الجمعة 2021/04/09

آخر تحديث: 19:21 (بيروت)

فُرَصٌ قد لا تُعَوَّض: مَن يُعرقل إعمار مرفأ بيروت؟

الجمعة 2021/04/09
فُرَصٌ قد لا تُعَوَّض: مَن يُعرقل إعمار مرفأ بيروت؟
مَن دمَّرَ المرفأ وعرقل التحقيقات لا يضرّه تأخير الإعمار (مصطفى جمال الدين)
increase حجم الخط decrease
في عُرفِ المستثمرين، تُشكِّلُ الأزمات أحياناً أرضاً خصبة لتوسيع العمل وزيادة الأرباح. ولا يملك المأزومون سوى القبول بعروض إعادة الإعمار، كفرصة للنهوض، وإن بشروطٍ قد تُعتَبَر مجحفة. فمَن تتحرَّك أحاسيسه للشروطِ، عليه التفكير استباقياً بسياسات تُحيِّد البلاد عن الأزمات وتقيها الشروط القاسية.

وينظر المستثمرون إلى حطام مرفأ بيروت المُفَجَّر بأطنان الأمونيوم الكيميائي وبنيترات الفساد، بوصفه ساحة استثمار مغرية. فالمرفأ لديه موقع جيو-استراتيجي تزداد أهميته لدى الدول التي لم تحجز لنفسها بعد مكاناً على الجانب الشرقي للبحر المتوسط، في ظل التقسيم الحاصل بين روسيا والولايات المتحدة الأميركية، بحيث تسيطر الأولى على الساحل السوري، وتحافظ الثانية على نفوذها في الساحل الاسرائيلي. ولذلك، تحاول كلٌّ من فرنسا والصين وألمانيا، تعويض ما فاتها من وجود، عن طريق الساحل اللبناني. لكن هل تتلقَّف المنظومة الحاكمة في لبنان، إيجابيات التزاحم؟

خطة ملموسة
تبحث ألمانيا عن توسيع دورها السياسي والاقتصادي في شرقي المتوسط. وهي التي لم يُعرَف عنها نشاطٌ عدواني تجاه المنطقة منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية وسقوط ألمانيا النازية.

تجلّى المسعى الألماني بطرح القطاع الخاص لمبادرة إعادة إعمار مرفأ بيروت. وانتقلت المبادرة من الإعلان غير الرسمي عن طريق إبداء الشركات الألمانية رغبة في الاستثمار بالمرفأ، إلى بحث الملف بين وزير الأشغال العامّة والنقل في حكومة تصريف الأعمال ميشال نجار، ووفد ألماني، عَرَضَ "مقترحات لمشاريع إيجابيّة لإعادة إعمار مرفأ بيروت، وفق ما قاله نجار في حديث صحافي يوم الجمعة 9 نيسان. مع التأكيد على أن سعي الشركات لا يعكس تبنّي الحكومة الألمانية مشروع الإعمار.

اللافت في ما طرحَه الوفد الذي ترأسه سفير ألمانيا أندرياس كيندل، أنّه جاء نتيجة بحثٍ تلى التفجير، على عكس ما فعلته المنظومة الحاكمة. فالوفد حسب نجار "قدَّمَ عرضاً سريعاً، خلاصته أنهم يعملون (الألمان) منذ وقوع تفجير المرفأ على الخطة الّتي عرضوها علينا". والخطة مدعَّمة بالخرائط والتفاصيل والاقتراحات من قَبيل "العمل على المنطقة التي تشكّل المرفأ حالياً، ومساحتها مليون و300 ألف متر مربع. والاستفادة من جزء من مطمر برج حمود والمنطقة الواقعة على يمين المرفأ، بحيث يمتد المرفأ باتجاه المطمر، بينما تصبح الجهة على أقصى شمال المرفأ منطقة حضريّة فيها المباني وبحر رملي ومطاعم، وهي كلّها تحافظ على الطاقة وصديقة للبيئة. وهناك أيضاً منطقة خضراء وتفصلها الأشجار عن منطقة مار مخايل".

والخطة التي طرحها كلٌّ مِن شركة "هامبورغ بورت" للاستشارات وشركة "كولير" الكندية التي تُعنى بالتصميم الحضري، تربط ما بين تكبير المرفأ ليستوعب حمولة أكبر وتأمين وصل المرفأ بباقي المناطق عن طريق سكة حديد تمتد من المرفأ نحو الشمال، ومنه نحو الجنوب. ولفت الوفد النظر، إلى أن كلفة الخطة تتراوح بين 5 و15 مليار دولار، إذ تختلف الأرقام بحسب المشروع الذي تختاره الدولة اللبنانية. على أن تقوم الشركة المستثمرة بتصميم وبناء وإدارة المرفأ، وتحويله إلى الدولة، بعد سنوات يُتَّفَق على عددها. فيما هوية الشركة المستثمِرة، تُحددها المناقصة التي تحوي العرض الأفضل.

وعلى أي حال، وحسب الشركات الألمانية، يؤمّن المشروع 30 مليار دولار على مدى 25 عاماً، إضافة إلى 50 ‏ألف وظيفة. أما كلفته فتحتاج إلى استثمارات بقيمة 7.2 مليار دولار. وقدّر الربح الصافي منها ‏‏2.5 مليار. ‏

مسرحية الحكومة
تربط كافة الدول والجهات العالمية التي تُعنى بالتمويل، الدخول في عملية إعمار المرفأ بصورة رسمية، بتشكيل حكومة وإجراء إصلاحات. وهما شرطان لم تُعِرهما المنظومة الحاكمة أيّ اهتمام حتى الآن. ومع مرور الوقت، تتعقّد قضية تفجير المرفأ وتزداد الخلافات الداخلية بصورة يستحيل معها تشكيل حكومة دون فرضها خارجياً وبالقوة. ولهذا الخيار تداعيات غير محمودة.

تشكيل الحكومة هو الخطوة الأولى، إذ يُناط بها إطلاق عملية تلزيم إعمار المرفأ بالشكل القانوني الصحيح. لكن هل يؤخّر الخلاف السياسي تشكيل الحكومة ومعه تلزيم إعمار المرفأ؟
الأكيد هو عدم ولادة حكومة في المستقبل القريب. وبعد 8 أشهر على جريمة التفجير والمماطلة بكشف ملابساته وتحديد المسؤوليات واتّخاذ الاجراءات القانونية المناسبة، تُرَشَّحُ القضية إلى مماطلة أطوَل قد تتخطّى السَنة. فتتراجع قدرة العاصمة على استقطاب الشركات العالمية، على عكس مرفأ طرابلس الذي "استفاد" من تدمير مرفأ بيروت، فتحوَّل إلى وجهة للشركات العالمية، وفي مقدّمتها شركة cma cgm الفرنسية وشركة AGT food السويسرية.

تأخُّر تشكيل الحكومة لا يرتبط بالضرورة بنفور الشركات نهائياً، بل يعرقله ويضعِف الشروط التي يمكن للبنان الاستفادة منها، تقنياً أو مالياً. فالشركات تتحيَّن الفرص للاستثمار، لكن حتى موعد تشكيل الحكومة، لا أحد يضمَن الظروف الاستثمارية التي تنخرط بها الشركات خارجياً. فحينها، قد ترتبط باستثمارات أفضل، فتقلل عرضها للبنان الذي لن يجد مفرّاً من قبول ما يُعرَض عليه باهتمام أقل مما يمكن إيجاده اليوم.

نص المشروع الكامل ومخططه

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها