الخميس 2020/03/05

آخر تحديث: 18:20 (بيروت)

قرار "الحجر" على أصول المصارف: مناورة أم مسار قضائي؟

الخميس 2020/03/05
قرار "الحجر" على أصول المصارف: مناورة أم مسار قضائي؟
القرار احتوى على العديد من النقاط الإشكاليّة (علي علّوش)
increase حجم الخط decrease

أصدر المدعي العام المالي، القاضي علي إبراهيم، قراراً بوضع إشارة "منع تصرّف" على أصول 20 مصرفاً لبنانيّاً، وهو ما يمثّل القرار الأوّل في تاريخ القطاع المصرفي في لبنان، الذي يطال وبشكل جماعي أصول عدد كبير من المصرف دفعة واحدة. مع العلم أن لائحة المصارف التي طالها هذا القرار شملت أكبر مصارف القطاع، والتي تمثّل عمليّاً الغالبيّة الساحقة من موجوداته ورأس ماله. وهي: بنك عودة، بنك لبنان والمهجر، فرنسبنك، بنك بيبلوس، بنك سوسيتيه جنرال، بنك بيروت، بنك البحر المتوسط، بنك اللبناني الفرنسي، بنك الاعتماد اللبناني، بنك انتركونتينانتال، بنك فيرست ناشونال بنك، بنك لبنان والخليج، بنك بيروت والبلاد العربية، بنك الشرق الاوسط وافريقيا، بنك سيدروس، بنك فدرال لبنان، الشركة الجديدة لبنك سوريا ولبنان، بنك الموارد، بنك اللبناني السويسري، بنك مصر لبنان، بنك سرادار. 

رؤساء مجالس الإدارات أيضاً
قرار إبراهيم شمل في الوقت نفسه أملاك رؤساء مجالس إدارة هذه المصارف، الذين يقومون وفقاً لقانون "التجارة البريّة" اللبناني بوظيفة المدير العام في مصارفهم. مع العلم أنّه وفقاً لهذا القانون يمكن لهؤلاء تعيين مدراء عامين سواهم، لكنّ هؤلاء المدراء يقومون بهذه الوظيفة لحساب رئيس مجلس الإدارة وعلى مسؤوليّته. وبهذا المعنى، يمكن القول أن إبراهيم استند إلى هذه الصيغة القانونيّة لضم رؤساء مجالس الإدارة إلى قرار منع التصرّف، من باب تحميلهم مسؤوليّة القرارات التي يقوم إبراهيم بالتحقيق فيها. مع العلم أنّه وبخلاف ما ذكرت العديد من وسائل الإعلام، لم يطل القرار أعضاء مجالس الإدارة في المصارف التي شملها القرار.

ماذا يعني "عدم التصرّف"؟
ومن الناحية القانونيّة، من المفترض أن يعني وضع إشارات منع التصرّف على أصول المصارف وأملاك رؤساء مجالس إدارتها، "الحجر" على هذه الأصول. بمعنى منع بيعها أو وهبها أو رهنها لأطراف أخرى، أو حتّى إجراء أي معاملة أو عقد في الوقت الراهن يمكن أن يؤثّر مستقبلاً على هويّة أصحاب الحق فيها. ومن الواضح أنّ إبراهيم أراد ضمان الامتثال لقراره، فضمّن القرار أمراً بإبلاغ الدوائر المؤسسات الحكوميّة ذات العلاقة، لوضع إشارات معيّنة أو قيود تضمن عدم إجراء هذا النوع من المعاملات في الدوائر الرسميّة. مع الإشارة إلى أن المصارف المعنيّة سيكون عليها الإلتزام بالقرار، حتّى في ما يخص العقود التي يمكن أن تلتف على هذه القيود، مثل إجراء عقود بيع غير مسجّلة في الدوائر الرسميّة. وإلا ستُعتبر هذه العقود مخالفة قانونيّة.

إشكاليّات في القرار
قرار إبراهيم يشمل الأصول تحديداً، أي ممتلكات المصارف التي ترد ضمن موجودات ميزانيّتها. وبالتالي، فالقرار لن يؤثّر على وضعيّة الودائع التي تُعد إلتزامات على المصارف. وما سيشمله القرار عمليّاً سيكون بشكل أساسي الموجودات العقاريّة والمركبات وأسهم المصارف في الشركات الإستثماريّة، وغيرها من الأصول التي ترد في ميزانيّات المصارف. كما سيشمل القرار بالنسبة إلى رؤساء مجالس الإدارة نوع الأصول نفسه، مع إضافة أسهمهم في المصارف نفسها، التي تُعد من الناحية القانونيّة أصولاً مملوكة من قبلهم. بمعنى آخر، لن يكون بإمكان رؤساء مجالس الإدارة بيع حصصهم أو جزء من حصصهم في المصارف نفسها.

لكنّ القرار احتوى على العديد من النقاط الإشكاليّة، التي سيكون على المصارف والقضاء التعامل معها في المرحلة المقبلة. فقرار وضع إشارات منع التصرّف على ممتلكات المصارف الموجودة على شكل عقارات ومركبات واضح، من ناحية طريقة التنفيذ، خصوصاً أن قرار إبراهيم طلب إبلاغ أمانة السجل العقاري ودائرة إدارة السير والآليّات لوضع هذه الإشارات في سجلّتها. وبطبيعة الحال سيشمل القرار العقارات والمركبات التي تستعملها المصارف في عمليّاتها، كعقارات الفروع المملوكة منها مثلاً. لكنّ من غير الواضح كيفيّة تعاطي القرار مع العقارات أو الضمانات الأخرى التي استحوذت عليها المصارف من المقترضين المتعثّرين، بهدف بيعها وسداد قروضهم غير المدفوعة. مع العلم أن إجراءات التصرّف بهذه الضمانات تحكمها قوانين ومراسيم تنظيميّة خاصّة، تحدد قيمة معيّنة من المؤونات التي يجب أن تحتفظ بها المصارف، لحين بيع هذه الضمانات. كما تحدد هذه النصوص أطر زمنيّة محدّدة لهذا النوع من العمليّات.

مسار قضائي أم مناورة؟
في العادة، يكون هذا النوع من القرارات بطبيعته مؤقّتاً، بمعنى اتخاذه من القاضي لفترة محددة تشمل فترة التحقيق إلى حين إتخاذ القرار النهائي، أو توضّح المزيد من المعطيات. ومن المعروف أن القرار تلى التحقيقات التي أجراها القاضي علي إبراهيم مع المصارف، بخصوص التحويلات الماليّة التي جرت خلال فترة إقفال المصارف، بعد 17 تشرين الأوّل، وعمليّة بيع سندات اليوروبوند. وبذلك، من المفترض أن يأتي هذا القرار كضمانة لعدم محاولة المصارف أو رؤساء مجالس إدارتها القيام بالمزيد من العمليّات، التي يمكن أن تغيّر طبيعة أرقام الميزانيّات أو الموجودات، إلى حين البت بالتحقيقات التي يجريها القاضي في هذا الملف. وإذا سارت الأمور على هذا النحو، فمن الممكن أن يستبشر اللبنانيّون خيراً، خصوصاً أنها المرّة الأولى التي تتخذ فيها الدولة هذا النوع من الإجراءات بحق المصارف، بعد كل المخالفات التي قامت بها خلال السنوات الماضية.

لكنّ في المقابل، ثمّة ما يخاف منه البعض. فمن المعلوم أنّ هذا القرار جاء في أيام شديدة الحساسيّة، وهي تحديداً الأيام الأخيرة قبل إعلان الدولة قرارها النهائي بخصوص سداد سندات اليوروبوند، التي تستحق هذا الشهر. وفي هذه الأيام بالذات، تجري كل أنوع المناورات والضغوط المتبادلة بين السياسيين أنفسهم، وبين السياسيين والمصارف، في محاولة لتوجيه قرار اليوروبوند بهذا الإتجاه أو ذاك. وجزء أساسي من هذه المناورات كان اجتماعات الساعة الأخيرة بين الأطراف المختلفة المعنيّة، والتي تخللها تفاوض حول الحلول الممكنة، قبل إعلان التخلّف عن السداد. وقد شملت المفاوضات جمعيّة المصارف ومصرف لبنان ووزير الماليّة والرؤساء الثلاثة، فيما امتلك كل طرف من هذه الأطراف أولويّات ماليّة مختلفة تماماً عن الطرف الآخر.

فهل جاء قرار إبراهيم في هذا السياق تحديداً؟ هل كان مجرّد خطوة للضغط على جمعيّة المصارف باتجاه بعض الخطوات التي اقترحتها الحكومة وبعض أحزاب السلطة؟ هل كان مجرّد مناورة ظرفيّة تنتهي بعد استحقاق اليوروبوند؟ أم أن الأمر هو بداية مسار قضائي متكامل ومدروس؟ هذا ما ستجيب عنه الأيام المقبلة!

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها