الأربعاء 2021/01/27

آخر تحديث: 17:55 (بيروت)

تقرير مفصّل لوكالة "موديز": تصنيف لبنان بأسوأ الدرجات

الأربعاء 2021/01/27
تقرير مفصّل لوكالة "موديز": تصنيف لبنان بأسوأ الدرجات
جاء مؤشر التعرض للمخاطر الاجتماعية سلبياً للغاية (مصطفى جمال الدين)
increase حجم الخط decrease

بعد أن خفضت وكالة "موديز" الأميركية تصنيف لبنان الائتماني في تموز 2020 من (ca) إلى (c)، وهو أدنى درجة في سلم تصنيفات الوكالة الدولية، ما عكس تقديراتها بأن الخسائر التي يتكبدها حائزو السندات خلال التعثر الحالي للبنان عن السداد، من المرجح أن تتجاوز 65 في المئة. عللت الوكالة في تقريرها الجديد عن لبنان الصادر بتاريخ 26 كانون الثاني، حيثيات قرارها بخفض التصنيف، الذي لم تقرنه بنظرة مستقبلية كما جرت عادة وكالات التصنيف العالمية، لارتفاع مستوى المخاطر التي يواجهها الدائنون غير الرسميين.

أزمة مستعصية
واعتبرت "موديز" في تقريرها الجديد، أن خفض التصنيف الائتماني للبنان إلى قاع تصنيفها الائتماني، جاء نتيجة غرق البلاد في أزمة اقتصادية ومالية واجتماعية مستفحلة، يبدو أن المؤسسات الضعيفة للغاية وقوة الحكم غير قادرة على معالجتها. وكل ذلك يحصل وسط انهيار العملة في السوق الموازية، وما يصاحب ذلك من تضخم يؤدي إلى تغذية بيئة غير مستقرة.

لذا، تشير الوكالة أنه في ظل عدم وجود خطوات رئيسية نحو إصلاح معقول للسياسة الاقتصادية والمالية، يظل دعم التمويل الخارجي الرسمي، لمرافقة إعادة هيكلة الديون الحكومية بعيد المنال. أما بالنسبة لتجاهل النظرة المستقبلية للبنان في تقريرها السابق، فتعزو الوكالة الأميركية ذلك إلى الاحتمالية العالية جداً لوقوع خسائر كبيرة للدائنين من القطاع الخاص.

تصنيف لبنان
بالنسبة إلى رفع تصنيف لبنان مجدداً، توضح الوكالة أنه إذا كانت هناك أي حركات تصاعدية في التصنيف السيادي للبنان بعد إعادة هيكلة الديون، فمن المرجح أن تكون محدودة لفترة زمنية طويلة. كما من غير المحتمل أن ينتقل تصنيف لبنان من وضعه الحالي قبل إعادة الهيكلة، بالنظر إلى حجم تحديات الاقتصاد الكلي، والتحديات المالية والاجتماعية، وتوقعاتها للخسائر الفادحة.

ولكي يرتفع تصنيف الوكالات الائتمانية للبنان عن المستويات المرتبطة باحتمالية عالية لإعادة التخلف عن السداد في المستقبل، ووقوع خسائر كبيرة، يجب أن تكون الوتيرة المبسطة لضبط أوضاع المالية العامة وتنفيذ الإصلاح الهيكلي أسرع بكثير مما هو متوقع حالياً، على مدى عدد من السنوات. وهناك شرط مسبق آخر لرفع التصنيف، يتضمن أن تتطور المحركات الرئيسية لديناميكيات الدين في الدولة، مثل النمو الاقتصادي، وأسعار الفائدة، وإيرادات الخصخصة، والقدرة على توليد الفوائض الأولية الكبيرة والحفاظ عليها، بطريقة تضمن استدامة الديون في المستقبل.

اعتبارات ائتمانية مفصّلة
وبما أنّ التصنيف الذي تمنحه وكالة "موديز" يأتي بناءً على نتائج مسجّلة على مستويات عدة. سجل لبنان في الجدارة الائتمانية درجة (b3) في معيار القوّة الإقتصاديّة نظراً لصغر حجمه، وآفاقه الاقتصاديّة الضعيفة، ومحدوديّة قدرته التنافسيّة. لكن الدرجة النهائية ستكون  أقل من (b1) لتعكس تكاليف التعديل الاقتصادي الكبيرة جداً، للانتقال نحو نموذج نمو جديد وأكثر استدامة.

وذكرت الوكالة أنّ تدفّق تحويلات المغتربين إلى البلاد في السنوات الأخيرة لطالما كان المحرك التقليدي للقطاعين العقاري والخدماتي. بَيد أنّ القدرة التنافسيّة وقدرة النموّ الاقتصادي في لبنان قد تراجعتا منذ اندلاع ثورات الربيع العربي في العام 2011، والتي نتج عنها تباطؤ شديد في الحركة السياحيّة، وتقلّص جذري في الحركة التجارية، وزيادة الأعباء على البلاد مع تدفق النازحين السوريين إليها.

ورأت الوكالة أن تسجيل لبنان درجة (caa3) من حيث فعالية المؤسسات والحوكمة، يعكس ضعف إطار الحوكمة، والذي يوازن بين فعالية السياسة المالية الضعيفة للغاية وفعالية السياسة النقدية والمالية المقيدة بشدة، في ضوء الاحتكاكات الاقتصادية والخارجية المتزايدة. وتتضمن النتيجة النهائية ثلاث درجات من التعديل السلبي لتسجيل حدث التخلف عن السداد في 16 أذار 2020 وتراكم متأخرات سداد خدمة الدين على سندات اليوروبوند منذ ذلك الحين.

أما درجة جودة المؤسسات التشريعية والتنفيذية (caa) فتأخذ في الاعتبار تراجع فعالية الحكومة منذ عام 2011 وفقاً لمؤشرات الحوكمة العالمية، حيث احتل لبنان في هذا المجال المرتبة 109 بين جميع الحكومات (حسب تصنيف عام 2019). وهذا ناجمٌ عن تعرقل عملية صياغة الميزانية وتنفيذ السياسات بسبب الانقسامات الطائفية، والتي أعاقت بدورها عملية تشكيل الحكومة.

من ناحيةٍ ثانية، تعكس درجة قوة المجتمع المدني والقضاء (ca) السيطرة على الفساد وتقييمات سيادة القانون، والتي تمثل تحديات رئيسية للبنان. فقد شكّل الفساد عقبة رئيسية تعرقل قدرة الشركات على إجراء الأعمال التجارية وتخطيط الاستثمارات، بينما أدت علاقات المحسوبية بين الشركات إلى الاحتكار الذي يحد من القدرة التنافسية للاقتصاد اللبناني.

هذا، وأشارت الوكالة إلى أن درجة القوة المالية للبنان (ca) تعكس توقعاتها بأن مستوى الدين العام سيرتفع إلى أكثر من  200 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2020، في حال اعتماد السلطات سعر صرف رسمي يبلغ 3,500 ليرة لبنانية مقابل الدولار الأميركي كما هو منصوص في خطة حكومة حسان دياب المستقيلة. واعتبرت أن التأخير في المفاوضات مع حاملي سندات اليوروبوند ومع صندوق النقد الدولي بشأن إعادة هيكلة الدين العام وتأمين التمويل الخارجي قد أدّى إلى تسريع الانكماش الاقتصادي. مقدرةً بأن استعادة استدامة الدين العام ستكون متّسقة بخسائر تزيد عن 65 في المئة من القيمة الإسمية لحاملي سندات اليوروبوند.

وفي السياق نفسه، أظهرت توقعات الوكالة أن مسار الدين لا يزال حساساً بشكلٍ خاص للنمو المعاكس وديناميكيات التضخم والعملات الأجنبية، ما يؤكد احتمالية تراكم المزيد من الخسائر في حالة عدم وجود اتفاقية إعادة هيكلة بدعم من صندوق النقد الدولي.

وأوضحت الوكالة أن درجة عرضة لبنان لمخاطر الأحداث، والتي تقيّم مدى تداعيات أحداث مفاجئة على الدولة، والتي من شأنها أن تؤثر بشكل كبير على الجدارة الائتمانية للحكومة، تعكس نتيجة (ca) على كل من مخاطر السيولة الحكومية ومخاطر عرضة لبنان إلى مخاطر خارجية. فيما درجة مخاطر السيولة الحكومية النهائية ستكون أقل من الدرجة الأولية (caa)، ما يعكس تجفيف مصادر التمويل التقليدية للحكومة عبر الودائع المصرفية، والوصول المغلق إلى أسواق رأس المال الدولية، إضافةً إلى سحب احتياطيات النقد الأجنبي القابلة للاستخدام.

وقيّمت الوكالة مخاطر الضعف الخارجي للبنان عند (ca)، ما يعكس انهياراً فعالاً لسعر الصرف في السوق الموازية، مدفوعاً بنضوب احتياطيات النقد الأجنبي القابلة للاستخدام لدعم الربط بين الليرة والدولار، مع ضمان تمويل الواردات الرئيسية بما في ذلك السلع الاستهلاكية الأساسية في معدلات سعر الصرف المدعومة.

وتعكس درجة المخاطر السياسية المحلية والجيوسياسية (caa)، التوازن الطائفي الهش في البلاد وتعرضها الاقتصادي والسياسي للتوترات الإقليمية، والتي تفاقمت منذ انسحاب الولايات المتحدة الأميركية من صفقة إيران النووية في أيار 2018.

وأخيراً، جاءت درجة تقييم مخاطر القطاع المصرفي على أساس (caa)، مع الأخذ في الاعتبار الحجم الكبير للنظام المصرفي بأكثر من 4 أضعاف الناتج المحلي الإجمالي للبلد، وحلقة الربط الوثيقة جداً بين النظام السيادي والنظام المصرفي، ما يزيد من اعتماد الحكومة على الصحة المالية للنظام المصرفي والعكس صحيح.

مخاطر القضايا البيئية والاجتماعية والحوكمة
إضافةً إلى كل ما تقدم، أوردت الوكالة في تقريرها أن درجة مخاطر القضايا البيئية والاجتماعية والحوكمة في لبنان سلبية للغاية عند (CIS-5)، ما يعكس التعرض العالي للمخاطر البيئية، والمخاطر الاجتماعية العالية والحوكمة المترهلة، مع مستويات الثروة المتدهورة بسرعة واستنفاد الميزانية العمومية للحكومة، الأمر الذي يؤدي إلى ضعف المرونة تجاه البيئة والمخاطر الاجتماعية.

وأضافت أن الملف الائتماني للبنان يتعرض بشكل كبير للمخاطر البيئية. بحيث تمثل إدارة النفايات الصلبة تحدياً مزمناً، بينما لا يزال أكثر من 25 في المئة من السكان معرضين لمياه الشرب غير المأمونة. ومن المرجح أن تصبح حالات نقص المياه أكثر تواتراً وانتشاراً، بسبب زيادة الطلب من الزراعة والصناعة، ما لم يتم التعامل مع هذه المشكلة من خلال سياسات فعالة.

إلى ذلك، يُعتبر مؤشر التعرض للمخاطر الاجتماعية سلبياً للغاية، مدفوعاً بضعف الوصول إلى الخدمات الأساسية، بما في ذلك الوصول غير الموثوق إلى الكهرباء. وتشمل الاتجاهات الديموغرافية غير المواتية الهجرة الخارجية الكبيرة للعمالة الماهرة، في حين أن القوى العاملة غير الماهرة تتنافس مع تدفق اللاجئين السوريين الذي يشكلون الآن أكثر من 30 في المئة من السكان. وبذلك، من المتوقع أن ترتفع معدلات البطالة والفقر بشكلٍ حاد، نتيجة انهيار نموذج النمو السابق في لبنان. ويأتي ذلك مع انخفاض التحويلات الشخصية المتلقاة بشكل ملحوظ خلال العقد الماضي، وهو ما قلل من مقاومة الأسر للصدمات.

وفي الختام، جاء تصنيف الحوكمة في لبنان منخفض بشكلٍ حاد (درجة G-5 ). وهذا يعود بالضرورة إلى الانقسام الطائفي الذي تسبب بمفاوضات متكررة وممتدة بين الأحزاب السياسية وإلى جمود حكومي يساهم في عدم الاستقرار الاقتصادي والمالي، إلى جانب الفساد الذي يُعتبر عقبة رئيسية تعوق قدرة الشركات على إدارة الأعمال وتخطيط الاستثمارات، في حين أدت علاقات المحسوبية بين الشركات والفصائل السياسية إلى الاحتكار وتقويض تنافسية الاقتصاد اللبناني.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها