الثلاثاء 2020/05/05

آخر تحديث: 19:07 (بيروت)

فضائح النفط لا تنتهي: شركات الاستيراد تمارس سرقة علنية

الثلاثاء 2020/05/05
فضائح النفط لا تنتهي: شركات الاستيراد تمارس سرقة علنية
عشر شركات متهمة باختلاس المال العام (عباس سلمان)
increase حجم الخط decrease

عادت أزمة المحروقات تطل برأسها من جديد. لكن هذه المرة من أكثر من باب. الأول باب القضاء، بعدما ادعى النائب العام المالي القاضي علي إبراهيم على شركات النفط العشر، متهماً إياها بجرائم اختلاس أموال عامة والإثراء غير المشروع. أما الباب الثاني فيرتبط بمفاعيل تثبيت سعر صفيحة البنزين، وإمعان الشركات المستوردة في "السلبطة" على القطاع وتحقيق أرباح من محطات المحروقات من دون وجه حق.

منذ سنوات طويلة
في القضية الأولى ادعى القاضي ابراهيم على الشركات الـ10 (وهي: شركة توتال لبنان، شركة ميدترانيان بتروليوم كومباني، شركة كورال أويل كومباني، شركة وردية، شركة ليكوي غاز، شركة uniterminals، شركة عيسى للبترول، الشركة العالمية لتوزيع وتخزين مشتقات البترول، الشركة العربية للنفط، شركة ميدكو) وأحال الملفات إلى قاضي التحقيق الأول بالإنابة في بيروت، شربل بو سمرا، بتهمة اختلاس المال العام عن طريق استيفائها رسوماً جمركية كانت قد أعفيت منها، إضافة إلى مخالفة قانون الإثراء غير المشروع.

ولمن لا يعلم، فإن الشركات المستوردة للنفط تخالف القوانين وتختلس أموال المستهلكين منذ سنوات طويلة، بعلم من الدولة وأمام أعينها وحمايتها. فالشركات استوفت على مدار حكومات رسماً جمركياً "زوراً"، كجزء من ثمن البضاعة التي تستوردها، علماً أن المشتقات النفطية تخضع لاتفاقية Euro1، أي اتفاقيّة الشراكة مع الاتحاد الأوروبي التي وقّع عليها لبنان عام 2002. وتم إعفاء الدولة اللبنانية تدريجياً من الرسوم الجمركية على البضائع المستوردة من الإتحاد الأوروبي، ومنها المشتقات النفطية، وإعفاءً كلياً منذ العام 2013. ومنذ ذلك الحين يُدرج الرسم الجمركي (المعفى منه) على جدول تركيب الأسعار الأسبوعي، وبدلاً من شطبه وحسمه من ثمن صفيحة البنزين، استمرت الشركات باستيفائه كجزء من ثمن الصفيحة.

سرقة علنية
لا يمكن أن تكون قد مرّت حكومة على لبنان منذ عام 2002 وحتى العام 2013 ولم يعلم وزير طاقتها بآلية اختلاس الشركات المستوردة للنفط المال العام، وجنيها ملايين الدولارات. حتى أن إحدى حكومات "العهد" فتحت الملف، ولم تصل إلى خواتيمه، حين أجرى وزير  الدولة لمكافحة الفساد السابق، نقولا التويني، دراسة عن موضوع استفادة شركات استيراد النفط، من هامش أرباح إضافيّة تتخطّى الـ5 في المئة من تعرفة الرسم الجمركي، المُعفاة منه أساساً، بموجب اتفاقيّة الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، وسلّم التويني آنذاك الدراسة إلى وزير المال السابق على حسن خليل ورئيس الجمهورية ميشال عون.

حينها، أي عام 2017، أحيل الملف إلى القضاء، يقول التويني في حديثه إلى "المدن"، وانتهى بقرارين متناقضين. الأول، لهيئة القضايا في وزارة العدل، التي رأت بعدم مخالفة الشركات. في حين أدان ديوان المحاسبة الشركات واعتبر استيفائها تلك الرسوم أمراً غير محق.

إذاً، عجزت الحكومة عن الوقوف في وجه أطماع الشركات، وإلزامها إعادة ما استوفت من أموال "زوراً"، فتوصلت إلى حل باستيفاء الدولة اللبنانية رسم الـ5 في المئة من الشركات بدلاً منها. بمعنى أن الرسم بقي واقعاً على سعر صفيحة البنزين. لكنه انتقل من جيب الشركات إلى جيب الدولة. وفي الحالتين من دون وجه حق. فالمواطن يسدد 5 في المئة من سعر صفيحة البنزين للدولة بدل رسم جمركي معفى منه!

وإذ يرى التويني أن على الدولة اليوم تحصيل ملايين الدولارات من الشركات المستوردة للنفط، بدلاً مما جنته على مدى سنوات، يؤكد أنه سبق أن تفاوض مع الشركات على إعادة الأموال التي تقاضتها من جيوب المستهلكين من دون وجه حق، وتقدّر بنحو 38 مليون دولار. ورفضت حينها الشركات التفاهم على الأمر.

ووفق دراسة تفصيلية قام بها التويني، فالشركات تقاضت من الرسم المذكور أكثر من 18 مليون دولار عن أربع سنوات فقط، من العام 2013 وحتى العام 2016 (مرفق الجدول) أما إجمالي ما حصلته الشركات فيقارب 38 مليون دولار، وعليها إعادتها إلى الدولة، علماً ان الشركات تعتبر نفسها محقة في تقاضي ذلك الرسم باعتباره جزءاً من أرباحها!!



..واستقواء
القضية الثانية التي تستلزم تصدي الدولة لكارتيل الشركات المستوردة للنفط، هي أن الأخيرة تستوفي من محطات المحروقات بالدولار ما تقوم هي بسداده بالليرة اللبنانية. كما أنها تقوم بابتزاز القطاع، لاسيما محطات المحروقات والمواطنين بشكل مافياوي. ووفق مصدر متابع للملف، فالشركات لطالما أكدت لأصحاب المحطات أن من لا تعجبه آلية العمل فليتوقف عن شراء المحروقات. فما هي تلك الآلية؟

منذ بداية أزمة الدولار يعمد مصرف لبنان إلى تأمين 85 في المئة من الدولار، وفق سعر صرف 1515 ليرة للشركات المستوردة للنفط، على أن تؤمن بنفسها الفارق أي الـ15 في المئة من الدولارات من الصرافين. وما يحصل هو أن الشركات تُلزم أصحاب المحطات بتأمين الدولارات لتغطية 15 في المئة من ثمن البضاعة. لكن عملية "السرقة" تكمن - وفق نقيب أصحاب المحطات جورج البراكس في حديثه إلى "المدن" - في كون الشركات تقوم بفرض الـ15 في المئة بالدولار على المحطات، ليس بدل ثمن البضاعة وحسب، إنما أيضاً بدل مجموع ما تتكلّفه، أي ثمن البضاعة والرسوم المالية والجمركية والضريبة على القيمة المضافة TVA التي تسدّدها للدولة بالليرة اللبنانية.


ما تقوم به الشركات من خلال عملية استيفاء 15 في المئة بالدولار وفق سعر صرف 4000 ليرة، بدلاً عن رسوم تقوم بسدادها بالليرة اللبنانية، لا يمكن وصفه سوى بالسرقة، يقول البراكس في حديثه إلى "المدن". أضف إلى أن الرسوم الجمركية ارتفعت بشكل كبير مؤخراً مع انخفاض سعر برميل النفط عالمياً. ونظراً لتثبيت سعر البنزين محلياً، بات فارق السعر يُضاف حكماً إلى حصة الدولة من الرسوم، وهي ما تُلزمنا الشركات بتأمين 15 في المئة منه بالدولار.

ويؤكد البراكس اللجوء إلى التصعيد، ومنها الإضراب، ما لم تتمكن الحكومة من الوقوف في وجه سرقة واحتيال الشركات "المحمية من نافذين في الوزارات والمؤسسات الدولة".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها