العبرة بالكمية
تتلخّص أزمة المحروقات بعدم كفاية الكميات المتوفرة في السوق مع حجم الطلب المتزايد. وتختفي الكميات بين التهريب والتخزين. فيما أرقام مصرف لبنان توثّق دعم استيراد ضعف ما يحتاجه السوق في الأحوال الطبيعية.
النقص الحاد في الكمية أدى إلى أزمة الطوابير ومُلحَقاتها. ولم تتراجع أعداد السيارات المنتظرة أمام المحطات، حتى بعد إعلان مجلس النواب يوم الجمعة 20 آب، "تحرير السوق"، وإعلان المجتمعين في بعبدا يوم السبت 21 آب، رفع الدعم بشكل جزئي حتى شهر أيلول. بل إن السيارات احتشدت أمام المحطات لكسب المحروقات المتوفّرة بالسعر المنخفض، قبل ارتفاعه استنادًا إلى تسعيرة وزارة الطاقة.
الطوابير ستحافظ على حالها، وربما تتزايد في اليومين المقبلين، بسبب عدم فتح الباب أمام الشركات لاستيراد كميات إضافية من المحروقات "ريثما ينتهي المخزون الموجود في السوق"، حسب المديرة العامة للنفط، أورور فغالي. فيما لا أحد يمكنه حسم الكميات المتوفرة في السوق. ما يعني احتمال إعلان نفاد الكميات خلال يومين، أو يطول الأمر لأغراض سياسية وربحية، حين تُرفَع أسعار الكميات الموجودة في المحطات، وتنشط السوق السوداء وتزداد أسعارها.
بالتوازي، ليس من المؤكّد انفراج السوق مع إعلان نفاد الكميات والسماح بالاستيراد. فرئيس نقابة الشركات المستوردة للنفط، جورج فياض، يطرح تساؤلات حول سماح مصرف لبنان "باستيراد كميات كافية من المحروقات"، بفعل عدم توفر الدولارات بمبالغ كافية لدعم الاستيراد، وإن بسعر 8000 ليرة.
دور وزارة الطاقة
لوزارة الطاقة دور أساسي في هذا الملف، فهي "عبر المديرية العامة للنفط ومنشآت النفط تتلقّى العلم باستيراد أي باخرة للمحروقات، وتتبَيَّن مواصفاتها وأوراقها الرسمية المطلوبة وهوية مستورديها ومكان تفريغها.. وكافة الأمور الإدارية المطلوبة، قبل إعطاء الإذن بالاستيراد"، وفق ما تشرحه مصادر في وزارة الطاقة في حديث لـ"المدن".
في ما يخصّ باخرة النفط الإيرانية، ترى المصادر "استحالة إدخالها بصورة شرعية ما لم تحصل على الموافقات المطلوبة". لكنها لا تستبعد إيجاد "مخارج مناسبة"، خصوصاً وأن لا باخرة سترسو على الشاطىء اللبناني، وإنما من الواضح دخول النفط برًا عبر سوريا. وهو خيار يُسهِّل الأمور.
وبالنسبة للمصادر "يمكن لوزارة الطاقة إعطاء موافقات استثنائية. وهذا الأمر يحصل مرارًا مع الشركات المستوردة. وما يدعم إعطاء الاستثناء، هو حال الناس التي اختنقت، والأفران التي ما عادت تنتج الخبز أو قلّصت كمياته، وكذلك حال المستشفيات والمطاحن وغيرها". وتتساءل المصادر عمّا إذا كان وزير الطاقة ريمون غجر "يجرؤ على إعطاء الموافقة الاستثنائية، لما للملف من بُعد سياسي". غير أن الطريق قد فتحه مجلس النواب حين أقر تحرير السوق، وغطاء التمويل عبر رجال أعمال، أمّنه الحزب قبل قرار المجلس، ما يعني غياب أي ذريعة غير سياسية. كما أن الاستثناء ممكن مِن جهة الجمارك التي تستطيع إدخال الشحنات، على أن تؤمَّن المستندات اللازمة في وقت لاحق. ويمكن لرجال الأعمال الذين استوردوا الباخرة إسميًا، استكمال الاجراءات القانونية وأخذ الملف على عاتقهم، فلا مانع قانونياً بذلك.
حلقات من مسلسل
قفزُ وزارة الطاقة والجمارك فوق الاصطفافات السياسية، والسماح للنفط الايراني بالدخول إلى لبنان، لا يعني تأمين الكميات المطلوبة للسوق. حتى وإن أتت لاحقًا باخرتان أو عشر بواخر، فالسوق قادر على ابتلاع الكميات الإضافية. فالتهريب والتخزين عبارة عن ثقب أسود يشفط ما يدخل السوق، وحتى الذي لا يزال على رصيف الموانئ. وهذه هي الحلقة الأولى من مسلسل أزمة المحروقات. فيما الحلقة الثانية هي شحّ الدولارات التي تؤخّر استيراد الكميات الكافية. هذا إن جاز الحديث عن "كميات كافية" في ظل الاستهلاك الهائل. فضعف قدرة المصرف المركزي على تأمين الدولارات، حتى بعد رفع الدعم كليًا، يعني إبقاء السوق في حاجة مستمرة.
أما الحلقة الثانية المتوَقَّعة، فهي إشكالية جعالة محطات المحروقات. والجعالة هي نسبة الربح المخصص للمحطة من السعر النهائي للصفيحة، الذي ينقسم بين كلفة استيرادها ونسبة الضرائب وحصة الدولة ونسبة ربح أصحاب المحطات، الذين يلوّحون اليوم بحاجتهم لرفع جعالتهم، ما يرفع سعر الصفيحة لما يزيد عن السعر المعتمد من وزارة الطاقة. وهو ما يؤكّده عضو نقابة أصحاب المحطات، جورج البراكس، الذي طالب بأن تكون "جعالة المحطات 20000 ليرة بدل 4000 ليرة، لأن المحطات لا يمكنها الاستمرار على هذا الوضع. إذ أن رأسمالها بدأ بالنفاد".
لا البواخر الإيرانية ولا بواخر الشركات المستوردة المعهودة في لبنان، قادرة على كفاية السوق. ولا رفع الأسعار يخفّض الاستهلاك بصورة تسمح بتوفّر المحروقات وخفض الطوابير، لأن أزمة المحروقات أصبحت دوامة لا تتوقّف إلا بحلّ متكامل على مستوى الأزمة العامة في البلاد.

التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها