الإثنين 2020/06/01

آخر تحديث: 00:03 (بيروت)

دياب.. مسلسل التراجع والإنكسار

الإثنين 2020/06/01
دياب.. مسلسل التراجع والإنكسار
لقد انكسر دياب وحكومته أيّما انكسار في معركته مع رياض سلامة (عباس سلمان)
increase حجم الخط decrease

كان لحسّان دياب ليكون بطلًا لو أطلّ على اللبنانيين في يومه المئة رئيسًا للحكومة، وأعلن فشله في تحقيق ما وعد به قبل شهور ثلاثة. وكان أمامه واحد من خيارين. إمّا الاستقالة، وإمّا طلب فترة سماح جديدة "لأن تركة الحكومات السابقة ثقيلة جدًا. وسنبقى نتابع مهمتنا بتصميم وجِدّ وشفافية". أمّا وقد فاجأنا بتعداد ما وصفه "إنجازات الحكومة" في أيامه المئة الأولى في السراي، فلنا أن نتوجس على العباد والبلاد ممّا هو آت. ولولا الحق المشروع بالدفاع عن النفس ونزوع البقاء، لفشلنا في مواجهة وباء كورونا أيضًا. وقد أبلت الحكومة ووزارة الصحة حسنًا في تلك المواجهة، مدعومة بجهاز طبي واستشفائي مقدام ومتفان، سيحفظ له المواطن كل تقدير واحترام.

مسلسل التراجع
لقد انكسر دياب وحكومته أيّما انكسار في معركة كانت محكًّا للحكومة ولرئيسها بالذات، حين قال كلامه الاتهامي الخطير بحاكم مصرف لبنان رياض سلامة. بعد الكلام كان واحد يجب أن يداوم في مكتبه. دياب ليحدد موعدًا جلسة  لمجلس الوزراء يقيل فيها حاكم مصرف لبنان ويقرر تعيين بديله مع نواب الحاكم ولجنة الرقابة على المصارف. أو يستقيل دياب ويستمر سلامة وكأن شيئًا لم يكن. لسنا مضطرين إلى القول، أن كان على سلامة نفسه الاستقالة أو طلب توضيح واعتذار من دياب. هكذا يحصل في بلاد المؤسسات والرجال وسلطة الدساتير والقوانين. إذ كيف يمكن أن يتقبّل حارس بيت النقد اتهامات بهذا الحجم من رأس السلطة الإجرائية في البلاد؟ لننس! المطلوب من حكومة لبنان سلسلة من التراجعات بعد أن انكسر رئيسها. وقد بدأت للتو. تقدير الخسائر المالية في المفاوضات مع صندوق النقد الدولي. قرار مجلس الوزراء وخطة الكهرباء وسلعاتا. مسار فضيحة الفيول أويل وسوناتراك. والتهريب عبر المعابر غير الشرعية. وليس على وجه الحصر.

المفاوضات مع صندوق النقد الدولي وصفناها سخرية في بدايتها نتيجة التباين في أرقام الخسائر بين خطة حكومة لبنان وبين ورقة مصرف لبنان بنحو 102 ألف مليار ليرة لبنانية. التباين مستمر والمهزلة كذلك. بعد ورقة المصارف تغيّر مسار الأرقام والتوجه في اتجاه مغاير للحكومة. القضية ليست مجرد خطأ في الحسبة. بل في المقاربة لتبنى عليها حلول مختلفة تمامًا ومخالفة للدستور. بما في ذلك من لا يملك حسابات مصرفية. المواجهة الآن بين حاكم مصرف لبنان والمصارف ومجلس النواب ولجنة المال والموازنة و"بعض الحكومة من الباطن" من جهة، وبين الحكومة نفسها. خطة الحكومة ترى تحميل الخسائر للمصارف ومصرف لبنان وتصفيتها دفعة واحدة. وتشطب نحو 20 مليار دولار أميركي رساميل المصارف. المصارف ترى أن سبيل ذلك سيلحق بالمودعين. وتقترح الصندوق الحكومي من حيازات الدولة ليصدر أوراقًا مالية بنحو 40 مليار دولار أميركي يحملها مصرف لبنان في مقابل التسوية النهائية لدين الحكومة لمصلحة المصرف. ويتنازل الأخير للصندوق عن محفظة اليوروبوند وسندات الخزانة اللبنانية. وتُشطب ديون الحكومة في مقابل الكيانات العامة وأصول الدولة. وتُحوّل إيرادات الصندوق إلى الخزانة بعد سداد الصندوق الفوائد المتوجّبة لمصرف لبنان.

فلسفة المصارف أن الدولة هي المدين وعليها السداد. وتملك حيازات وكيانات تجارية وأملاكاً تعتبرها ضمانة على ديونها. لكن الأملاك العمومية هي ملك لكل اللبنانيين. بما في ذلك من لا يملك حسابات مصرفية سيشترك في تعويض من يملك الودائع. وإلّا اقتطاع من الودائع وHaircut تعارضه المصارف. الأمر الثاني، أن المودعين لهم حقوق في الملكية العامة وسيعوضون بجزء ممّا يمتلكون! نعم الدولة هي المدين. وعلى المدين الوفاء بالدين بالقانون والأعراف والاجتهادات. الدائن وهي المصارف ليس لها أن تختار المدين بملء إرادتها فحسب. بل وفرض ضمانات على التسليفات وحمل مؤونات على المشكوك في تحصيله منها. شأنها وليس شأن المودع إنها لم تطلب ضمانات على ديون الدولة. هنا المشكلة الأساس ومسؤولية المصارف، خصوصًا متى كانت المصارف تتربّح من الفوائد المرتفعة المصحوبة بمخاطر عدم السداد نتيجة فساد السلطة. وكانت المصارف مدركة الواقع. ليس عذرها إنها كانت تحضّ على الإصلاح بينما استمرّت في توفير الدين للخزانة.

لكن القواعد هي نفسها في العلاقة بين المصارف وبين المودعين. مع فارق مهم. فالمودع هو الدائن في هذه الحال والمصارف هي المدينة. فكما للمصارف الدائنة حقٌ على مدينيها الوفاء بالدين عند استحقاقه أصلًا وفائدة بعملة الدين، فللمودعين بصفتهم دائنين الحق نفسه على المصارف المدينة استرداد ديونهم حين استحقاق ودائعهم أصلًا وفائدة وبعملة الدين. والمودع لا يتحمل أي نوع من المخاطر في هذا المجال. وهو ليس في وضع المتعامل مع مصارف استثمارية على مشاريع واستثمارات مشتركة في مقابل أرباح ليتحمًل جزءًا من المخاطر.

مصرف لبنان يصرّ على مقاربته الخاصة لديونه التي تختلف عن ديون المصارف. خصوصًا لناحية ترحيل خسائر قد تصل إلى سنوات خمس. وكما فهمنا يخوض سلامة جدلًا كبيرًا مع مفاوضي الصندوق على هذا الجانب. وقد اضطر الى الإفصاح عن أرقامه ( كليًا أو جزئيًا؟)  التي بقيت خبيئة وسرًا من أسرار دولة مصرف لبنان عن دولة لبنان 25 سنة! لكن يبدو كما عُلم، أن سلامة عازم على إدخال فروقات سعر الذهب في ميزانيته بدلًا من تحويلها الى الخزانة. وتلك الفروقات ناجمة عن الفرق الكبير بين أسعار الذهب بقيمته السوقية وسعر شرائه البخس منذ عقود وعلى دفعات. وتعتبر تلك الأرباح دفترية طالما لا مسّ بموجودات الذهب نفسها بقانون صدر في 1986. علمًا أن للوزارة بموجب قانون النقد والتسليف 80 في المئة من أرباح مصرف لبنان الحقيقية. ظني أن تكتل سلامة والمصارف وقوى سياسية ونيابية سينتصر على الحكومة بعد تراجعاتها. إلّا إذا انتصر صندوق النقد لخطتها. وهي قطعًا تحتاج الى تعديل.

"تيار التيار"
عودة مجلس الوزراء خلال أيام ليتبنى بناء معمل سلعاتا للكهرباء إلى جانب معملي الزهراني ودير عمار بلا أي دراسة جدوى، لمجرّد أن رئيس الجمهورية ميشال عون استجاب لرغبة النائب جبران باسيل، ضربة معنوية كبيرة للحكومة لن يتلقفها الصندوق إشارة إصلاح. وستضاف إلى الخلافات بين الحكومة وبين مصرف لبنان والمصارف. الوضع نفسه في التهريب عبر المعابر غير الشرعية والشرعية أيضًا. هل يعقل أن يتقدم تجديد العقد مع سوناتراك ويتراجع التحقيق في فضيحة الفيول أويل؟ ونشك في أن مسلسلها المستمرّ سنوات قد توقف حتى اللحظة. دياب يكفي اختبارات.. البلد ينهار.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها