الجمعة 2021/12/17

آخر تحديث: 11:31 (بيروت)

خطّة الكهرباء متعثّرة: لا مطلع العام الجديد ولا منتصفه

الجمعة 2021/12/17
خطّة الكهرباء متعثّرة: لا مطلع العام الجديد ولا منتصفه
الوعد بتغذية كهربائية تتراوح بين 10 و12 ساعة في اليوم الواحد.. سيتأخر تنفيذه كثيراً (Getty)
increase حجم الخط decrease

خلال أسبوعين، ينقضي العام الحالي، ومعه تنقضي المهلة التي حددتها وزارة الطاقة والمياه لنفسها، للوصول إلى تغذية كهرباء تتراوح بين 10 و12 ساعة في اليوم الواحد. وكما بات واضحاً، لا يوجد ما يشير إلى أن الوزراة ستكون قريبة من تحقيق هذا الوعد بحلول نهاية العام، أو حتّى خلال بدايات العام المقبل. الواضح حتّى الآن، هو أن ثمّة تعثّراً متعدد الأسباب يعيق أجزاء عديدة من الخطّة، فيما يبدو أن الوزارة استعجلت في إطلاق هذا النوع من الوعود قبل التحقق من واقعيّة الهدف الذي وضعته لنفسها. باختصار، قد لا يبصر لبنان هذا المعدّل من التغذية الكهربائيّة حتّى بعد انقضاء أشهر عديدة من العام 2022. بل قد لا يبصره على الإطلاق خلال السنة المقبلة، إذا لم يتم تذليل بعض العقبات الأساسيّة التي تحول دون تأمين هذا المستوى من التغذية الكهربائيّة.

مع الإشارة إلى أن خطّة وزارة الطاقة والمياه للوصول إلى هذا المستوى من التغذية، مرهونة باستعمال الغاز المصري لتوليد الكهرباء في معمل دير عمار شمال لبنان، بعد استجراره بالأنابيب عبر الأراضي الأردنيّة والسوريّة. كما تستهدف الخطة استعمال الغاز المصري لتوليد الكهرباء في المعامل الأردنيّة، ومن ثم استجرار هذه الطاقة عبر أبراج الكهرباء في الأراضي السوريّة. ويُضاف إلى هذا المشروع الكبير، الطاقة التي تولّدها المعامل القائمة حاليّاً، باستخدام الوقود الناتج عن صفقة الفيول العراقي.

العقبات اللوجستيّة في سوريا
بخلاف الاعتقاد الشائع، لم تنجز بعد الفرق الفنيّة في سوريا مهمّة ربط الشبكة الكهربائيّة الأردنيّة بالشبكة اللبنانيّة، عبر الشبكة السوريّة. فمن الناحية العمليّة، مازالت هذه الفرق تعمل حتّى اللحظة على إصلاح الأضرار التي لحقت بأبراج خط الكهرباء المتعلّق بالمشروع داخل سوريا، بالإضافة إلى مد خطوط التوتّر العالي التي يفترض أن تنقل التيّار الكهربائي. وبعد إنجاز هذه المرحلة من الأعمال، سيكون على فرق العمل الأردنيّة والسوريّة واللبنانيّة إجراء اختبارات مشتركة على خط نقل الكهرباء، للكشف عن أي إشكاليّات تقنيّة يمكن أن تعرقل انسياب التيار الكهربائي على امتداد الشبكات الثلاث، ومن ثم معالجة مواضع العرقلة على الخط الكهربائي. وتجدر الإشارة إلى أن الخبراء يؤكّدون أن هذا النوع من المشاريع غالباً ما ينطوي على ثغرات غير متوقّعة يفترض أن تكشفها مرحلة الاختبارات، وهو ما سيحتاج إلى أعمال صيانة إضافيّة.

باختصار، وحسب مصادر لبنانيّة مواكبة لتفاصيل الملف التقنيّة، مازال مسار استجرار الكهرباء من الأردن ينتظر بعض الترتيبات اللوجستيّة، التي لن تنتهي قبل مطلع العام المقبل، بعكس جميع تصريحات المسؤولين السوريين واللبنانيين التي تفاءلت بإمكانيّة إنجاز هذا الجزء من الخطّة قبل نهاية العام. مع العلم أن الجانب السوري يحاول في الوقت نفسه الحصول على تمويل خارجي من المؤسسات الأمميّة لأعمال الصيانة هذه، لكونه يعتبر أن مردود المشروع بالنسبة لسوريا غير كاف لتغطية كلفة هذه الأعمال.

أمّا بالنسبة للجانب المتعلّق باستجرار الغاز المصري إلى لبنان عبر الأنابيب، فالمسألة تبدو أقل تعقيداً من الجهة السوريّة، بعد أن تم إنجاز أعمال الصيانة المطلوبة لهذه الأنابيب داخل سوريا، بما فيها اختبارات ضغط الغاز، للكشف عن إمكانيّة وجود أي ثغرات لم يتم الكشف عنها بالمعاينات الميدانيّة. ولهذا السبب، باتت العقبة الأساسيّة أمام استجرار الغاز إلى لبنان مرتبطة بمسألتي التمويل والإعفاء من عقوبات قانون قيصر.

الغاز المصري وتعقيدات العقوبات
مسألة الحصول على الغاز المصري ترتبط بجملة من التعقيدات، التي تبدأ أولاً بطلب الجانب المصري الحصول على إعفاء خطّي صريح من الإدارة الأميركيّة، يسمح بتوريد الغاز إلى لبنان عبر الأراضي السوريّة، من دون تعريض الجهات المشاركة في المشروع لعقوبات قانون قيصر. وزارة البترول المصريّة تؤكّد حتّى اللحظة أن دورها ينحصر حتّى الآن بضخ الغاز إلى الأنابيب باتجاه الأردن، بمجرّد استكمال جميع المستندات والعقود المطلوبة، بينما يُفترض أن يسعى الجانب اللبناني إلى تذليل جميع العقبات الإداريّة المرتبطة بالمشروع، بما فيها تأمين هذه الضمانات الخطيّة من الإدارة الأميركيّة.

مع الإشارة إلى أنّ وزير الطاقة اللبناني كان قد نقل لوزارة البترول المصريّة تطمينات شفهيّة، نقلها عن كبير مستشاري وزارة الخارجيّة الأميركيّة لأمن الطاقة أموس هوكشتاين. لكنّ وزارة البترول المصريّة اعتبرت أن هذا النوع من التطمينات غير كاف بنسبة لعقد سيمتد العمل به لنحو 18 سنة، مع كل ما ستشهده هذه الفترة الزمنيّة الطويلة من تقلبات وتحولات في الإدارة الأميركيّة وتوجهاتها. بمعنى آخر، يعتبر الجانب المصري أن الإعفاءات من قانون قيصر يفترض أن تكون موثّقة خطيّاً، بشكل مُلزم لأي إدارة أميركيّة مقبلة، كي لا يتحوّل المشروع إلى سيف مصلت على مصر في المستقبل، أو باب يمكن من خلاله الضغط على النظام المصري لاحقاً.

في ما يخص هذا الطلب المصري بالتحديد، ثمّة خشية فعليّة من إمكانيّة عدم تمكّن لبنان من الاستحصال على هذا النوع من الضمانات الخطيّة المكتوبة، لكون عقوبات قيصر صدرت بموجب قانون صادق عليه مجلس الشيوخ والنوّاب الأميركيين، وليس بموجب قرار صادر عن الرئيس الأميركي. ولهذا السبب، يُحتمل أن لا تتمكّن الإدارة الأميركيّة من تأمين أي ضمانة خطيّة مكتوبة، إلا بموجب تعديل صريح لنص القانون نفسه، وهو ما سيفرض الدخول في مسار تشريعي شائك داخل الكونغرس الأميركي.

باختصار، باتت التعقيدات المحيطة بمسألة العقوبات على سوريا تمثّل خطراً داهماً كفيلاً بالإطاحة بمشروع الغاز المصري بأسره، إلا إذا تراجعت مصر عن شرط طلب الضمانات الخطيّة، أو إذا تمكّنت الإدارة الأميركيّة من تمرير المخارج المطلوبة لإصدار الضمانة التي تطلبها مصر.

تعقيدات التمويل
التعقيد الثاني الذي يجب أن يتعامل معه لبنان قبل الحصول على غاز مصر، هو مسألة التمويل، المرتبط بقرض البنك الدولي الذي يفترض أن يغطّي كلفة الغاز لأوّل عامين من العقد. المسألة الأكيدة حتّى اللحظة هي أن أي قرار رسمي من البنك الدولي لن يبصر النور قبل العاشر من كانون الثاني المقبل، موعد اجتماع مجلس إدارة البنك الدولي، الذي يفترض أن يدرس طلب التمويل المقدّم من قبل لبنان.

وبعد دراسة الطلب اللبناني، وفي حال الموافقة عليه، من المتوقّع أن يضع البنك الدولي جملة من الشروط المتعلّقة بتعرفة فاتورة الكهرباء ومعدلات الهدر التقني في الشبكة، وآليّات تأمين العملة الصعبة لمؤسسة الكهرباء، بالإضافة إلى بعض الشروط الإداريّة المتعلّقة بحوكمة القطاع وتشكيل الهيئة الناظمة له. ولهذا السبب بالتحديد، من المتوقّع أن يمثّل تنفيذ هذه الشروط القاسية التحدّي الأساسي للبنان، حتّى بعد الحصول على موافقة البنك الدولي الرسميّة على القرض. بل ويمكن القول أن تنفيذ هذا النوع من الشروط سيحتاج إلى شهور من الإجراءات التنفيذيّة في لبنان، قبل التمكّن من توقيع عقد القرض والحصول على التمويل.

في المحصّلة، فشلت وزارة الطاقة والمياه في تنفيذ وعودها بتحسين معدلات التغذية قبل نهاية العام، وأفرطت في التفاؤل بقدرتها على تنفيذ مشروع الغاز المصري والكهرباء الأردنيّة بكل تفاصيله، وخلال هذه المدّة القصيرة. وفي حقيقة الأمر، قد تعجز الوزارة عن تنفيذ المشروع بأسره، إذا لم تتمكّن من تنفيذ شروط البنك الدولي المطلوبة للحصول على تمويله، أو إذا لم تتمكن من تذليل عقبة العقوبات على النظام السوري.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها