الأربعاء 2021/12/08

آخر تحديث: 11:25 (بيروت)

الثنائي سلامة وبرّي معاً: لإسقاط التدقيق الجنائي

الأربعاء 2021/12/08
الثنائي سلامة وبرّي معاً: لإسقاط التدقيق الجنائي
ما يجري بين برّي وسلامة مجرّد Team Work مثالي لاغتيال التدقيق الجنائي (مجلس النواب)
increase حجم الخط decrease
التدقيق الجنائي لم يبدأ، ولدى مصرف لبنان ما يكفي من ذرائع وحجج لعرقلة هذا المسار من جديد، بانتظار حرق مهلة رفع السريّة المصرفيّة التي تنتهي بعد ثلاث أسابيع. هذا ببساطة كل ما يمكن استخلاصه من كتاب حاكم مصرف لبنان الموجّه إلى مرؤوسه وذراعه اليمنى في المصرف المركزي، وزير الماليّة يوسف الخليل (راجع "المدن")، الذي من المفترض أن يملك اليوم صلاحيّة متابعة تنفيذ عقد التدقيق الجنائي. أمّا تزامن المراسلة مع قيام رئيس المجلس النيابي بإسقاط مقترح تمديد مهلة رفع السريّة المصرفيّة في الهيئة العامّة للمجلس، وفي اليوم نفسه، فكان مجرّد إشارة إلى نوعيّة المناورة التي تجري الآن لإسقاط مسار التدقيق الجنائي بأسره، مع انقضاء مهلة رفع السريّة. ما يجري بين برّي وسلامة مجرّد Team Work مثالي لاغتيال التدقيق الجنائي.

المراسلة بحد ذاتها انطوت على قدر لا يُحصى من التناقضات. فمن ناحية، استرسل الحاكم في التشديد على تعاونه التام مع شركة آلفاريز آند مرسال المكلّفة بإجراء التدقيق، مؤكّداً أنّه سلّم جميع المعلومات المطلوبة من قبل الشركة، ومعدداً بيانات المجلس المركزي كشواهد على إيجابيّته المطلقة. لكن من ناحية أخرى، عاد الحاكم ليعدد الذرائع التي يمتنع بموجبها عن تأمين بعض المعلومات الأكثر حساسيّة المطلوبة من قبل آلفاريز، وفي طليعتها تلك المتصلة بمحاضر اجتماعات المجلس المركزي وداتا الموظفين وحسابات العام 2015. وفي جميع أجزاء البيان، انطوت عبارات سلامة على ألغام متقنة، بهدف التملّص من تقديم هذه الداتا لاحقًا.

داتا العام 2015
حسب بيان الحاكم، يشمل نطاق العقد الموقّع مع آلفاريز السنوات الممتدّة بين عامي 2016 و2019. ولهذا السبب، فهو يرفض تزويد الشركة بالبيانات المطلوبة للعام 2015، إلى أن يتم تعديل بنود العقد، وهو ما يستلزم صياغة ملحق جديد للعقد يضم العام 2015 إلى نطاق عمل شركة آلفاريز آند مارسال.

في واقع الأمر، من المعروف في عالم التحليل والتدقيق المالي أنّ مراجعة أرقام سنة معيّنة وتحليلها، ومن ثم تدقيقها، غير ممكن من دون الرجوع إلى أرصدة السنة السابقة لمقارنتها بأرصدة السنة موضوع التدقيق والتحليل، ولتتبّع عمليّات السنة السابقة التي أدّت إلى أرصدة العام الذي يتم تدقيق ميزانيّاته. ولهذا السبب، فتدقيق أرقام العام 2016، حسب نطاق العقد الموقّع مع آلفاريز، غير ممكن من دون الرجوع إلى أرصدة العام 2015 ومراجعتها، وهو ما يعني أن طلب الشركة محق ولا يتناقض مع مندرجات العقد الموقّع من قبلها.

من الناحية العمليّة، ما يقوم به سلامة يعرقل قدرة الشركة على تنفيذ تدقيق جدّي في أرقام العام 2016، وهو العام الأكثر حساسيّة في عمليّة التدقيق بأسرها، لكونها السنة التي شهدت أكبر قدر من عمليّات الهندسة الماليّة. مع الإشارة إلى أن هذه الهندسات أفضت إلى توزيع أرباح خياليّة للمصارف التجاريّة، مقابل توظيف دولارات المودعين لدى مصرف لبنان، وهو ما أدّى إلى تضخيم فجوة خسائر مصرف لبنان وتآكل أموال المودعين بشكل متسارع منذ ذلك العام.

محاضر مجلس لبنان
حسب سلامة، اكتفى مصرف لبنان بتقديم قرارات جلسات المجلس المركزي لمصرف لبنان لشركة آلفاريز آند مرسال، من دون تقديم محاضر الاجتماعات التفصيليّة التي أفضت إلى هذه القرارات، كما تطلب الشركة. أما سبب الامتناع عن التعاون مع الشركة هنا، فهو عدم وجود نص قانوني أو تعاقدي أو نظامي يفرض عليه ذلك، ناهيك عن حجم المحاضر الضخم واحتوائها على بيانات شخصيّة.

هنا أيضاً، يعرقل رياض سلامة أحد أبرز أجزاء نطاق العمل المطلوب من الشركة. فعقد التدقيق ينص على تكليف الشركة بمراجعة الإجراءات الداخليّة المعتمدة في مصرف لبنان، والتحقق من نوعيّة الضوابط الداخليّة المعتمدة، وهو ما يستحيل فعله من دون الاطلاع على محاضر المجلس الذي يملك أهم صلاحيّات المصرف: صياغة السياسات النقديّة واتخاذ القرارات المتصلة بها. وأهميّة المحاضر، تنبع من احتوائها على آليّات اتخاذ القرار داخل المجلس، والأسباب التي أدّت إلى اتخاذ هذه القرارات، والأدوار التي يلعبها أعضاء المجلس –إلى جانب رئيسه، حاكم مصرف لبنان نفسه- في تنفيذ السياسة النقديّة. أما أهم ما في الأمر، فهو استحالة توزيع مسؤوليّات الثغرات التي يمكن أن تعثر عليها الشركة في إطار عمليّة التدقيق، من دون الاطلاع على دور أعضاء المجلس في اتخاذ القرارات.

باختصار، ثمّة ما يكفي من موجبات تعاقديّة تفرض على سلامة تسليم هذه البيانات. أما ادعاء صعوبة ذلك، لضخامة هذه البيانات، فهو مجرّد ذريعة غير منطقيّة، كون تنظيم هذه المحاضر والمصادقة عليها يفترض أن يكون أمراً روتينياً بعد كل اجتماع، حسب الإجراءات التنظيميّة المعتمدة في مصرف لبنان. ولهذا السبب، فعمليّة تسليم الشركة هذه البيانات لا يفترض أن تحتاج لأكثر من إجراء تقني سريع.

في النتيجة، أعلن الحاكم في مراسلته استعداده لتقديم البيانات، لكن مع احترام القانون رقم 2018/81 ومعايير الـGDRP. وهنا تجدر الإشارة إلى أن القانون المشار إليه هو قانون المعاملات الإلكترونيّة والبيانات ذات الطابع الشخصي، فيما تنص قواعد الـGDRP على بعض المعايير المتبعة في تقديم البيانات التي تنطوي على معلومات شخصيّة. بمعنى آخر، ترك سلامة لغماً يمكن استعماله لغربلة المحاضر التي سيقدمها للشركة، بعنوان حماية المعلومات الشخصيّة واحترام مندرجات هذا القانون.

داتا الموظفين وطريقة تقديم الداتا
إشكاليات الحاكم الأخرى تتعلّق بداتا حسابات الموظفين التي طلبتها الشركة، وطريقة تقديم المعلومات الماليّة المتعلّقة بحسابات مصرف لبنان. وفي المسألتين، وعد سلامة بالتجاوب مع طلب الشركة من دون أن يحدد أي إطار زمني لهذا التجاوب، ومن دون أن يقدّم أي تفسير لعدم تقديم هذه المعلومات في وقت سابق.

في الخلاصة، ما يجري على مستوى العلاقة بين مصرف لبنان وآلفاريز آند مرسال لم يخرج حتّى اللحظة من إطار حرق الوقت، لتمرير مهلة رفع السريّة المصرفيّة لغايات التدقيق الجنائي، والتي تنتهي بعد نحو ثلاثة أسابيع. ومناورات حاكم مصرف لبنان، تنسجم بشكل مثالي مع مناورات رئيس المجلس النيابي، الذي أسقط في جلسة الهيئة العامّة يوم الثلاثاء مقترح قانون تمديد مهلة رفع السريّة، عبر نزع صفة العجلة عنه ودفنه في اللجان النيابيّة. وبذلك، يكون برّي وسلامة قد حشرا آلفاريز آند مرسال مع نهاية مهلة رفع السريّة المصرفيّة، ما يفقدها القدرة على طلب أي معلومات إضافيّة، وهو ما سيعني عرقلة مسار التدقيق بأسره.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها