الإثنين 2020/08/17

آخر تحديث: 00:01 (بيروت)

الحكومة.. رحلة النفق طويلة

الإثنين 2020/08/17
الحكومة.. رحلة النفق طويلة
هل الحريري قادر على رئاسة حكومة تنجز ما لم تنجزه حكومات سابقة تولّى رئاستها؟ (عزيز طاهر)
increase حجم الخط decrease

ضاقت الخيارات أمام "حزب الله" ورئيس الجمهورية ميشال عون لتأليف حكومة لا يكون سعد الحريري على رأسها. لكن هذا لا يعني الموافقة على شروط الحريري لإطلاق يده في التأليف وعدم إشراك ممثلين عن الحزب ورئيس "التيّار الوطني الحرّ" جبران باسيل فيها. هذه تبقى أولوية لعون. لذلك يرفض الفريقان، الحزب والرئيس، تأليف حكومة حيادية. كلاهما عون والحزب يعلم أنّ تلافي سقوط لبنان في الفوضى والانهيار الشامل، يقتضي بدء إصلاحات فورية للحصول على برنامج مساعدات صندوق النقد الدولي وتعهدات مؤتمر سيدر. وأن ليس كالحريري شخصية سياسية مقبولة وممكنة في هذه الظروف. ففي عملية بسيطة لتثقيل العوامل المرجّحة لذلك الخيار، فالحريري لازمة تمثيلية للتوازن في المنظومة السياسية الطائفية كما عون و"حزب الله" لازمة. وهو المؤهّل المتاح في المنظومة أكثر من سواه في اللحظة السياسية الراهنة للتواصل مع المجتمع الدولي للحصول على الدعم المالي قروضًا ومساعدات. لا هذا ولا ذاك، فـ"حزب الله" خصوصًا بات على يقين في عدم قدرته على الأتيان بحكومة يصنعها بنفسه ويستبعد منها كل الأطراف الأخرى الواسعة المعارضة لهيمنته على القرار السياسي في البلد خلا "التيّار الوطني الحرّ". حكومة حسّان دياب مثالًا. ولا عون يرغب حكومة كهذه تكشفه على معارضة قوية من أطراف كثيرين وتحرجه وتفقده المزيد من التأييد الشعبي خصوصًا في الشارع المسيحي. لكنّ السؤال، هل الحريري قادر على رئاسة حكومة تنجز ما لم تنجزه حكومات سابقة تولّى رئاستها؟

روزنامة بعد الانفجار
بعد الانفجار الهائل في مرفأ بيروت تغيرت روزنامة الأولويات. أولًا، لم تعد الإصلاحات المالية والاقتصادية وحدها في رأس مهمّات الحكومة المقبلة فحسب. إنفجار مرفأ بيروت وتبعاته الانسانية والاقتصادية، فرض عملية إعادة إعمار جديدة للبنى التحتية في العاصمة ومحيطها. وللمنازل المدمّرة ولأخرى تحتاج إلى ترميم عاجل. وكل البنى التحتية في لبنان تحتاج إلى ورشة إعمارية. ما كان يُقضى بالصيانة بات يحتاج إلى إعادة إعمار بعد أن توقفت الصيانة سنوات. يعني أنّ تعهدات مؤتمر سيدر لمشاريع البنى التحتية قبل انفجار المرفأ على أهميتها والحاجة الماسّة إليها، لم تعد تفي قاطرةً للانطلاق بعد الانفجار. ثانيًا، أنّ تبدلًا حصل في سيناريو النمو الذي رسمته خطة الحكومة المستقيلة. فالعاصمة وبيروت الكبرى هي المركز الاقتصادي والمالي وشريان الناتج المحلي. تكتمل مع محافظة جبل لبنان بنحو 70 في المئة من الناتج. لكن المحافظة باتت بعد دمار المرفأ ومحيطه مزنّرة بمعوقات تسدّ شرايين الأنشطة الاقتصادية وخطوط التواصل مع المركز. وبالتالي فخفض الدين إلى الناتج المحلي رحلة طويلة ومضنية. من المؤكد أن لا مجال لزيادة تعهدات سيدر. فقد دخلت في موازنات الدول المعنية بالمؤتمر وسلكت الممّار القانونية لديها. بيد أنّ تبعات انفجار المرفأ التي بقيت غوثية عاجلة، يمكن أن يتبعها مساعدات مالية للإعمار وقروض ميسّرة تتجاوز تعهدات سيدر، لو جاءت حكومة وباشرت في تنفيذ الإصلاحات بالأولوية، لنعود إلى نقطة البداية. صندوق النقد الدولي وشروطه. وقد تحولت واقعًا حاجة لبنانية وليس مطلبًا دوليًا بذاته. وقد فهمنا من مصادر معنية أنّ الصندوق قد يرفع من حجم برنامج قروضه تبعًا للحاجات التي طرأت بعد انفجار مرفأ بيروت، لو التزمنا شروط الإصلاحات وباشرنا في التنفيذ. خصوصًا وأنّ الصندوق على عِلم أيضًا بتراجع أكيد ولسنوات في إيرادات الموازنة، وبالتالي في العجز المالي بعد كارثة المرفأ ونتائجه الاقتصادية والمالية. ولبنان كان يشكو قبل الكارثة ركودًا توقعه صندوق النقد الدولي نحو 12 في المئة في 2020. وقد يرفع توقعاته إلى أعلى بعد مراجعة التقرير وتقدير الخسائر وحجم الناتج.

الحريري محشورٌ بسلامة
لم يصطدم صندوق النقد الدولي بتباين أرقام الخسائر المقدّرة بين مصرف لبنان وبين الحكومة المستقيلة فقط. بل واجه استعصاءً نحسبه مرتبطًا بتباين الأرقام. وهو حجم الفساد الذي يضرب البنية المالية في البلاد. وتناقض المصالح السياسية مع إجراءات الإصلاح. ينسحب ذلك على كل القطاعات الخِدمية لاسيما منها الكهرباء. لذلك تحوّل تعيين شركة للتدقيق الجنائي في مصرف لبنان مطلبًا أساسيًا يدعمه الصندوق وواشنطن وفرنسا والأمم المتحدة ودول مؤتمر سيدر. التدقيق ورد أكثر من خمس مرّات بلسان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في زيارته الأخيرة إلى بيروت. سعد الحريري حشر نفسه في الزاوية الضيّقة حين اعتبر التدقيق استهدافًا لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة. وكان له موقف متشدّد. أكثرية كبيرة من زعماء الكتل النيابية أعربت مباشرة ومداورة عن الموقف نفسه. ولجنة المال والموازنة ورهطٌ من النوّاب أيضًا والهيئات الاقتصادية. عدا "تكتل لبنان القوي" ورئيس الجمهورية لأسباب مزغولة بالسياسة. حتى إذا غدا التدقيق مطلوبًا بقوة من الخارج ومن صندوق النقد الدولي، تقرّر أن يشمل المؤسسات العامة المشتبهة ماليًا وإداريًا في مقدمها مؤسسة كهرباء لبنان. وهو مطلب رئيس للثورة والشعب اللبناني. الحريري متّهم بتضارب المصالح في ملفّ التدقيق الجنائي في مصرف لبنان. وبإفادته مصرفيًا من الهندسة المالية مع غيره كثيرين من أصحاب المال والنفوذ السياسي. فإذا كان الحريري بنى موقفه على شكوك سياسية بالحكومة السابقة، فعليه مراجعة حساباته في سيناريو حكومة برئاسته لو سلك طريقه. هامش المناورات ضيّق في هذا المجال، ويوصد الباب في وجه أي إصلاحات وكشف الفساد في المؤسسات العامة والمستقلّة الأخرى. ولن يوافق الصندوق ودول مؤتمر سيدر على الأمر. مع ذلك، تقديراتنا من زمان أنّ التدقيق الجنائي لن يصل إلى خواتيمه السعيدة، لا في مصرف لبنان ولا في غيره. وهو "بحجم المنظومة السياسية". البعض يملك معلومات على البعض الآخر. والكلّ على الكلّ. و"كلّن يعني كلّن"!

معلومات حملها أحد المصرفيين شبه الرسميين من واشنطن، أن الأخيرة لديها ملفّات تفصيلية عن حجم الفساد السياسي في لبنان تزدحم بأسماء من 8 آذار و14. وهي على بيّنة من الهندسة المالية وأفرعها والمستفيدين. ومن أصول سلامة والعائلة في لبنان والخارج. إستئخار الإدارة الأميركية العقوبات على سياسيين من ألوان مزركشة مسألة وقت وتكتيك وفقًا للائحة أفضليات سياسية على خلفية الصراع مع طهران ودور "حزب الله" في لبنان. يبقى سؤال محوري، لقد استقال الحريري استجابة لنبض الشارع على ما قال. نبض الشارع بات نقمة عارمة. و"حزب الله" على موقفه الذي يغلّب المشروع الايراني على أي اعتبار. وطهران عرضة لعقوبات نوعية جديدة بعد فشل مشروع واشنطن في مجلس الأمن تمديد قرار حظر استيراد السلاح على إيران. حكومة برئاسة الحريري بلا الحزب وجبران تبدو بعيدة المنال. وبهما الوضع على حاله. رحلة النفق طويلة وخطرة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها