السبت 2021/11/06

آخر تحديث: 11:48 (بيروت)

كهرباء الغاز المصري: 8% لسوريا.. على حساب لبنان

السبت 2021/11/06
كهرباء الغاز المصري: 8% لسوريا.. على حساب لبنان
تعاني سوريا من أزمة كهرباء شبيهة بتلك التي يعاني منها لبنان (Getty)
increase حجم الخط decrease

كما بات معلوم، لن يقتصر مشروع الغاز المصري على توريد الغاز عبر الأنابيب من مصر إلى في لبنان، مروراً بالأردن وسوريا، لاستخدامها في معمل دير عمار الكهربائي. فثمّة جزء آخر حيوي في هذا المشروع، يتمثّل في استعمال الغاز المصري لتوليد الكهرباء في المعامل الأردنيّة، ومن ثم استجرارها إلى لبنان عبر سوريا. من الجانب اللبناني، تراهن وزارة الطاقة على هذا المشروع بشقيه (كهرباء الأردن وغاز مصر) لتأمين نصف ما تحتاجه من إنتاج كهربائي بحلول نهاية العام. أما من ناحية النظام السوري، فيبدو أن هناك ما يكفي من مكاسب تفسّر اندفاعه للتعاون مع لبنان بخصوص المشروع.

حصة سوريا من المشروع
لم تكشف وزارة الطاقة اللبنانيّة حتّى اللحظة التفاصيل الكاملة للتفاهمات التي أفضت إلى تفعيل الاتفاق، وتحديداً من ناحية حصّة الطرفين الأردني والسوري من المشروع. لكنّ المدير العام للمؤسسة العامّة لنقل وتوزيع الكهرباء في سوريا، فوّاز الظاهر، كشف قبل أيّام عبر مقابلة إذاعيّة أن النظام السوري سيستفيد من نسبة ثابتة من الكهرباء المورّدة إلى لبنان عبر المشروع، تصل إلى حدود 8%، وذلك على امتداد فترة تنفيذ الاتفاق، وبمعزل عن كميّة الكهرباء المورّدة. ونسبة الكهرباء التي ستستفيد منها سوريا، سيحمل لبنان كلفة توليدها من خلال قرض البنك الدولي، تماماً كالكهرباء التي ستصل إلى الشبكة اللبنانيّة. ولعلّ استفادة النظام السوري من هذه الحصّة هو ما يبرّر اندفاع النظام إلى التعاون السريع مع السلطات اللبنانيّة، لتذليل جميع العقبات اللوجستيّة التي كانت تحول دون إطلاق المشروع، خصوصاً أن النظام السوري يمر حالياً بأزمة كبيرة على مستوى قطاع الكهرباء على مشارف فصل الشتاء.

من الناحية العمليّة، يمكن القول أن نسبة 8% هذه لن تمثّل إضافة كبيرة مقارنة بحاجة سوريا إلى التيّار الكهربائي، وقد يعتبر البعض أن هذه التغذية ستمثّل قيمة رمزيّة قياساً باستهلاك دولة كسوريا للكهرباء. لكنّ أهميّة هذه النسبة اليوم لا تتمثّل في كميّة الكهرباء التي سترد إلى الشبكة السوريّة، بل في نوعيّة تردداتها الموثوقة والمستقرّة، والتي ستساهم في زيادة ثبات ترددات الشبكة السوريّة بأسرها. وهذا الأمر هو تحديداً ما أكّد عليه فوّاز الظاهر، حين أشار إلى أن ربط الشبكة السوريّة بالشبكة الأردنيّة القويّة سيساهم في تحسّن "الحماية التردديّة" للشبكة السوريّة، وهو ما سيؤدّي إلى استقرار التغذية الكهربائيّة. مع الإشارة إلى أن شبكة الكهرباء السوريّة تعاني أساساً من إشكاليّة تذبذب وعدم استقرار تردداتها، تماماً كحال الشبكة الكهربائيّة في لبنان.

في كل الحالات، من المعروف أن سوريا تعاني من أزمة كهرباء شبيهة بتلك التي يعاني منها لبنان، إذ لا تتجاوز معدلات التغذية الكهربائيّة في سوريا في حدّها الأقصى مستوى 1,900 ميغاواط، في حين أن حاجة البلاد للتيار الكهربائي ترتفع في فصل الشتاء إلى حدود 7000 ميغاواط. وتكمن الإشكاليّة الأساسيّة اليوم في خسارة الشبكة السوريّة 50% من منظومة الإنتاج لديه، إما بفعل التقادم أو بسبب الأحداث الأمنيّة، وهو ما أدّى إلى ارتفاع ساعات التقنين إلى أكثر من 21 ساعة في اليوم الواحد في بعض المناطق السوريّة.

بالنسبة إلى الغاز الذي سيمر عبر الأنابيب داخل الأراضي السوريّة، اشترط النظام السوري على النحو نفسه الحصول على نسبة من هذا الغاز، مقابل تسهيل مروره في سوريا، من دون أن يكشف أي من الطرفين اللبناني أو السوري عن النسبة التي تم الاتفاق عليها. لكن كما هو واضح للجميع، يعاني السوريون في الوقت الحالي من أزمة خانقة على مستوى تأمين مادّة الغاز للاستهلاك المنزلي، وهو ما يفسّر حاجة الدولة السوريّة الماسّة لما يمكن أن تستفيد منه من مادّة الغاز من مشروع الغاز المصري، مهما كانت كميات الغاز هذه ضئيلة.

خفض ساعات التقنين في لبنان
من الجانب اللبناني، تخطط وزارة الطاقة لخفض ساعات التقنين بحلول نهاية السنة إلى 12 ساعة في اليوم الواحد، وهو ما سيستلزم تأمين 1400 ميغاواط من التغذية الكهربائيّة (يحتاج لبنان إلى 3000 ميغاواط لتأمين التغذية على مدار الساعة). ولتأمين 1400 ميغاواط، تراهن الوزارة على الحصول على 250 ميغاواط في ساعات النهار من الطاقة التي سيتم توليدها في المعامل الأردنيّة، بالإضافة إلى 450 ميغاواط من إنتاج معمل دير عمار بعد تزويده بالغاز المصري عبر الأنابيب. أما الـ700 ميغاواط المتبقية، فستأتي من إنتاج المعامل الحالي، وما سيسمح بتوليده الفيول العراقي.

بمعنى آخر، سيكون من شأن مشروع الغاز المصري أن يؤمّن نصف الكهرباء التي تستهدف إنتاجها الوزارة بحلول آخر السنة، سواء من خلال الغاز المورّد عبر الأنابيب أو الكهرباء التي سيتم استجرارها من الأردن. أما العامل الأهم الذي سيستفيد منه لبنان هنا، فهو تمويل المشروع من خلال قرض خاص من البنك الدولي، في حين أن أنابيب الغاز وخطوط الكهرباء مربوطة أساساً بلبنان منذ عام 2009، فلا تحتاج إلّا بعض أعمال الصيانة القليلة الكلفة.

إشكاليّة المشروع الأساسيّة، وتحديداً من جهة الاعتماد على المعامل الأردنيّة، تكمن في عدم تأسيسه لحل على المدى الطويل، لا بل وعدم ترافقه مع أي خطّة لمعالجة واقع قطاع الكهرباء في لبنان. في خلاصة الأمر، سيكون لبنان قد اعتمد خلال الفترة المقبلة على مصدر خارجي للكهرباء، مقابل تسجيل كلفة هذه الكهرباء كديون على الدولة اللبنانيّة بالعملة الصعبة. وفي المقابل، لا تملك الوزارة حتّى اللحظة خططاً لتطوير المعامل الثابتة القائمة حاليّاً، أو تحويلها للعمل على الغاز الأقل كلفة (معمل دير عمار هو الوحيد المجهّز والمجرّب للعمل على الغاز). كما لم تعد الحكومة النظر في خطّة الكهرباء، وخريطة المعامل الجديدة التي يفترض أن تملأ الفجوة الموجودة في التغذية الكهربائي. ومن ناحية الهدر التقني والجباية، لا يوجد أي إجراءات تضمن تحسّن هذا الجانب من عمليّات مؤسسة كهرباء لبنان.

من جهة أنابيب الغاز المصري التي ستصل إلى معمل دير عمار، ستكون الدولة اللبنانيّة قد سجّلت خطوة إلى الأمام، من خلال الاعتماد على مصدر أقل كلفة للطاقة، بدل الفيول الذي كان يغذّي أرباح كارتيل المستوردين. لكن في الوقت نفسه، لم تؤسس وزارة الطاقة إلى حل مستدام من جهة عجز مؤسسة كهرباء لبنان عن تأمين كلفة المحروقات اللازمة لتشغيل المعامل بالعملة الصعبة، خصوصاً أن مشروع الغاز المصري سيعتمد على تسجيل كلفة الغاز كقرض بالدولار على لبنان.

بانتظار شروط البنك الدولي  
لم تُنجز وزارة الطاقة بعد اتفاقيّة القرض مع البنك الدولي، علماً أنّ هذا القرض يمثّل مصدر التمويل الوحيد الذي يمكن أن يعوّل عليه لبنان لتأمين الغاز وإنجاز المشروع. لكن وحسب المصادر المتابعة للملف، من المستبعد أن يوافق البنك الدولي على تأمين التمويل الذي يطلبه لبنان من دون أن يفرض شروط إصلاحيّة مرتبطة بالقطاع. وهذه الشروط ستبدأ من إصلاح الثغرات التقنيّة والتخلّص من الهدر في الشبكة، وصولاً إلى تحسين معدلات الجباية، بهدف تقليص مستويات العجز في ميزانيّة مؤسسة كهرباء لبنان. أما بالنسبة إلى التعرفة، فالبنك الدولي يتبنّى فكرة عدم فرض أي تعديلات في التعرفة إلا بالتوازي مع زيادة مستويات التغذية الكهربائيّة تدريجياً، ما يعني أن البنك الدولي يمكن أن يبدي بعض المرونة إذا طلب لبنان التريّث قبل فرض زيادات في تعرفة مؤسسة كهرباء لبنان.

بانتظار شروط البنك الدولي، سيكون على لبنان إنجاز تفاهمه مع مصر، وتحديداً من ناحية مدّة العقد وحجم واردات الغاز السنويّة، إذ يبدو أن الحكومة اللبنانيّة بصدد طلب زيادة كمية الغاز التي سيتم استجرارها في إطار المشروع. لكن وبمعزل عن طبيعة هذا الاتفاق، سيكون التحدّي الأهم هو التمكّن من إقناع البنك الدولي بخطة الحكومة بالنسبة إلى قطاع الكهرباء. فرغم وجود الغطاء الدولي لهذا المشروع، وبمعزل عن الحماسة الأميركيّة لهذه الفكرة، لدى البنك الدولي دائماً شروطه التي سيحاول وضعها على الطاولة عند طلب أي تمويل، تماماً كما حصل في مشاريع البطاقة التمويليّة والمساعدات المخصصة للأسر الأكثر فقراً.    

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها