السبت 2020/08/08

آخر تحديث: 00:02 (بيروت)

حوالات الدولار والقروض بلا فائدة: إبتزاز اللبنانيين من "كيسهم"

السبت 2020/08/08
حوالات الدولار والقروض بلا فائدة: إبتزاز اللبنانيين من "كيسهم"
تسلّم الحوالات بالدولار سيسهم في تراجع سعر صرف الدولار (عباس سلمان)
increase حجم الخط decrease
مضحك جداً مسار ما سمّته الطبقة الحاكمة بمكافحة التلاعب بسعر صرف العملة. سلسلة من الإجراءات والقرارات لم تسفر سوى عن المزيد من الارتفاع في سعر صرف الدولار وعن توسيع دائرة السوق السوداء، وزيادة الضغط على المواطنين، مستهلكين وتجّار. على أنّ المتضرر الأبرز كان المستهلكين، إذ نجح التجّار في الالتفاف على الأزمة وتحقيق أرباحٍ على حساب المستهلكين.

وأسخف قرار كان حرمان اللبنانيين من استلام التحاويل الآتية إليهم من الخارج، بالدولار، إذ استعيض عنها بالتسليم بالليرة اللبنانية.

سوء تقدير
بهدف الحد من التلاعب بسعر صرف الدولار، وجد مصرف لبنان أن الحل يقبع في الاستحواذ على الدولارات المحوَّلة من الخارج إلى لبنان عبر مؤسسات التحويل الإلكترونية. وعليه، أصدر المركزي قراره المتعلّق بإلزام مؤسسات التحويل، تسليم الحوالات الدولارية بالليرة اللبنانية، على أن تبيع المؤسسات الدولار المتوفّر لديها، إلى المصرف المركزي، ليعاود الأخير ضخّ الدولارات في السوق عبر الصرّافين، لدعم المستوردين ومَن يريد تحويل الدولار إلى الخارج بهدف دفع أقساط جامعية أو دفع رواتب العاملات المنزليات.. وما إلى ذلك من حاجات لا تتعلّق بالمضاربة على الليرة في الداخل.

القرار لم يفلح في ضبط ارتفاع سعر الدولار ولا الحد من المضاربة وطلب الدولار لتخزينه. فالسعر المعتمد من مصرف لبنان للاستبدال الدولارات المحوّلة وفقه، لم يتجاوز 3900 ليرة، في حين وصل سعر صرف الدولار في السوق السوداء إلى نحو 10 آلاف ليرة، ووصل كسعر وسطي، إلى نحو 8000 ليرة، وفي مستوياته الدنيا التي يسجّلها حالياً، يسجّل الدولار نحو 7500 ليرة للشراء. أي أن أدنى سعر للدولار في السوق السوداء، ما يزال يفوق ضعف المبلغ الذي يعترف به مصرف لبنان.

سوء تقدير الأمور وعدم تحقيق النتائج المرجوّة، لم تثنِ المركزي عن قراره. حتّى أن انخفاض معدّلات التحويل لم يشكّل دافعاً لتغيير مسار الأمور لدى أصحاب القرار. فبحسب ما تقوله مصادر في شركات تحويل الأموال، في حديث لـ"المدن"، انخفض معدّل التحويل الشهري بفعل قرار تسليم الحوالات بالليرة، "من نحو 150 مليون دولار شهرياً تأتي عبر كل الشركات، إلى نحو 25 مليون دولار".

ابتزاز بالفاجعة
الجريمة التي حلّت ببيروت بعد تفجير المرفأ، دفعت السلطة إلى البحث عن وسائل تخفف الضغط عن اللبنانيين، فاعتبرت أن الإفراج عن دولاراتهم هو الحل الأنسب والأسرع، في ظل الأزمة الاقتصادية والنقدية التي افتعلتها، نتيجة سوء إدارتها للبلاد على مدى عقود. فسمح مصرف لبنان لمؤسسات التحويل، بتسليم الحوالات إلى أصحابها بالدولار.

ومن المنتظر أن يدفع القرار إلى تخفيض سعر صرف الدولار بسبب ارتفاع حجم عرض الدولار في السوق. لكنّ السوق السوداء كانت قد استبقت قرار المركزي، عبر انتشار الهدوء بالتوازي مع انتشار خبر التفجير.

بعد إعلان قرار المركزي، تحوَّل الهدوء إلى مسار تنازلي، فتراجعت الأسعار مع بدء تسليم الحوالات بالدولار، بالإضافة إلى القرار الثاني للمركزي، والذي يسمح لمتضرّري التفجير بالاقتراض من المصارف، بفائدة صفر بالمئة، بهدف إصلاح الأضرار.

في الشكل العام، تسهم تلك القرارات بتقليص الطلب على الدولار بسبب رفع نسبة العرض في السوق. لكنه من ناحية ثانية ليس من المؤكّد انعكاس انخفاض سعر الدولار على أسعار المواد والسلع في السوق. فكل الأسعار ما زالت تُسجَّل بالتناسب مع سعر صرف لا يقل عن 9000 ليرة. واستمرار ارتفاع الأسعار، يشكّل مؤشراً لإمكانية ارتفاع أسعار الدولار مجدداً، وإن بمعدّلات منخفضة، لأن التجّار لن يخفّضوا أسعار بضائعهم من تلقاء أنفسهم، طالما أن المستهلكين يُقبلون على شرائها. خاصة وأن رقابة الوزارات المعنية، غائبة.

وبالتالي، فإن السلطة السياسية تبتزّ اللبنانيين بفاجعتهم، وتعطيهم من "كيسهم" في حين أن استلام الحوالات بالدولار هو من حقّ المواطنين، من دون منّة من أحد.

اعتراض المؤسسات السياحية
المواطنون رحّبوا بالقرار، ليس تأييداً للسلطة السياسية، بل للتنفّس قليلاً في ظل الاختناق العام. هذا الترحيب، قابله رفض من المؤسسات السياحية لقرار القروض المصرفية، إذ لا يجوز حلّ الأزمات من جيوب المتضررين.

وعليه، رأى إتحاد المؤسسات السياحية أن قرار الإقراض، وإن كان بفائدة صفر بالمئة، هو "ترميم لمؤسساتنا على حسابنا". وعلى لسان رئيسه بيار الأشقر، أشار الاتحاد إلى أنه "عندما ناشدنا وطالبنا الدولة إقراضنا بفائدة صفر بالمئة، كان لا حياة لمن تنادي". لذلك، رفض الاتحاد استخدام الأوضاع التي تعيشها البلاد، لتهدئة غضب اللبنانيين وأصحاب القطاعات وحرف أنظارهم عن مسؤولية الدولة، التي لم تلتفت لمسؤوليتها تجاه المؤسسات قبل التفجير.

وبفعل عدم الثقة، سأل الأشقر "أين ستذهب أموال الدول المانحة التي أبدت إستعدادها للمساعدة؟ أم جئتم تقرضوننا إياها؟ لا نستطيع الإستدانة بعد الآن، علماً أن المصارف كانت متعثرة، فكيف تستطيع إقراضنا الآن أم تريدون الإستيلاء على أملاكنا؟".

فعلاً، هي مهزلة. بكبسة زر بات بالإمكان استلام التحويلات بالدولار. وبلمح البصر، أصبح لدى المصارف أموالاً لتُقرضها، بالدولار، مع ذلك، لا تملك الاموال لتعيدها لأصحابها. وفي جميع الأحوال، ومهما كان هدف المصارف، فإن الإعلان عن إمكانية الإقراض، هو بمثابة إخبار للمودعين، للتوجّه نحو المصارف والحصول على أموالهم بالقوة. ولتعتبر المصارف أصحاب الأموال، مُقترضين، إذ كلّهم متضرّرون من السلطة ومصارفها.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها