الأربعاء 2021/07/28

آخر تحديث: 12:42 (بيروت)

رئيس الجمهورية يعرقل تعويض متضرّري 4 آب بالدولار؟

الأربعاء 2021/07/28
رئيس الجمهورية يعرقل تعويض متضرّري 4 آب بالدولار؟
increase حجم الخط decrease
لم تكتف السلطة السياسية بالوقوف في وجه إتمام التحقيقات بجريمة انفجار مرفأ بيروت في 4 آب من العام الفائت، إحقاقاً لحق مئات الشهداء وآلاف الجرحى، بل وقفت أيضاً حجر عثرة أمام حصول متضرري الانفجار على تعويضات مالية عادلة، قد تخفف من حجم الخسارة المادية التي لحقت بهم.

فبعد قرابة العام على وقوع جريمة مرفأ بيروت، وأكثر من عام ونصف العام على تفجّر الأزمة المالية والنقدية، وسلوك العملة الوطنية مسار الانهيار، التفت مجلس النواب إلى الفوضى الحاصلة في قطاع التأمين، وتهديد القطاع الصحي والاستشفائي وفقدان المضمونين (المؤمّنين)، ومن بينهم متضرري 4 آب، لأي حماية، ولعدم إنصافهم بالتعويضات.. وعمد إلى إقرار اقتراح قانون معجّل مكرّر، مقدّم من النائب طوني فرنجيه، يرمي إلى إلزام شركات التأمين العاملة في لبنان بسداد جزء من الأموال الناتجة عن كافة عقود الضمان كأموال جديدة (Fresh Money).

اقتراح القانون الذي يُنصف المؤمّنين ومتضرري 4 آب من تعسّف شركات التأمين، أقر في مجلس النواب بين مجموعة قوانين في 30 حزيران 2021، أحيل إلى رئاسة الحكومة حيث وقعه رئيس حكومة تصريف الأعمال بتاريخ 7 تموز، قبل إعادة إحالته إلى رئاسة الجمهورية وفق الأصول. فعلق القانون في الدائرة القانونية للقصر الجمهوري، ولم ينشر حتى اللحظة في الجريدة الرسميّة. علماً ان باقي القوانين التي أقرت بالتاريخ نفسه جرى نشرها في العدد الأخير من الجريدة الرسمية، وتالياً، دخلت حيز التنفيذ، فما السبب؟

دراسة أم تعطيل؟
القانون المذكور يلزم شركات التأمين العاملة في لبنان بسداد جزء من الأموال الناتجة عن كافة عقود التأمين والتي تتلقاها من معيدي الضمان (Reinsurers) خارج لبنان كأموال جديدة (Fresh Money) للمضمونين والمستفيدين من عقود التأمين المعقودة لديها. هذا القانون  لم يتمّ إصداره بعد من قبل رئيس الجمهورية ميشال عون، رغم التوقيع عليه من قبل رئيس حكومة تصريف الأعمال. والسبب وفق ما أفاد مكتبه الإعلامي لـ"المدن": "تقني"، كون القانون يخضع للتدقيق والدراسة في الدائرة القانونية للقصر الجمهوري.

هذا من حيث الشكل. أما بالمضمون فقد أفاد مصدر لـ"المدن" بأن القانون لاقى اعتراضات شرسة من شركات التأمين. وقد وصلت تلك الاعتراضات إلى القصر الجمهوري. خصوصاً أن لوزارة الاقتصاد ووزيرها المقرب من بعبدا ملاحظات عديدة على القانون. ويرجّح المصدر بأن يبقى القانون "حبراً على ورق". إذ أعاده اليوم الأربعاء رئيس الجمهورية إلى مجلس النواب لإعادة دراسته وتعديله. لكن تعديله ونشره لا يعني بالضرورة تطبيقه. فهذا يستلزم صدور مراسيم تطبيقية. وهذه الأخيرة لا تصدر عن حكومة تصريف الأعمال. إذاً، القانون عالق إلى ما شاء الله. ويؤكد المصدر، توجه شركات التأمين إلى الطعن بالقانون فيما لو تم إصداره رسمياً وتطبيقه كما هو.

هذا، ويرمي القانون إلى حماية حقوق المضمونين والمستفيدين من عقود الضمان، بصورة تؤدّي إلى تسديد شركات التأمين لهؤلاء ما يردها من معيدي التأمين من عملات أجنبية عبارة عن أموال طازجة أو جديدة، وبشكل يحول دون احتفاظ تلك الشركات لنفسها بالأموال الجديدة. اما المماطلة بإقراره، إنما يعزز ممارسات الظلم التي لحقت بكافة المؤمّنين، خصوصاً منهم متضرري 4 آب الذين خسروا الدماء قبل أن يخسروا الأموال والأرزاق.

ملاحظات على القانون
ثلاث ملاحظات التقى عندها المعترضون على القانون. وحسب مصدر من وزارة الاقتصاد في حديث إلى "المدن"، فإن القانون لم يلحظ ثلاث نقاط :

1- مستحقات شركات التأمين لصالح معيدي التأمين ووسطاء إعادة التأمين في الخارج، المتراكمة على شركات التأمين نتيجة القيود المصرفية، والتي يقوم معيدو التأمين ووسطاء إعادة التأمين بحسم جزء من مستحقاتهم على الشركات اللبنانية.

2- القانون الذي أقر بصيغته الحالية لا يفرّق بين المؤمَّن الذي سدد قسطه بالدولار النقدي وبين المؤمَّن الذي سدد قسطه التأميني بالدولار المصرفي أو بالليرة. كما لا يفرّق بين مختلف أنواع معاهدات إعادة الضمان.

3- القانون لا يفرق بين أنواع عقود الضمان، كضمان الطبابة والاستشفاء حيث يتم التسديد مباشرة لمقدمي الرعاية الصحية وليس للمضمون، والضمان على الأضرار المادية للسيارات حيث يتم التسديد لورش تصليح المركبات.

هذه الملاحظات وسواها، حسب شركات التأمين، يجب أن تدفع إلى تعديل القانون بعد إشراك ممثلين عن شركات التأمين، وضع القانون بشكله النهائي. وقد حسم رئيس جمعية شركات الضمان إيلي نسناس في حديث إلى "المدن" أمر القانون بالقول: من المستحيل أن يتم تطبيقه بصيغته الحالية. مؤكداً أن كافة شركات التأمين تقوم في الوقت الراهن بتسديد جزء ملحوظ من الأموال الناتجة عن كل العقود، خصوصاً عقود المتضررين من انفجار 4 آب على شكل Fresh Dollar.

يسأل نسناس كيف يمكن مساواة المضمونين الذين يرتبطون بعقود مع شركات التأمين مقومة بالفريش دولار. بمعنى أن هناك حاملي عقود يدفعون كل متوجباتهم التعاقدية بالدولار، وبذلك لا يمكن تطبيق القانون بدفع نسب بالدولار لكافة المؤمنين بالتساوي، لأن هناك التزامات تعاقدية، ويأمل ان تتم استشارة شركات التأمين قبل تعديل القانون.

نقض الملاحظات
تلك الملاحظات وصفها البعض بالسخيفة، والهادفة إلى عرقلة القانون ومنع تطبيقه. أما رئيس الجمعية اللبنانية لحماية المؤمّن لهم، والمستشار القانوني للجنة مراقبة هيئات الضمان سابقاً، المحامي روجيه كرم، فأشار في حديث إلى "المدن"، إلى أن الملاحظات والاعتراضات التي أثيرت بشأن القانون مبالغ بها، وفي غير محلّها. معتبراً بأن ثمّة شرطاً أساسياً لإعمال هذا القانون، يتمثّل بتلقي شركات التأمين فعليّاً الأموال الجديدة من معيدي الضمان. وبالتالي، فإن ما أثير من ملاحظة لجهة عدم أخذ القانون بالاعتبار مستحقات شركات التأمين تجاه معيدي الضمان تصبح بلا معنى، بعد تلقّيها تلك الأموال. علماً أنه لا يمكن في أي من الأحوال تحميل المضمونين والمستفيدين من عقود الضمان مسؤوليّة تأخّر شركات التأمين عن تسديد مستحقّاتها جرّاء القيود المصرفية الحالية. وعلى شركات التأمين نفسها فضلاً عن الدولة ومصرف لبنان كما لجنة مراقبة هيئات الضمان، العمل لمعالجة هذا الأمر.

أمّا مسألة التفريق بين تسديد القسط بالدولار النقدي وتسديده بالدولار المصرفي أو بالعملة اللبنانية، فهي تستلزم مقاربة مختلفة من قبل شركات التأمين، عبر اتبّاع سياسة محافظة وتنويع منتجاتها وتقديماتها، أو ربما وضع سقف لبعض التغطيات، مع الالتزام الكلّي بمعايير الشفافية والوضوح وإحاطة المضمونين مسبقاً بنتائج ذلك، وأخذ موافقتهم الصريحة بهذا الخصوص. أمّا في حال عدم الالتزام بهذه القواعد، فعلى شركات التأمين تحمّل تبعات ذلك وتغطيّة المخاطر بصورة كليّة، بقطع النظر عن ترتيبات إعادة الضمان وموقف معيدي التأمين.

وفي ما خص مسألة عدم التفريق بين مقدّمي خدمات الرعاية الصحّية أو ورش تصليح السيارات من جهة، والمضمونين والمستفيدين من عقود الضمان من جهة أخرى، يوضح كرم بأن مقدّمي الخدمات المذكورة لا يدخلون بالأساس من الناحيتين القانونية أو التعاقدية في عداد المستفيدين من عقود الضمان، كما أنه ليس بالضرورة من الناحية العمليّة أن يتقاضوا مستحقّاتهم بالعملة الأجنبيّة. وبرأيه، فإن اللغط الذي أثير بهذا الشأن مرده في الأسباب الموجبة للقانون، التي أشارت إلى القطاع الاستشفائي والصحّي لدى تناولها حقوق المضمونين، ما أوحى بحقّ القطاع المذكور بالاستفادة مباشرة من الأموال الجديدة إسوة بالمضمونين أنفسهم.

لا حاجة للمراجعة
واعتبر كرم أن القانون المذكور لم يخض بالتفاصيل، إنما كرّس الحقّ وأكّد على مبدأ عام، تاركاً لوزارة الاقتصاد والتجارة صلاحية إصدار النصوص التنظيمية الآيلة إلى تطبيقه. وهذه نقطة إيجابية تسجّل لصالح هذا القانون، وبالتالي، ليس هنالك من حاجة لمراجعة القانون أو إدخال تعديلات تشريعية عليه، على أن يصار إلى إصدار النصوص التنظيمية الكفيلة بمعالجة الجوانب التفصيلية للموضوع. وهي المهمّة التي ألقاها القانون على عاتق الوزارة، لعلم المشترع بأن ثمّة مسائل مرتبطة بصناعة التأمين وأوضاع القطاع ومقتضيات تنظيمه، لا بدّ من إناطتها بالجهاز الرقابي المختصّ، بالنظر لكونه الأكثر إلماماً بهذه الجوانب التقنية.

وخلص كرم إلى دعوة المراجع المعنيّة إلى إصدار القانون ونشره في أقرب وقت. كما يدعو وزارة الاقتصاد والتجارة إلى تحمّل مسؤولياتها، وإصدار النصوص التنظيمية اللازمة، والقيام بالفعل بدورها لمصلحة المضمونين. معتبراً أن القانون مكسب كبير لحملة عقود التأمين والمستفيدين منها، خصوصاً عشية الذكرى السنوية الأولى لانفجار مرفأ بيروت، مع ما يترتّب على ذلك الحادث المشؤوم من تعويضات ضخمة لمستحقّيها. ومحذّراً من محاولات الالتفاف عليه أو إفراغه أو تعطيله، عبر ذرائع ومسمّيات مختلفة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها