الإثنين 2021/05/31

آخر تحديث: 12:35 (بيروت)

آخر مناورات المصارف والبرلمان وسلامة: نهاية الدعم وشطب الودائع

الإثنين 2021/05/31
آخر مناورات المصارف والبرلمان وسلامة: نهاية الدعم وشطب الودائع
لا يوجد بصيص أمل يؤشّر إلى إمكانية استعادة المودع كامل وديعته (علي علّوش)
increase حجم الخط decrease

كل شيء يوحي بأننا على أعتاب مرحلة الحسم في عدّة ملفات، من المنصّة وتوحيد أسعار الصرف ورفع الدعم، إلى الكابيتال كونترول ومبادرة رياض سلامة لدفع الودائع، وصولاً إلى مصير البطاقة التمويليّة. وضرورة الحسم هنا لا ترتبط برغبة أي طرف بالوصول إلى حلول جذريّة لهذه المسائل المعلّقة، بل باستنفاد قدرة النظام المالي على شراء الوقت، والاستحقاقات الداهمة التي طرأت مؤخراً. ولذلك، يبدو أن كل الأطراف دخلت في معمعة المناورات التي يهدف كل طرف فيها للوصول إلى الخيارات التي تحمي مصالحه، بدل البحث عن البدائل القادرة على إخراج البلاد من الأزمة.

باختصار، بين المصارف ومصرف لبنان ومجلس النواب، سيكون المشهد المالي خلال الأيام المقبلة عبارة عن حلبة تجاذب يستعرض فيها كل طرف قدرته على حياكة المكائد واللعب على التناقضات.

سلامة ومجلس النواب يتسابقان
لم يتبيّن حتى اللحظة الخيط الأبيض من الخيط الأسود في ما يخص مبادرة حاكم المصرف المركزي، التي بشّرت المودعين بتقسيط ما قيمته 50 ألف دولار من ودائعهم على مدى خمس سنوات، نصفها بالدولار النقدي والنصف بالآخر بالليرة اللبنانيّة وفق سعر المنصّة. ما خرج إلى العلن يقتصر حتّى اللحظة على بيان سلامة الغامض، ومقابلته الأخيرة، وبعض التسريبات الإعلاميّة التي لم تحسم مصدر تمويل الدفعات بالدولار النقدي.

لكن وفيما يعمل الحاكم بعيداً عن الضوء على مبادرته هذه، تتسارع خطوات المجلس النيابي لإقرار مشروع قانون الكابيتال كونترول، الذي ينطوي أيضاً على بنود تسمح بسقف معيّن من السحوبات بالدولار النقدي. وهكذا، يبدو أن كل من المجلس وحاكميّة مصرف لبنان يتسابقان على خطوة فتح باب سحوبات الدولار النقديّة، أو على الظهور بصورة صاحب هذا الإنجاز أمام المودعين. سلامة بات بأمس الحاجة لاسترضاء الرأي العام، بعد كل ما ألمّ بصورته من اهتزاز خلال الأشهر الماضية، فيما تبدو الكتل النيابيّة أيضاً في موقع المستميت لتسجيل بعض النقاط الشعبيّة قبيل الانتخابات النيابيّة.

في الحالتين، لا يبدو أن هذه الخطوات ستحمل أي أخبار سارّة لأصحاب الودائع، خصوصاً أنها ستعني استنزاف آخر احتياطات المصرف المركزي التي يمكن الرهان عليها في عمليّة عبثيّة، ولا تندرج ضمن أي خطة واضحة لاستعادة الانتظام في القطاع المصرفي، ما يعني أنها ستكون فعلياً حبّة مهدّىء تشتري صمت المودعين على مدى خمس سنوات، من دون أن تضمن استعادة كامل ودائعهم على المدى الطويل. مع العلم أن الاعتماد على موجودات المصارف الخارجيّة لسداد جزء وازن من هذه السحوبات غير ممكن في الوقت الراهن، في ظل العجز الكبير في صافي موجودات المصارف في الخارج.

مكائد المصارف
بالتوازي مع المناورات التي تتسارع وتيرتها في كل من مصرف لبنان ولجنة المال والموازنة، تتسارع أيضاً المكائد التي تنصبها المصارف هنا وهناك لحماية مصالحها في ظل هذه المرحلة الحساسة. سريعاً، بدأت المصارف برفع سقوف السحب المتاحة من الحسابات المقوّمة بالعملة الأجنبيّة بالليرة اللبنانيّة وفق بنود التعميم 151، مع وضع بعض العمولات الإضافيّة التي تضغط على المودع لسحب وديعته وإقفال حسابه. مع الإشارة إلى أن سقوف السحب من الحسابات المدولرة بالليرة اللبنانيّة كانت قد انخفضت طوال الأشهر الماضية إلى أقصى حد، بهدف تخفيف الضغط على السيولة المتاحة في المصارف بالليرة اللبنانيّة، قبل أن تأتي هذه القرارات المعاكسة والمفاجئة اليوم.

أما غاية المصارف من خطوة رفع سقوف السحب اليوم، فهو ببساطة تقليص عدد الحسابات الموجودة بالعملات الأجنبيّة إلى أقصى حد، أو على الأقل تقليص حجم إلتزاماتها اتجاه هذه الحسابات، مستبقةً بذلك مرحلة فتح باب السحوبات بالدولار النقدي من الحسابات المدولرة لاحقاً، في محاولة ماكرة لخفض حجم هذه السحوبات بالدولار في المستقبل قدر الإمكان.

وعلى جميع الجبهات الأخرى، ينشط اللوبي المصرفي، المعروف بنفوذه، لتقليل حجم الكلفة التي سيدفعها في جميع الملفات، سواء من خلال خفض سقوف التحويلات الاستثنائيّة إلى الخارج، التي ينص عليها مشروع قانون الكابيتال كونتول، أو خفض سقوف السحوبات النقديّة الشهريّة المقترحة بحسب مشروع القانون. كما ينشط هذا اللوبي على مستوى مصرف لبنان لمفاوضة الحاكم وتقليص النسبة التي ستغطيها المصارف من حساباتها في الخارج، لتمويل السحوبات الشهريّة بالدولار النقدي، سواء حصل ذلك من خلال مبادرة رياض سلامة أو من خلال قانون الكابيتال كونترول.

المنصّة والحاكم والمصارف
عملياً، يتعلّق جزء كبير من مناورات ومكائد المرحلة بالمنصّة، خصوصاً أن استنزاف الاحتياطات القابلة للاستخدام، والدخول في مرحلة رفع الدعم، يستوجب حكماً البحث عن سوق قطع بديلة تسهّل الحصول على الدولار لاستيراد السلع الأساسيّة. في البداية، راهن سلامة على المنصّة لتكون سوق قطع يوميّة تسمح بتحديد سعر للدولار الأميركي، وفقاً لتوازنات العرض والطلب، على أن يتدخّل مصرف لبنان حين يرى ضرورة في ذلك، لكن المصارف كان لها رأي آخر.

فمنذ البداية، تعاملت المصارف ببرودة مع المشروع، وتفادت التمهيد للمنصة ولشروط نجاحها. فلم تضع التدابير التنظيميّة الداخليّة الكفيلة بنجاحها، كما لم تضع أي آليات تشغيليّة لها في الفروع. أما سبب هذه المكيدة التي أفشلت انطلاقة المشروع، فكان خوف المصارف من ضخ أي سيولة من أموالها الخاصّة في عمليّة تشغيل المنصّة. ولهذا السبب بالتحديد، تحوّلت المنصّة اليوم إلى آلية جديدة لتمويل اعتمادات الاستيراد من قبل مصرف لبنان، وفق سعر صرف خاص يبلغ حالياً 12 ألف ليرة للدولار الواحد، بدل أن تكون سوق قطع متوازنة تحكمها عمليات البيع والشراء اليوميّة. وحسب المصادر المصرفيّة، يبدو أن المنصّة ستكون الأداة التي سيتم من خلالها تمويل شراء المواد الغذائيّة والأدوية خلال الأيام المقبلة بعد رفع الدعم. إذ عممت المصارف على فروعها حصر طلبات شراء الدولار عبر المنصّة بتجار المواد الغذائيّة والأدوية، والأفراد الذين يرغبون بتمويل دراسة أبنائهم في الخارج.

فشل المنصّة بسبب مناورة المصارف هذه، لا تعني دفن مخططات سلامة أبداً. إذ تشير مصادر مصرف لبنان إلى أن سلامة يراهن اليوم على امتصاص كتلة نقديّة كبيرة من السيولة المتاحة بالليرة عبر المنصّة، من خلال عمليات بيع الدولار لتمويل الاستيراد، على أن تؤدي عملية امتصاص السيولة بالليرة هذه إلى خفض سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانيّة في السوق السوداء. وعند خفض سعر الصرف في السوق السوداء إلى حد ملامسة سعر صرف المنصّة الحالي، البالغ 12 ألف ليرة مقابل الدولار، سيكون بإمكان المنصة التداول بالدولار بيعاً وشراءً، ما سيعني إنجاح دورها في خلق سوق قطع توحّد أسعار الصرف المتعددة.

كل هذه الخطط، تعيقها اليوم برودة المصارف الشديدة مع الملف، وعدم رغبتها بالتورّط بهذه العمليات، باستثناء جمع طلبات شراء الدولار وإرسالها لمصرف لبنان لتأمين التمويل المطلوب. لكنّ سلامة مصرّ على المضي في هذا الخيار حتّى النهاية، إذ لا يملك الرجل حالياً أي رهان آخر لمرحلة ما بعد رفع الدعم.

الحلقة الأضعف: المودع والمستهلك والفئات الأكثر فقراً
في حلبة الملاكمة هذه، ينطلق الجميع من حسابات واضحة المعالم: المصرف المركزي يريد إنجاح سوق قطع جديدة، للخروج من حقبة الدعم. كما يريد إنفاق احتياطاته على سحوبات المودعين النقديّة، لتفادي التورّط بمزيد من تمويل دعم الاستيراد من أموال المودعين. المجلس النيابي يريد تسجيل بعض النقاط الشعبيّة، والظهور بصورة بطوليّة أمام المودعين. أما المصارف، فلا تريد سوى الابتعاد عن دفع أي كلفة في جميع هذه الملفات.

لكن في حصيلة كل هذه التجاذبات يظهر المستهلك اللبناني كأضعف حلقة في المعادلة، في ظل الخروج من حقبة الدعم، من دون وجود أي خطة متكاملة لضبط سعر الصرف عبر استعادة التحويلات إلى النظام المالي، بعد معالجة خسائره. كما تظهر الطبقات الأكثر فقراً في صف الحلقات المتضررة من هذه المرحلة، كون الخروج من مرحلة الدعم لا يتوازى اليوم مع أي خطة معقولة لإنجاح البطاقة التمويليّة، ما يعني وضع هذه الطبقات تحت وطأة تداعيات لا يمكن تحملها. أما المودع، فسيحصل على فتات ماله بالتقسيط، على مدى خمس سنوات، من دون أي بصيص أمل يؤشّر إلى إمكانية استعادة كامل وديعته.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها