الإثنين 2020/03/09

آخر تحديث: 00:13 (بيروت)

عُراةً ذاهبون إلى التفاوض

الإثنين 2020/03/09
عُراةً ذاهبون إلى التفاوض
ذاهبون إلى المفاوضات مع الدائنين الخارجيين فاقدي الحيلة (عباس سلمان)
increase حجم الخط decrease

يدخل لبنان اليوم نادي الدول المتوقفة عن الدفع مرّة أولى في تاريخه. الإعسار المالي الحرون كشفنا على أزمة عميقة وصفها رئيس الحكومة حسّان دياب ثلاثية متلازمة. أزمة عملة ومصارف وديون سيادية. ليعلن تعليق سداد لبنان التزامته للدائنين الدوليين والذهاب إلى مفاوضات على إعادة هيكلة الدين. بقية ما تلاه دياب في بيانه المعدّ سلفًا، كلام في صيغة المضارع والمستقبل. "سوف وسنعمل". ولنا في ما أدلى به دلاءٌ.

هيكلة النظام و"رسكلته"!
أولًا: أزمتنا سياسية في الأساس والجذر. الأزمات الثلاث مجتمعة نتيجة وليست أسبابًا في ذاتها. النظام السياسي أفلس قبل إعلان الإعسار و"إفلاس الدولة المالي". إذا كانت إعادة هيكلة الدين السيادي ستدفع عنا بلاء الانهيار الشامل، رغم تكلفتها لو تلازمت مع إصلاحات داخلية، فالنظام السياسي الراهن ليس قابلًا لإعادة الهيكلة في وجه من الوجوه. يصرّ على إعادة "رسكلة" نفسه من جديد من دون استعداد للتخلّي عن امتيازات مالية ونفعية وإدارية سلبها من الدولة وعطّل مؤسساتها واستباحها. وهذه الامتيازات علّة وجود النظام السياسي. تبارى سدنة النظام "ندفع ولا ندفع"، و"نقبل ولا نقبل"، لتسسجيل الأهداف خارج المرمى. لقد سقط من بيان رئيس الحكومة أو أُسقط، كلمة واحدة عن هذا الجانب الهيكلي في محنتنا وليس أزمتنا فحسب. لا نقول ذلك للأدلجة الدوغمائية. ببساطة، لا نزال قادرين حتى الساعة على إحداث انقلاب جذري في الأزمات الثلاث، لو أعلن رئيس الحكومة وأبلغ حلفاءه في "حزب الله" ورئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب، أن مجلس الوزراء قرّر فورًا تطبيق القانون باستعادة نحو 5 مليارات دولار أميركي فاقد ضريبة الدخل (وغيرها من التكليف الضريبي) من المستقوين على الدولة. وإنجاز قانون الضريبة التصاعدية على الدخل والنظام الضريبي الموحدّ. ووقف التهريب الجمركي على المعابر الحدودية مع سوريا لمصلحة حلفائه على الجانبين اللبناني والسوري. والفساد الجمركي عبر المنافذ الشرعية. ويقدّر الفاقد الجمركي أكثر من مليار دولار أميركي سنويًا. وتغريم المستولين على الأملاك البحرية والبرّية ومستثمريها عنوة من حلفائه وبعضهم داخل الحكومة، ومن خصومه السياسيين، وتغريمهم ضريبة مقطوعة لن تكون عادلة وفق كل التقديرات بأقل من ملياري دولار أميركي. الكهرباء فورًا بالمعامل لا على أشرعة البواخر. وكسر احتكارات كارتيل الفيول أويل والمازوت. والشروع على الفور بتطبيق القانون 462 المتعلق بمؤسسة كهرباء لبنان وتأليف مجلس إدارة وهيئة ناظمة. هذه إجراءات قابلة للتنفيذ. الباقي من مسارب المليارات وفاقد الخزانة يأتي لاحقّا في مسار طويل لوضع حدٍّ للفساد. عنده تبًا لصندوق النقد الدولي، وللمصرف الدولي ولأعوانهما في لبنان والخارج! ألم نعلن إعسار الجمهورية اللبنانية لمجرد عجزنا عن سداد نحو 4,5 مليارات دولار أميركي في 2020؟

ثانيًا: سقط من الأزمات الثلاثية أم الأزمات (بعد النظام السياسي والفساد والكهرباء) وهو الركود الاقتصادي المخيف الذي ينتظرنا في 2020. كنا توقعنا أن يأتي إعلان تعليق دفع السندات السيادية ضمن رؤية مالية - اقتصادية شاملة القطاعات المصرفية والمالية والنقدية. وخطة للتنفيذ. وكان ذلك ليسهّل المفاوضات على إعادة هيكلة الدين. منذ شهور نكتب عن النمو الاقتصادي شأنًا معياريًا لمؤشرات المال والدين والموازنة. ولخفض مستوى الفقر والبطالة المقلق على الأمن الوطني. لم يصبر شعب على سلطة جائرة كما صبر الشعب اللبناني وغفر. لم تعد ثورته التي تأخرت عقودًا لتحقيق مطالب معيشية واجتماعية فحسب. هي الآن لاستعادة الدولة ومؤسساتها. والدستور وحكم القانون العادل، وكرامة الوطن وسيادته. لا يوجد ملمحٌ غير الثورة في أيامنا السود. تصنيفنا السيادي في مندرجات C 10 درجات تحت مستوى الاستثمار. بعد إعلان "تعليق الدفع" رحنا على أقدامنا إلى درجة التوقف عن الدفع. مع أزمة ثقة مفقودة عميمة، علينا انتظار سنوات لتحسين مؤشرات الاستثمار والنمو. وفي مرحلة انتشار فيروس كورونا قد تتوقف محركات الاقتصاد عن العمل في كل القطاعات.

الدائنون مجهولون
ثالثًا: ذاهبون إلى المفاوضات مع الدائنين الخارجيين عراة فاقدي الحيلة. ولا دولة من الدول الخمسين التي تخلّفت عن السداد وقبل الدائنون بمفاوضتها تشبهنا. الدائنون ليسوا تجّار مال فقط. الصناديق الاستثمارية لها استراتيجياتها الجيوسياسية. هكذا الحال مع صندوق أشمور وفيدليتي اللذين يحملان جزءًا من أوراق الدين السيادية اللبنانية. خصوصًا أشمور. أوراق اليوروبوندز ليست إسمية إلّا للصندوق الاستثماري. وهي مجهولة الإسم تجاه لبنان. وكذلك جنسيات حامليها و"أجنداتهم". في ظروف وهن لبنان ودولته وأزماته، والموقف السياسي من الحكومة، لا يمكن التكهن بموقف حاملي الأوراق اللبنانية من المفاوضات وشروطها ولا موقف أشمور. خصوصًا بعد أن ملك الأخير حق النقض بحيازته فوق 25 في المئة من سندات اليورويوندز ابتاعها من مصارف لبنانية وسيتجاسر علينا بها في المفاوضات وشروطها، من دون أي دعم مالي وسياسي عربي ودولي لإحداث اختراق في جدار الأزمة. الأرجنتين علّقت السداد من 2001 حتى 2005. وعادت إلى المفاوضات. لكنها وهي الثانية في أميركا اللاتينية اقتصادًا وأهمية سياسية بعد البرازيل، تلقت دعمًا سياسيًا من مجموعة دول "ميركوسور" التي تضمها مع البرازيل وأورغواي والبارغواي. وحققت نموًا مطردًا بواقع 7 – 9 في المئة بين 2003 و2009. وفيها نظام سياسي يعمل بالدستور ولا تتهاون قوانينها واجراءاتها مع الفساد السياسي. حين قبلت المفاوضات كان معدل النمو لديها كافيًا لسداد الفوائد واستمرارها في أسواق الدين الدولية. وكان نظامها المصرفي يعمل ومؤشراتها الاقتصادية أفضل بكثير ممّا هي عليه في لبنان.

كان ضروريًا أن يتضمن بيان رئيس الحكومة إفصاحًا شفّافًا عن حقيقة الوضع المالي والنقدي في لبنان. هذا حقٌ للبنانيين في محنتهم. ورئيس الحكومة آتٍ من مؤسسة أكاديمية مرموقة. فهو الذي سيتحمّل نتائج الإجراءات الموجعة. هذا الغموض لا يدعم موقف لبنان في مفاوضات الدائنين. خصوصًا أن إعادة الهيكلة ستنتقص من قيمة الدين وفوائده في أي شكل أتت عليه. ولم يُشر بيان رئيس الحكومة إلى الموقف من اعادة الهيكلة الداخلية لدين المصارف ومصرف لبنان. وإعادة هيكلة الجانبين معًا. وعلى هذه القضية يتوقف مسار الأزمات الثلاث التي أشار إليها دياب. ويرسم ملامح سعر صرف الليرة التي تتبخّر قيمتها قبل أن تخرج من جيوب الناس. ويتوقف إعادة تحريك الاقتصاد، خزين إيرادات الدولة وفرص العمل. في مفاوضات الأرجنتين اشترطت الصناديق الاستثمارية الدائنة اقتطاع نسبة من الناتج المحلي الأرجنتيني لسداد الفوائد على الديون المهيكلة. ونجحت. نحن بعيدون من ذلك. ومضطرون لمزيد الدين بالفوائد الهائلة بعد إعلان الإعسار.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها