في المقلب الآخر، لم يُقفل بنك لبنان والمهجر فروعاً له حتى الآن، باستثناء فرعيّ المعرض والتلّ في الشمال، حيث أُقفِلا بشكل مؤقّت. أما بنك عودة، فلم يُقفل أيّاً من فروعه على الأراضي اللبنانية "ولا قرار بالإقفال حتى الآن"، وفق ما يشير إليه أحد الموظفين الذي يلفت النظر في حديث لـ"المدن"، إلى أن "الخدمات مستمرة في كافة الفروع لكن بوتيرة أقل بنسبة 50 بالمئة عمّا كانت عليه سابقاً، ما يسبب بعض التأخير في إنجاز طلبات الزبائن".
بالنسبة إلى بنك بيبلوس، فقد جرى إقفال بعض الفروع "بطريقة مدروسة، تستهدف عدم إلغاء وجود البنك في المناطق بشكل كلّي. فجرى تقليص عدد الفروع في المناطق التي فيها أكثر من فرع". وتقول مصادر في البنك خلال حديث لـ"المدن"، إلى أن "بيبلوس بدأ قبل العام 2019 بالتحضير لنوع جديد من العمل، يساهم في تسهيل الخدمات بصورة لا يحتاج معها الزبون للذهاب إلى الفروع، وإن اضطر إلى ذلك، لا يستهلك وجوده داخل الفرع الكثير من الوقت. فزاد البنك من أعداد الصرافات الآلية وابتكرَ فروعاً تسمّى "ستالايت" وهي فروع مصغَّرة مرتبطة بفروع أساسية أبعد منها مسافةً. وفي الوقت عينه، ازداد عدد العمليات المصرفية عبر تطبيقات الهاتف المحمول، لتخفيف الازدحام في الفروع. وعند انتشار فيروس كورونا، تمكَّنَ المصرف من الاستمرار في تأمين متطلبات الزبائن بواسطة الاستراتيجية الجديدة".
بعض المصارف أنكرت إقفال فروع لها، والبعض الآخر صرَّح عن الإقفال، فيما جزء من المصارف التفَّت على ضرورة الإقفال بتعديل نوع الخدمات، فلا يُقفَل الفرع إسمياً، لكنّ فائدة وجوده تصبح أقل.
لا عودة إلى الوراء
سواء أعلنت المصارف عن عمليات إقفال الفروع أم لم تعلنها، فإن العودة إلى ما قبل العام 2018 حين ارتفعت نسبة التحاويل إلى الخارج، بات أمراً مستحيلاً. ما يعني أنّ "أيام العزّ" التي عاشها القطاع المصرفي، انتهت إلى غير رجعة، بل انقلبت الطاولة على القطاع الذي يصارع اليوم لتلميع صورته واستعادة جزءٍ من الثقة المحلية والدولية. وهذا كلّه مرتبط بأمرين أساسيّين، برضى صندوق النقد والبنك الدولي عن الاجراءات الاصلاحية، التي يفترض بالطبقة السياسية القيام بها، وعلى رأسها الاتفاق حول آلية دفع سندات اليوروبوند. كما يرتبط محلياً بوضع آلية ناجحة لإعادة هيكلة القطاع وفق ما يضمن حقوق المودعين وموظّفي القطاع. وكِلا الطرفين يعانيان مع المصارف بسبب عدم احترامها للعلاقة التعاقدية التي نشأت حين كانت المصارف في أوج نجاحها. فأموال المودعين محتجزة وتفقد قيمتها مع ارتفاع سعر صرف الدولار وانهيار سعر صرف الليرة. ومستحقات الموظفين معلَّقة ومعرضة للقضم وسط غموض المسار الذي يسلكه القطاع. ولذلك، طالب اتحاد نقابات موظفي المصارف، إدارات المصارف، بـ"إحترام نص اتفاقية تعويضات الصرف الجماعية التي عمّمها على إدارات المصارف في ما خص حالات الصرف الجماعي". وكذلك، طالب الاتحاد في بيان له، بـ"إبلاغ وزارة العمل قبل إقدامها على أي عملية صرف احتراماً لنصوص قانون العمل اللبناني. كما طالب بعض إدارات المصارف التي تعتمد عمليات الصرف الإفرادية، الاقلاع عن هذا النمط من التعاطي الذي، وبكل تأكيد، سيهدد علاقتنا كاتحاد بتلك المصارف، والتي سنواجهها بكل الامكانيات المتاحة".
تحاول المصارف دائماً التأكيد على أن أي إجراء تتّخذه، لن يؤثّر على علاقتها بزبائنها ولا على حقوقهم، وعلى رأسها الاستفادة من ودائعهم. إلاّ أن ما تسلكه الأمور لا يطمئن. فعلى مدى نحو عام ونصف، لم تبادر المصارف إلى القيام بأي إجراء يمكِّن أصحاب الودائع من التصرف بودائعهم بحرية. وهذا ما يزيد علامات الاستفهام المرافقة لإقفال بعض الفروع وتقليص حجم القطاع المصرفي. فهل يكون التقليص مقدمة لشطب الحقوق أو جزء منها؟.
حتى اللحظة يضمن مصرف لبنان حقوق المودعين. إلاّ أن الضمانة لا تشمل الحفاظ على قيمة الودائع. فمن يملك 10 آلاف دولار، ما زال يملكها إسمياً، لكن لا يمكن سحبها بالدولار، وتحويلها إلى ليرة يعني خسارة قيمتها، حتى وإن سُحِبَت وفق قيمة السوق السوداء، إذ أن تلك القيمة تتغيّر لحظياً.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها