الإثنين 2021/01/25

آخر تحديث: 14:02 (بيروت)

سوناتراك والفيول المغشوش والمحاكم الدولية: تحريضٌ داخلي ضد الدولة

الإثنين 2021/01/25
سوناتراك والفيول المغشوش والمحاكم الدولية: تحريضٌ داخلي ضد الدولة
البواخر هي الشريان الحيوي للفساد في قطاع الطاقة (Getty)
increase حجم الخط decrease
يقف ملف الفيول المغشوش على باب التحكيم الدولي، إذ تهدد شركة سوناتراك الجزائرية باللجوء إلى التحكيم الدولي للحصول على مستحقاتها المترتبة على الدولة اللبنانية، بفعل العقد الموقّع بين الطرفين، والذي تمثل فيه وزارةُ الطاقة الدولةَ اللبنانية، وذلك للاعتراض على الاتهامات التي تطالها. فبعد اتهام وزارة الطاقة لشركة سوناتارك بتوريد شحنات من الفيول المغشوش إلى لبنان، ووضع الشركة أمام القضاء اللبناني، أثار نواب جزائريون هذا الملف داخل البرلمان الجزائري، معتبرين أن ما يحصل هو إهانة للجزائر وتشويهاً لسمعة شركتها الوطنية التي تطالب لبنان بدفع 18 مليون دولار لقاء 3 شحنات من الفيول عن سنوات سابقة.

وصول الملف إلى التحكيم الدولي، يضع لبنان أمام استحقاقات قانونية ومالية هو بالغنى عنها في ظروفه السياسية والاقتصادية الحالية. والأمر لم يأتِ من فراغ ولا هو ذاهب إليه، بل فيه ما فيه من النيّات المبيَّتة التي تصب في صالح فريق سياسي يختصره أحد الوزراء.

شبح إدارة المناقصات
دخلت إدارة المناقصات في التفتيش المركزي على خط وضع دفتر شروط جديد، لمناقصة تلزيم مورِّد جديد للفيول، يخلف شركة سوناتراك. ودخولها لم يرُق لوزير سابق يملك القرار الحاسم في وزارة الطاقة، خصوصاً وأن وزير الطاقة الحالي ريمون غجر متّفق مع رئيس دائرة المناقصات جان العلية لإنجاح دفتر شروط المناقصة المرتقبة. ومن هنا، بات تأجيج ملف سوناتراك حاجة أساسية للوزير السابق، لكي يُبعِد عن سمسراته شبح إدارة المناقصات والتزامها بالقوانين.

كانت قضية سوناتراك حتى الأمس القريب قابلة للحلحلة، ولاخراجها من سياقها القضائي في لبنان، مقابل تجديد العقد مع الشركة أو الخروج منه بأقل الخسائر الممكنة للطرفين. لكن الحق العام للدولة اللبنانية يعرقل إقفال الملف بمجرّد قرار. كما أن عدم وضوح أرضية التعاقد مع طرف جديد لتوريد الفيول، يُبقى الحاجة إلى الاستمرار بوضع ملف سوناتراك على نار حامية، أمراً ملحّاً. فعند أي تعاقد قانوني وشفّاف لا يُرضي الوزير السابق، تصبح قضية سوناتراك ثقلاً أساسياً يفترض حلّه قبل طرح حلول أخرى. وبالتوازي، تفرض ضرورة تسيير المرفق العام وتأمين المصلحة العامة، أي التيار الكهربائي، إلزامية تأمين الفيول من أي مصدر كان. وهذا المصدر، حاضر بحماية الوزير المعني، ألا وهو، ناقلات "السبوت كارغو". وهذا الخيار يفتح المجال واسعاً أمام السمسرات، بدءاً بهوية الشركات المورِّدة، مروراً بقيمة الشراء، وليس انتهاءً بشكل التعاقد والرقابة على نوع الفيول ومطابقته للمواصفات.. وما إلى ذلك. وهي كلّها عوائق يجليها وضع دفتر شروط واضح عبر إدارة المناقصات.

جيش محلي ودولي للتشويش
الجانب الجزائري لا يريد تشويه سمعة شركته، ويريد تعويضاً عن الضرر المعنوي الذي لحق بالشركة جرّاء اتهامها بالغش، فيما ترى الشركة أن الغش إن حصل، قد يكون عند تقاطع تسلّم الشركات الفرعية لشحنات الفيول. فوزارة الطاقة اللبنانية تسمح بنقل الفيول عبر شركات أخرى غير سوناتراك. وهذا فصل آخر من فصول الفساد، وهو جوهر قضية الفيول المغشوش.

في المقابل، فإن الموقف الجزائري يجد مَن يستغلّه في وزارة الطاقة اللبنانية، ليس لمصلحة لبنان بل لمصلحة الوزير السابق، الذي يشغِّل جيشاً من المستشارين والموظفين "ليحرّض المتعهّدين لتهديد الدولة ورفع الدعاوى والشكاوى محلياً ودولياً ليزداد الضغط على الدولة، فترضى بالحلول السريعة كسباً للوقت، وهو تماماً ما يريده فريق معيّن في السلطة، عبر استغلال ضيق الوقت والضغط المالي والقضائي لتمرير مناقصات مركّبة على قياس شركات محددة"، وفق ما تؤكده لـ"المدن"، مصادر قانونية على صلة وثيقة بملف مناقصات توريد الفيول. وتضيف المصادر أن الفريق الذي يختصره الوزير السابق، "يدفع المتعهّدين لتوجيه كتبٍ إلى وزارات الخارجية والمالية والطاقة، يتظلَّمون فيها أو يطالبون بتعويضات وخلافه".
ملف الشركة الجزائرية هو رصاصة متعددة الرؤوس تجتمع في هدف واحد، هكذا يراها الوزير. فالتهويل المستمر في مسألة عدم القدرة على تأمين الفيول للكهرباء، إلى جانب محاولة تنحية إدارة المناقصات عن ملف المناقصة، يستدعي رفع السقف في قضية الفيول المغشوش والتذكير به في كل المحافل، إذ من شأن ذلك استفزاز الجزائر، ما يدفعها نحو التحكيم الدولي والضغط على لبنان. وأيضاً، يُستفاد من تراجع ثقة الشركات العالمية بلبنان وبقدرته على دفع المستحقات المالية، ما يُضَيِّق هامش المستثمرين الراغبين بتوريد الفيول للبنان، فترتفع حظوظ الشركات التي يرغب بها الوزير.

أحد الرؤوس الأخرى للرصاصة، هو إصابة جان العلية، الخصم القانوني للوزير وفريقه. فالوزير يريد إحراج العلية وإظهاره بصورة المعرقل لملف الطاقة، عبر اصراره على إدراج نقاط قانونية محددة في دفاتر الشروط، يريد الوزير تجاوزها. وفي السياق عينه، "يوعز الوزير لبعض النواب باستغلال لجنة الأشغال النيابية. فمن داخلها يجري ابتداع عراقيل تؤخّر انجاز دفتر شروط مناقصة التعاقد مع شركة جديدة لتوريد الفيول، بعد انتهاء آخر مفاعيل التعاقد مع سوناتراك، في شباط المقبل".

وعلى الضفة عينها، ينتظر الوزير بروز أزمة تأمين التمويل المطلوب لدفع ثمن الفيول المنوي استيراده مستقبلاً. وفي المحصّلة، تنغلق الأبواب في هذا الملف، ويظهر الجميع بخانة المعرقلين، فيما الوزير وفريقه هُم الأبطال الذين يضعون الخطط المُحكَمة لقطاع الطاقة، حتى وإن كانت الطرق تقفز فوق القانون، سواء على مستوى المناقصات ورسوّها على شركات معيّنة، أو على مستوى تأمين التمويل عبر سلفات مالية تُغرق الخزينة، وتُبدِّد أموال الناس.

خلاصة القضية، أن لبنان يسير نحو المحاكم الدولية فاقداً سمعته مسبقاً، والمجتمع الدولي يشهد بالفساد المتغلغل في كل الملفّات. قد يخسر لبنان القضية مع الجزائر وشركتها، فيخرج منهكاً أمام وزير قوي جاهز لاستغلال الموقف، فيأتي بناقلات فيول على هواه. وعلى مقربة من هذا السيناريو، سيستميل الوزير باقي قوى السلطة ليوافقوه على تمرير صفقة التعاقد مع مورِّد جديد، بالتراضي، وبعيداً عن إدارة المناقصات.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها