الجمعة 2020/06/05

آخر تحديث: 00:01 (بيروت)

الإطار ليس لتنميط الثورة

الجمعة 2020/06/05
الإطار ليس لتنميط الثورة
تفرض استمرارية الثورة إطارًا تنظيميًا بالحد الأدنى لتطوير النضال (علي علّوش)
increase حجم الخط decrease

قبل أيام من عودة الثوار إلى ساحة الشهداء في 6 حزيران، اكتفى رئيس الحكومة حسّان دياب من دون أن ينسى "تأييد الثورة ومطالبها"، بتحذير الثوار من الفوضى والاعتداء على القوى الأمنية والأملاك إلى آخر المقولة. فعل ذلك وزير داخليته أيضًا. تحركت عقيرته بالتحذير من التجمعات أمام منازل المسؤولين وإقلاق راحة الذوات. نتوجه إلى رئيس الحكومة. هدّدتَ في نيسان الماضي بأنك تملك كل المعلومات عن المخربين والمعتدين على الأملاك العامة. وفي حوزتك لائحة بالأسماء وستكشف عنها. إفعل وحوّل اللائحة إلى القضاء.

مهانة الناس مسموحة وعلى القنوات التلفزيونية والإذاعات. "لا نريد مالًا. فقط نريد الدواء ودخول المستشفى. صاحب المأجور يهدد برمينا إلى الشارع. نريد فرصة عمل. دهمتنا النفايات على أبواب منازلنا".. آخرون، "لا نريد الاستعطاء. ونُقسم إننا لا نريد تغيير النظام.  نريد مالنا في المصارف. لمن نلجأ؟ مالنا أيضًا ملكية فردية بالعرق والدموع. الدستور يحفظها والقانون. إسمعوا صرخاتنا".

حين كان رئيس الحكومة ووزير الداخلية يطلقان التحذير تلو الآخر استباقًا لعودة الشعب للتعبير عن مواجعه وليطالب بإنقاذ الوطن، كان مشهد آخر مروّع في منطقة بعلبك. معارك حقيقية بدأت بالرصاص وانتهت بالقذائف. لم يسمع دياب ولا وزير الداخلية. في مكان آخر كان وزير الاقتصاد والتجارة، يقدم هدية لأصحاب الأفران الذين تحولوا كارتيلًا حقيقيًا. أفران ستة في لبنان تغطي نحو 65 في المئة من الاستهلاك. أصرّوا على زيادة الأسعار. رفض الوزير. ثم أذعن فخفّض من وزن الرغيف. بقي عند كلمته! وطحين الأفران مدعوم لرغيف الفقراء تحديدًا. وليس لبسكويت ماري أنطوانيت. والكعك والحلويات ومشتقات المنقوشة صعترًا وكشكًا وجبنةً!

الهزائم انتصارات!
في يوم الحكومة المئة، برّ رئيسها بوعده كي يحاسبه الناس قال. فعدّد "إنجازات حكومته معلقات بماء الذهب تكتب".. قال له الناس "أن اعطنا إنجازًا واحدًا كي نصفق له ولك. في يومك المئة انقلب كل شيء بائسًا. سعر الصرف. قيمة الأجور وأسعار الاستهلاك. قفل المصانع والمؤسسات. البطالة. معدلات الفقر استتباعًا. لا نحدثك عن الآفات المقيمة كهرباء ومياه ونفايات وبيئة. الباقي تعلمه تأكيدًا. لماذا وأنت  الأكاديمي الذي يستدّل بالعلم والوقائع إلى الحقيقة تحول الهزائم انتصارات. حتى إذا بان ملمح من ملامح سلطة دستور وديموقراطية، ولجأ مجلس الوزراء إلى التصويت ليسقط مشروع معمل سلعاتا الكهربائي، سُحب القرار من جديد. فرئيس الجمهورية ميشال عون حريص على استخدام صلاحياته الدستورية.. أنت رئيس الحكومة خذلت كل الوزراء الذين قالوا لا للمشروع، ولم تلجأ إلى صلاحياتك الدستورية. وعدت إلى ممارسات حكومات سابقة لا تنفكّ عن تحميلها وزر التركة. وكان التصويت فيها ممنوعًا بمقتضيات الوفاق الزبائني. أمّا المفاوضات مع صندوق النقد الدولي فتستأهل تنكيس الأعلام. دولتان تفاوضان. دولة لبنان ودولة حاكم مصرف لبنان. لا نقول مصرف لبنان بذاته، لأن هيكله المؤسسي بنواب الحاكم ولجنة الرقابة على المصارف خواءٌ وشاغر. وضيوف الصندوق الدولي في صدر المنزل يسخرون منّا ويهزؤون. وأمّا المعابر غير الشرعية فنجزم أن عمرها أطول من عمر هذه الحكومة وأبقى. مثل الفساد والأموال المنهوبة وقانون استقلال القضاء ولائحة طويلة من المحظورات على دولة تبحث عن كيانها حرة وعادلة وإنسانية وقوية".

للثوار نقول، إنها المرحلة الثانية من حَراك الثورة بعد 17 تشرين الأول 2019. بل والثالثة واقعًا لو اعتبرنا حراك صيف 2015 لاسيما السبت الشهير في 15 آب. نقتبس من التاريخ وعلم الاجتماع والثورات، أن نادرًا ما أُعدّ للثورات مسبقًا تخطيطًا وقيادة. الشعب كان يثور من خارج نمطية الثورة ومدلولاتها وأطارها المفهومي التقليدي. ثم تفرز قادتها بذاتها ومن الساحات. الثورتان الفرنسية والأميركية في القرن الثامن عشر. والثورة الروسية في القرن العشرين. التراكم الثوري كان يصنع النصر. لينين يصف ثورة 1905 أم الثورة البلشفية في 1917. أهم أدبيات الثورة وكتاباته جاءت بعد 1905. كريس برنتين الذي تناول في كتابه "تشريح الثورة" الثورات الفرنسية والإنجليزية والروسية دحض نظرية الإعداد النمطي للثورات. ومثله فعل إريك هوبسباوم في كتاب "عصر الثورة" الذي عرض فيه للثورات الأوروبية 1789 حتى 1848. وركّز على مفهوم التراكم في الثورة. واعتبر أن الثورة الفرنسية وليدة عقود عشرة من النضال.

الإطار والرؤية
سواءٌ هي المرحلة الثانية من الثورة أو الثالثة، تفرض التطورات واستمرارية الثورة إطارًا تنظيميًا بالحد الأدنى لتطوير النضال الذي راكمته الثورة للحؤول دون انهيار الدولة أولًا وقد بات خطرًا محتملًا. ولإعادة بناء تكفل الخروج من الأزمات إلى الدولة الحرة العادلة والقوية. ولا يكون ذلك من دون رؤية اقتصادية واجتماعية وسياسية. وقيادة تتواصل مع الناس وناس الثورة لا أن يقتصر التواصل على الميدان وفي مواعيد متباعدة. فيكون للثورة رأي في السياسات والمشكلات المباشرة التي يواجهها الشعب. ومواقف من البطالة، والسياسة المالية والسياسة النقدية والاقتصادية والقضاء المستقل. وإعادة بناء القطاع المصرفي، والبناء للمستقبل سياقًا وليس الخروج من الأزمة فحسب. أمّا أن تترك المواقف والشعارت لساحات التظاهر فقط، وظروفها ليست متوفرة على الدوام، فليس منطقيًا.

هناك مساحة شاسعة في الثورة لاستيعاب كل شرائح المجتمع اللبناني خصوصًا بعد أن انحدرت الطبقة المتوسطة إلى صفوف العوز والبطالة ومهددة بالفقر. وفيها الطلبة والأساتذة والنساء وعنصر الشباب والمثقفون. هناك تربصّ بالناس في الشوارع. ومحاولات لكسر صوت الناس وتصادر الصوت بعد أن صادرت الرغيف وعزّ الدواء والاستشفاء. ليس الوقت لأدلجة المطالب. الإطار التنظيمي لأوسع شرائح الثورة. انتهت المرحلة التي حشدت كل القوى الرافضة للواقع والسلطة الأوليغارشية.

لقد كان كسر حاجز الطائفة والمذهب والمنطقة مرّة أولى في تاريخ لبنان أهم انجازات الثورة. وأهم تراكم للبناء عليه قصرت مسافة التغيير أم دنت. هذا الذي أرعب النظام الزبائني وحرّك رعاعه للتصدي للناس والشرفاء، خلافًا لما يدّعي تأييده المطالب إفكًا ومراوغة. نستشعر مواقف تصعيدية من السلطة ضد الثورة. ومع يقيننا بانعدام طريق التغيير بعيدًا من التغيير السياسي الديموقراطي، فهذا الشأن قد يكون خلافيًا داخل الثورة، وسيكون مكان عبث السلطة في المرحلة المقبلة لشق الصفوف وبعثرة الثوار. بيد أن البناء المؤسسي على المشترك الكثير يبقى هو الأساس ليحدث الفرق. ولا يحول دون ذلك تعدد الرؤى والأفكار.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها