركات الأجنبية بخصوص موضوع عقد الشراكة من أجل تنفيذ المشروع، وهذه الشركات تملك الخبرة المطلوبة، بموجب الإفادات المرفقة بالعرض".

فتحت إدارة المناقصات العروض الفنية والأسعار، وخلصت النتائج إلى أن "السعر الاجمالي المقدّم من شركة آي سي إي هو 5 مليار و244 مليون و750 ألف ليرة، فيما سعر شركة بلاتفورم هو 6 مليار و28 مليون و410 آلاف ليرة". وبعد تقييم كافة العروض، "حازت شركة آي سي إي على علامة 88.49 على 100 فيما حازت شركة بلاتفورم على علامة 84.66 على 100". فاتخذ القرار النهائي بفوز شركة ICE بتاريخ 7/10/2019.



"طلبت الوزارة من الشركة المباشرة بالعمل لكسب الوقت. تواصلنا مع إدارة المعرض في دبي وتوجّهنا إلى هناك. وبعد نحو 4 إلى 5 أشهر من العمل، أبلغونا في الوزارة أنه بسبب انتشار كورونا وأوضاع البلاد، مع انطلاق ثورة 17 تشرين الأول، وارتفاع أسعار الدولار. فالوزارة لم تعد تملك المبالغ الكافية لتدفع للشركة"، وفق ما تقوله لـ"المدن" صاحبة شركة ICE نتالي رحال.
ويتطابق كلام رحال مع ما أكّده بطيش من الناحية المالية "فأوضاع البلاد لا تسمح للوزارة بدفع مبلغ هائل بالدولار. لذلك، قلت لنبحث عن تبرعات، فلا يمكننا دفع المبلغ بالدولار. كما أن الدفع يحتاج لموافقة مجلس الوزراء، وتأمين المبلغ من قِبَل وزارة المالية. فماذا لو قالت المالية بأنها لا تملك المبلغ أو امتنعت عن تأمينه بسبب الأوضاع؟ وعليه، علّقنا العمل بالمناقصة. وتغّيرت الحكومة ولم أعد أنا وزير اقتصاد ولم أعرف ما حصل لاحقًا".
وتجدر الإشارة إلى أن ثمة وجهة نظر أخرى، تقول بأن تعليق بطيش العمل بنتائج المناقصة، وإن كان يحمل أبعادًا تتعلق بالحرص على المال العام، إلا أنه جوهريًا بعيد من ذلك، ويهدف إلى "عدم تلزيم شركة ICE، تمهيدًا لتلزيم شركة أخرى".

شركتان لرجل واحد
سحبت حكومة حسان دياب المشروع من يد وزارة الاقتصاد وسلّمته لغرفة التجارة والصناعة والزراعة في بيروت وجبل لبنان، بحجّة أن الغرفة تكفّلت بتمويل المشروع. فتجاهلت الحكومة حقيقة أن رجال أعمال لبنانيين تبرّعوا بتمويل المشروع، وتجاهلوا حقيقة أخرى بأن إعلان بطيش عدم الرغبة بدفع أموال في الظروف الصعبة التي يمر بها لبنان، ترافق مع طلب إلى الإمارات، يتمنى عليها تقديم مساهمة مجانية للبنان، فوافقت الإمارات على تمويل إنشاء الجناح اللبناني. أي أن هناك خيارين مجانيين متاحين، يقتضيان الاستمرار بالمشروع وفق نتائج إدارة المناقصات، من دون الحاجة لإدخال غرفة بيروت وجبل لبنان. أما في حال ارتأت الغرفة تقديم تمويل ما، فلا مانع، لكن وفق النتائج الرسمية، وهو ما لم يحصل.

وتتساءل المديرة العامة السابقة لوزارة الاقتصاد، عليا عباس في حديث لـ"المدن"، أن المشروع "من مسؤولية وزارة الاقتصاد، فلماذا سُلِّم لغرفة التجارة؟ كما أن التمويل لا يلزم تسليم إدارة المشروع وتنفيذه للمموِّل".
والقضية لم تنحصر في التمويل، ولعلّه الجزء الأقل أهمية مقابل تغيير نتائج إدارة المناقصات.
بعد تسليم المشروع للغرفة، سلّمت الأخيرة المشروع لشركة وانس ONCE التي تؤكّد مصادر متابعة للملف، أنها تعود لوزير السياحة وليد نصار، والذي ينفي في حديث لـ"المدن" ملكيته لها، ويؤكد بأنه "استشاري في الشركة". ويلفت النظر إلى أنه "خلال يومين"، سيعلن أمام الرأي العام "كافة التفاصيل". وللمفارقة، فإن نصار يملك أيضاً شركة بلاتفورم التي خسرت المناقصة أمام شركة ICE. ما يعني أن نصار خرج من باب ليعود من باب آخر. لكنه ينفي هذا الربط، ويقول بأنه يحصل "لسبب شخصي"، أي أن هناك من روّج زورًا لهذا الربط.
يُصرّ وزير السياحة الجديد على أن لا علاقة له بالمشروع لا من قريب ولا من بعيد ولا عبر شركة من الشركتين المذكورتين. لكن مصادر "المدن"، تؤكّد أن شركة بلاتفورم "تعود لنصار ولشقيق له، فيما شركة ONCE لشقيقه. وقد يكون موقع نصار في الشركة الثانية استشاريًا، لكن مثل هذا التوزيع للمناصب، يكون عادة لإبعاد أي شبهات، ولتسهيل الحصول على المناقصات عن طريق اكتساب مجال أوسع للمناورة ودخول المناقصات بشركتين بدل شركة واحدة".
قانونيًا، "لا حق مكتسبًا لشركة ICE التي فازت بالمناقصة، فالعقد لم يُبرَم"، على حسب تعبير عليا عباس. لكن الشفافية تقتضي العمل بنتائج إدارة المناقصات، أو بإعادة المناقصة.
لم يعرف أحد كيف لزّمت غرفة بيروت وجبل لبنان، شركة ONCE. فهل أجرت مناقصة؟ تمتنع أوساط داخل الغرفة عن تحديد إجابات واضحة، لكنها تقدّم إجابات متضاربة، فتقول بأنها أجرت مناقصة، لكنها لم تكشف عن مواعيدها ولا عن هوية الشركات التي تقدّمت لها. لكن النتيجة كانت تلزيم شركة ONCE. والتسليم بهذا المسار، يوجب وجود خاسر في وجه ONCE فمن هو؟ لا إجابة.

علامات استفهام إضافية
نصار هو نفسه الرجل الذي "فاز" بتنظيم القمة العربية الاقتصادية في بيروت في العام 2019 عبر شركة بلاتفورم. وحينها أيضًا، انتُزِعَ التنظيم من يد شركة فازت بالمناقصة وهي شركة بروداكشن فاكتوري، لصاحبها جورج عيسى، بعد منافسة بين 3 شركات، إحداها كانت شركة ICE. وقد أكدت ثلاث جهات هذه المعلومات.

من ناحية أخرى، تشير الغرفة إلى أن جزءًا من التمويل ذهب لبناء الجناح اللبناني، فيما الإمارات هي من بنى الجناح. فضلًا عن تقديم شركة ICE كامل الحقوق المتعلقة بالتصاميم وما جرى تنفيذه، للدولة اللبنانية، رغم إقصائها بصورة غامضة.
المسألة متشابكة، وتنتظر موقفًا واضحًا من أقطاب حكومة دياب وغرفة التجارة. على أن الأكثر وضوحًا، هو انتزاع حق من أصحابه رغم المظلة الشرعية التي منحتها إدارة المناقصات.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها