فظلّ تركيز الاستهلاك بالتأكيد على المواد المعيشية الأساسية من غذاء ودواء ووقود. بدأت السوبرماركت ومحلات المواد الغذائية تنذر بالتقنين في ساعات الإفتتاح، لعدم تمكّنها من توفير الكهرباء فيها بشكل دائم، ونقصت السلع على الأرفف، واستُبدلت تلك التي كان اللبنانيون معتادين عليها بسلع أخرى أقل جودة ونوعية بسبب غلاء الأسعار. في حين كانت الجهات الرسمية تطول تشاوراتها حول الدعم والبطاقة التمويلية، من دون جدوى أو نتيجة، ما عدا رفع سعر حصول مورّدي الوقود على العملة الصعبة إلى 3.900 ليرة للدولار.
جاء ذلك تزامناً مع تورّط عدد كبير من التجار، ولا سيما مستوردي المواد الغذائية، بالحصول على موافقة البنك المركزي للاستيراد بالأسعار المدعومة، وانتظار تحصيل دعم البنك المركزي من دون جدوى لغاية اليوم، فمنهم من وزّع السلع على الأسواق بالأسعار المدعومة، ومنهم مما زالت تلك البضائع قيد التخليص في الموانىء أو تمّ شحنها، بناءً على الأسعار المدعومة. وإن لم يتم تغطية أكلاف تلك البضائع بالسعر المدعوم وقعت الخسائر الفادحة، وأوقعت المشاكل بين المستوردين اللبنانيين والمورّدين في الخارج.
مؤشرات مالية
ولجهة الأوضاع النقدية والمالية في الدولة، يُسجَّل لوزارة المالية قرارها التمديد مجدّداً لمهل التصريح وسداد المتوجبات من أعمال لسنة 2019، ورواتب وأجور للمستخدمين والأجراء وغيرها من مستحقات، كما تجدر الإشارة إلى قيام حاكمية مصرف لبنان بإطلاق منصة "صيرفة" عبر المصارف لتأمين الدولارات لإحتياجات التجار بسعر يتم تحديده أسبوعياً (وكان أول سعر تمّ تحديده عند مستوى 12000 ليرة للدولار)؛ أما التعميم 158 الذى يتم بموجبه صرف مبالغ دولارية وما يعادلها بالليرة اللبنانية، فما زال موضع بحث آلية التنفيذ.. ولا تحسّن في ميزان مدفوعات الدولة ولا بنسبة الدين أو الناتج المحلي. ولم يطرأ أي تطوّر لجهة إعادة التواصل مع صندوق النقد الدولي، أو إحراز أي تقدّم مع البنك الدولي، في غياب قيام حكومة تصريف الأعمال بأي خطوة في اتجاه الإصلاحات المطلوبة من قبل الجهات المانحة والمجتمع الدولي.. وكانت قد أوضحت كل تلك الجهات مراراً أنها لن تقوم بمدّ يد العون للبنان قبل تشكيل حكومة مهمّة وحصول تغييرات وإصلاحات جذرية.
إذاً، إزدادت الأوضاع صعوبة خلال هذا الفصل، وظلّ التجار، كما منذ أشهر طويلة، لا بل سنوات، صامدين يحاربون على كل الجبهات لصون ديمومة مؤسساتهم، من جهة، إنما أيضاً للحفاظ على موظفيهم وتأمين العيش الكريم لهم، من جهة أخرى.
وسط تلك الأجواء، واصل الدولار إرتفاعه متخطياً 15000 ليرة في الفترة قيد الدرس، ومن ضمن العوامل المؤثرة، كان بالطبع للضبابية التي سادت حول كيفية وشمولية وتاريخ رفع الدعم دوراً كبيراً، وأيضاً لاستمرار عمليات التهريب إلى خارج لبنان، وسجّل مؤشر غلاء المعيشة الرسمي الصادر عن إدارة الإحصاء المركزي (CPI) ارتفاعاً شديداً ما بين الفصل الثاني لسنة 2020 والفصل الثاني لسنة 2021 حين سجّل نسبة + 100.64 في المئة (بعد أن كانت تلك النسبة قد بلغت + 157.86 في المئة في الفصل السابق)، في حين بلغت النسبة + 25.38 في المئة ما بين الفصلين الأول والثاني لسنة 2021 (بعد أن كانت قد سجّلت + 16.52 في المئة في الفصل السابق له)، وبذلك تكون قد سجلت مرة أخرى استمراراً، لا بل تسارعاً ملحوظاً، في ارتفاع الأسعار.
إذاً، زيادة إضافية في الأسعار في كافة القطاعات، تُثقل كاهل الأسر اللبنانية، وتُكبّل الحركة الاستهلاكية المحكومة أصلاً بالتقنين والترشيد لدى أكثرية الشعب اللبناني، ما عدا حاملي الدولارات، وإن كان هنالك بعض الحركة الإيجابية بالمقارنة مع الفصل الثاني من السنة السابقة، فما هو إلا نتيجة لشبه انعدام الاستهلاك في ذلك الحين بحكم الحجر والإغلاق.
تجارة التجزئة
وبعد التدقيق في أرقام الأعمال المجمّعة الإسمية (Nominal) لقطاعات تجارة التجزئة ما بين الفصل الثاني من 2020 والفصل الثاني من 2021، نلاحظ أن هنالك ارتفاعاً في الأرقام بنسبة + 5.61 في المئة بعد استثناء قطاع المحروقات، وهذا ليس بمفاجئ نظراً لأن الفصل الثاني من سنة 2020 كان فصل حجر وإقفال، ولم تعمل فيه سوى قطاعات قليلة كانت تستقبل الزبائن بعد حصولهم على الموافقة المسبقة من المنصة (على الأقل في جزء من المناطق اللبنانية)، في حين أن الحركة الاستهلاكية في الفصل الثاني من سنة 2021 لم يكن عليها قيود إقفال أو تنقل، إنما كان عليها قيود أشدّ، ألا وهي قيود القدرة الشرائية.
أما بعد التثقيل بنسبة مؤشر غلاء المعيشة ما بين الفصل الثاني من 2020 والفصل الثاني من 2021، يتبين أن تلك الأرقام شهدت خلال الفصل الثاني من سنة 2021 استمراراً للانحدار الدراماتيكي الحاصل في كل قطاعات الأسواق التجارية، بنسبة تكاد تلامس المئة بالمئة.
وقد جاءت النتائج المجمعة لكافة قطاعات تجارة التجزئة لتسجـّـل –مقارنة بمبيعات الفصل الأول لسنة 2021 (التي كانت هي الأخرى متدنية جداً)- تراجعاً إضافياً في أرقام الأعمال الحقيقية المجمّعة، بلغ نسبة – 6.39 في المئة بعد استثناء قطاع الوقود والمحروقات (الذي سجـّـل زيادة بنسبة 31.05 في المئة).
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها