الإثنين 2020/08/24

آخر تحديث: 00:09 (بيروت)

حان وقت التفكير باحتياط الذهب..

الإثنين 2020/08/24
حان وقت التفكير باحتياط الذهب..
تتجمّع على سطح لبنان وتحته نذٌر الإنفجار الاجتماعي الكبير (عزيز طاهر)
increase حجم الخط decrease

لا نعرف متى يأتي وقت الذهب الإحتياطي. هذا ملك الشعب اللبناني. الساعة السوداء دهمت ساعات سودًا. الآتي الأسوأ استحقّ واقعًا. ولا شرعية تعلو حقّ الشعب في نزوع البقاء، والمنجاة من الموت مرضًا وجوعًا وسوء تغذية، بقانون أو من دونه.

إعلان حاكم مصرف لبنان رياض سلامة لوكالة "رويترز" أن المصرف لا يمكنه الاستمرار في دعم السلع الستراتيجية، بات يحتّم التفكير في الوسيلة الفضلى لاستخدام جزء من الذهب لأكثر من سبب. أولّا، كي لا يستحقّ الأسوأ طُرًا الذي بدأت بواكيره. وإن احتاج الأمر إلى تعديل القانون رقم 42/86، الذي منع التصرف بالذهب بأي شكل من الأشكال، فليكن. إنّما في سياق خطّة تتكامل مع برناج الإصلاحات التي يجب أن تُرغم الحكومة المقبلة على القيام بها بأي ثمن. ولو تطلّب ذلك فرضها من الشارع. لنحصل تلازمًا على برنامج قروض من صندوق النقد الدولي وتعهدات سيدر في وقت لاحق. الحصول على خط ائتمان ببضعة مليارات الدولار الأميركي لقاء ضمانة جزء من الذهب يحتاج إلى تعديل القانون المعني. ثانيًا، لأن دول الدعم لا تثق بالحكم في لبنان حتى لتحويل ما نفحتنا من مساعدات في أشدّ اللحظات الإنسانية حرجًا، كتلك التي نجمت عن كارثة انفجار مرفأ بيروت. ولم تظهر كل تداعياتها بعد. ثالثًا، لأن أي حكومة في حال تأليفها كيفما كان، لن تغيّر من نظرة الدول العربية والمجتمع الدولي لتصبح جديرة بتلقّي أي برنامج مساعدات من خارج مساعدات الغوث والدعم الإنساني.

واجه العالم كوارث طبيعية ومن صنع الإنسان. واجه إعسارًا ومديونية وتوقفًا عن دفع التزاماته. وبطالة، وانهيار سعر الصرف، وتضخمًا، وفقرًا، ونموًا سالبًا فوق المعدلات المقبولة اقتصاديًا بكل المعايير. وواجه موجات من الأوبئة وظروفًا صحية حرجة. واجه أيضًا حالات فساد السلطة وسرقة الشعب وانهيار الخِدمات وبيئة مؤكسدة. وشهد عقم الدولة الفاشلة وعجزها عن إعمال المؤسسات الدستورية وطغيان الدويلات في الداخل. وواجه حكّامًا نرجسيين مدّعين بائسين وفاشلين.. لكن، لا دولة في العالم اجتمعت فيها كل تلك الآفات في وقت واحد، وتبخّرت ودائع المواطنين وادّخاراتهم وفقدوا القدرة على مواجهة ما حلّ بهم. مع ذلك، لا حكومة في البلد. لأنّ العلامة الفارقة في لبنان هي شغور المؤسسات. عامان ونصف عام على انتخاب رئيس جمهورية بعينه. ثمانية عشر شهرًا لتأليف حكومة. ووزير ملك مرتهن، وثلث معطّل وغيرهما من أراجيف قتل الوطن وتبديد مواره وطاقاته.

35 مليارًا فاقد النمو
لا نعرف بالضبط تكلفة كل ذلك. أهي المؤامرات التي يتحدث عنها هذا المسؤول أو ذاك؟ المؤامرة لا تفعل كل ذلك. الخيانة والجريمة تفعلان. تكلفة النمو الضائع عشرات المليارات بالعملة الخضراء طبعًا. وقد نسي اللبناني عملته الوطنية وباتت عبئًا عليه ثقيلًا. والنتيجة ما نشهده اليوم. التقرير الأخير لوكالة التصنيف فيتش قبل أيّام قدّر تراجع الناتج المحلي الإجمالي في 2020 بواقع 25 في المئة. أي 13 في المئة فوق تقديرات سابقة لصندوق النقد الدولي. وإلى نحو 20 مليار دولار أميركي من زهاء 55 مليارًا في 2019. وهو الأدنى منذ 2005. هل كان هذا المؤشر القاتل مفاجئًا؟ أبدًا. في آذار 2020 تقرير الوكالة نفسها حذّر من المديونية. ومن تراجع احتياط مصرف لبنان الصافي من العملات الأجنبية في استثناء الذهب ومحفظة اليوروبوندز. وأورد تقرير فيتش بالخطّ العريض أنّ "المصارف مكشوفة على مصرف لبنان بنحو 54 في المئة من أصولها، و6 مرّات رأسمالها الأساسي. وأنّ تغطية مصرف لبنان دون 50 في المئة". وذكر بما لا يدع مجالًا للّبس "لو قصّر مصرف لبنان في سداد التزاماته للمصارف هناك خطر على أموال المودعين للإنقاذ من الداخل. (Bail in) وأي خفض بواقع 20 في المئة من التزامات المصرف للمصارف كفيل بمحو حقوق المساهمين"! كم من سنوات الكدّ والجِدّ سنحتاج لمجرد تعويض فاقد النمو؟ وهو واقعًا أكثر من 35 مليار دولار أميركي لو اعتبرنا أن سنوات تعويض الفاقد كان يفترض أن تزيد من حجم الناتج المحلي الإجمالي عن 55 مليار دولار أميركي إلى ما يزيد.

يذكرنا تقرير وكالة فيتش بأنّ مؤشرات الحوكمة في المصرف الدولي تحظى بأعلى وزن في تقييم الإدارة للمخاطر المؤسسية، وبالتالي فهي وثيقة الصلة بالتصنيف ومحرك تصنيف رئيسي. ويسأل متى سيتم تشكيل الحكومة الجديدة وما إذا كان سيتمّ استقدام موعد الإنتخابات النيابية. ويتكهن بأنّ الانقسامات السياسية المحلية، والمصالح الخاصة الإقليمية يمكن أن تعرقل طريق الإصلاحات. ماذا تغيّر في مقاربة الكارثة لدى الحكم والسلطة عمومًا؟ نفترض بالمنطق والعقل، أنّ المرحلة التي بلغها لبنان تستدعي الإسراع في تأليف حكومة من نوع آخر. وأن يبادر رئيس الجمهورية ميشال عون إلى إعمال الدستور ويبدأ بالاستشارات النيابية لهذه الغاية. كلّا. حصّة جبران أولًا و"العهد القوي". لا يريد الرئيس إضاعة وقت التأليف بعد الإستشارات والتكليف. فيضيّعه قبل الإستشارات والتكليف.

رغم كل المؤشرات الكئيبة ما زال البوم ينعق على سطح عنبر لبنان. مع تصعيد التوتر الإقليمي والمخاطر الجيوسياسية، في ظل غياب الدولة وتماسكها مؤسسيًا، تتجمّع على سطح لبنان وتحته نذٌر الإنفجار الاجتماعي الكبير، بمفاعيل أعمق من خزين نيترات الأمونيوم في العنبر رقم 12 في مرفأ بيروت.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها