الإثنين 2020/03/30

آخر تحديث: 00:01 (بيروت)

رياض سلامة ليس وحده

الإثنين 2020/03/30
رياض سلامة ليس وحده
هل ستعرف الحكومة "الأسباب الفعلية التي آلت بالوضعين المالي والنقدي إلى الحالة الراهنة"؟ (ريشار سمور)
increase حجم الخط decrease

لم تحسم المشاورات التي استمرّت الأسبوع الماضي الخلاف على تعيينات نواب حاكم مصرف لبنان، ورئيس لجنة الرقابة على المصارف، وأعضاء اللجنة، وتعيينات أخرى. بات مألوفًا أن تطغى قضايا إجرائية بموجب الدستور والقوانين على القضايا الأساسية. لذلك، لا تعود مفارقة هجينة أن تقرّر الحكومة التوقف عن سداد التزامات ديونها، وتذهب إلى إعادة هيكلتها وهيكلة المصارف ومصرف لبنان، في ظل شغور المراكز ذوات الصلة المباشرة بتلك المهمّات المعقّدة، وقبل بدء المفاوضات مع الدائنين الخارجيين. وفي وقت يتفرغ فيه العالم لتداعيات كورونا الاقتصادية، كما لم يفعل في خطة مارشال لإعادة إعمار أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية. ينسحب ذلك على الولايات المتحدة في مرحلة الكساد الكبير 1929 – 1931. هناك تنهمر الحزم التريليونية التيسيرية لاحتواء الركود. عندنا خزانة فارغة ودولة مغلولة اليد، وودائع محبوسة في المصارف، وتوقعات تراجع الناتج المحلي من رقمين بلا سقف.


المفارقة الثانية إننا نطلب التفاوض مع الدائنين وضباع الصناديق الاستثمارية، والحكومة لا تملك حتى الساعة أرقامًا دقيقة عن الفجوة الأكبر ماليًا في مصرف لبنان. مجلس الوزراء طلب تكليف وزير المال الاتصال بمصرف لبنان "لتبيان الأرقام الدقيقة لميزانية المصرف المركزي وحساب الربح والخسارة، ومستوى الاحتياط المتوفّر بالعملات الأجنبية". وإظهار "الأسباب الفعلية التي آلت بالوضعين المالي والنقدي إلى الحالة الراهنة". يستوقف هذا الارباك الحكومي ويستدعي ملحوظات.

أولًا: مفاوضات إعادة هيكلة الدين الخارجي، تعني بلا مواربة اقتطاع من الدين واستئخار الاستحقاقات إلى آجال جديدة. ودون ذلك مشاقٌ ورحلة طويلة من المتاعب. في وضعنا الراهن ذاهبون إلى المفاوضات بلا بنية تحتية، أرقامًا وإدارة كفية في مصرف لبنان لتخفيف الشروط والأعباء عن الدولة اللبنانية.

المحظور السياسي
ثانيًا: وقعت الحكومة في المحظور السياسي في تجربتها الأولى الجِدّية. تعيينات مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف. فبدت حكومة سياسية تقليدية كسابقاتها. وحكومة غير مستقلّة بامتياز وفي ظروف شديدة الخطورة. لو كان الأمر ليس كذلك، لاقترح وزير المال أسماء لسد الشغور وقرّر مجلس الوزراء وانتهى الأمر. غرقت الحكومة في الحصص أيضًا. رئيسها يريد المركزين السنيين لنائب الحاكم الثالث ورئيس لجنة الرقابة على المصارف. والوزراء لهم مرشحوهم أيضًا. وليست الكفاية فقط مع مراعاة التوازن الطائفي هو المقياس. تعثّر الإتيان بأسماء جديدة للتغيير الشامل. وهو لو حصل لن يكون من خارج الاستحصاص السياسي!


المعلومات تفيد أن محمد بعاصيري ما زال رقمًا صعبًا ليعود من جديد نائبًا ثالثًا لحاكم مصرف لبنان. بعد البيان الشديد اللهجة لـ"تيار المستقبل" حيال التعيينات. لكن الأمر يتعدى دعم الرئيس سعد الحريري إلى موقف دعم أميركي شبه علني لبعاصيري. وبحسب المعلومات، فقد أبلغت السفيرة الأميركية دوروثي شيّا رئيس الحكومة حسّان دياب رسالة الدعم من واشنطن. فبعاصيري يحظى بقبول الخزانة الأميركية المهجوسة بتطبيق معايير مكافحة تبييض الأموال وأموال الارهاب. وبعاصيري ذو خبرة مميزة في هذا المجال، بالإضافة إلى خبرته المصرفية. والحكومة تتحسّب لأي تضييق أميركي ليس على مستوى العقوبات الاقتصادية الأوسع على لبنان فحسب، بل وعلى إمكان استخدام واشنطن نفوذها في المجال المالي والمصرفي ولدى صندوق النقد والمصرف الدوليين. والدائنون الخارجيون لم يفصحوا عن شروطهم بعد في ملف المفاوضات على الدين. ومع التأييد السياسي لبعاصيري من مرجعية طائفته، يضيق هامش المناورة لدى الحكومة. في حال تعيينه تنتهي عقدة نائب حاكم مصرف لبنان الأول بتعيين رائد شرف الدين من جديد أيضًا. رئيس مجلس النواب نبيه بري أبلغ موقفه لدياب ولمن يهمهم الأمر. و"حزب الله" لا يعارض. نائبا الحاكم الثاني والرابع قابلان للتسوية ضمن التوازنات السياسية.


لجنة الرقابة على المصارف لم تُحسم رئاستها. ولو أن الحريري مؤيد لإعادة تسمية رئيسها السابق سمير حمّود. عضو اللجنة السابق جوزف سركيس مرشح رئيس الجمهورية ميشال عون وخيار رئيس "التيّار الوطني الحرّ" جبران باسيل. هو الماروني الوحيد من حصة رئيس الجمهورية في مصرف لبنان ولجنة الرقابة. ويملك سجلًا من الخبرة. وفي حال تعيينه على الأرجح، يُعيّن عضو اللجنة السابق أحمد صفا من جديد. الثنائي الشيعي مع هذا الخيار. الخبير المصرفي طوني شويري أحد المرجّحين لعضوية اللجنة.

بيد أن رئيس الحكومة راغب في تسمية أحد المرشحين لنائب الحاكم الثالث أو لرئاسة لجنة الرقابة. هنا يطرح البعض تسوية بأن يعود بعاصيري إلى رئاسة اللجنة التي سبق وشغلها، ويسمّي دياب نائب الحاكم الثالث أو بالعكس.

تحديد المسؤوليات
ثالثًا: أمّا طلب مجلس الوزراء إظهار "الأسباب الفعلية التي آلت بالوضعين المالي والنقدي إلى الحالة الراهنة"، فكان لافتًا. يتجاوز الأرقام إلى ما يمكن تفسيره عزم الحكومة الانتقال إلى المحاسبة وفتح ملفّ مصرف لبنان والعلاقة مع المصارف. طبعًا لا يمكن القفز فوق تحديد المسؤوليات في أزمة كهذه شملت الدولة ومصرف لبنان والمصارف وغير مسبوقة. حتى الآن لا يوجد مسؤول عن الانهيار. لا يحصل الأمر حتى في بلد توتاليتاري يتعطّل فيه الدستور والمؤسسات.


قانون النقد والتسليف هو الذي خوّل حاكم مصرف لبنان صلاحيات لا يحوزها حتى رئيس جمهورية في نظام رئاسي. كل الضجة على تعيينات نواب الحاكم تهدأ متى علمنا أن حاكم المصرف هو الذي يحدد مهمّات نوابه. يعيّن الموظفين ويقيلهم. كل المقرّرات في يده. نائب الحاكم لا يمكنه بالقانون توظيف سكرتيرة من دون موافقة الحاكم. بقي المجلس المركزي لمصرف لبنان. هو الذي يحدّد بموجب القانون سياسة المصرف العامة وشؤونًا أخرى واسعة. بما في ذلك طلبات القروض من القطاع العام. يبقى السؤال كيف مارس رياض سلامة هذه الصلاحيات، وأدار قطاع مصرفي يساوي أضعافًا أربعة الناتج المحلي الاجمالي؟ كيف أقرّ الهندسة المالية الشهيرة؟ وهل عُرض المشروع على المجلس المركزي بحسب الأصول؟ ما دور وزارة المال والوزراء الذين تعاقبوا عليها؟ ومفوض الحكومة يبلغ الوزير بكل قرارات المجلس المركزي حصرًا. أي يبلغ الحكومات. أين مجلس النواب؟ ديلوت اند توش وإرنست أند يونغ، مؤسستا تدقيق حسابات دوليتان، تتوليان تدقيق ميزانية مصرف لبنان. للعلم، ميزانية 2018 لم تنجز بعد. وقد تحفّظ تقرير المؤسستين على ميزانية 2016 – 2017. أي سنة الهندسة المالية والسنة التي تلت. لا أحد يجهل سيطرة سلامة على القرار المالي والمصرفي في البلد. وحجم النفوذ السياسي الذي حظي به نحو 25 عامًا.

ليمضِ مجلس الوزراء في تنفيذ القرارات القادر عليها الآن والملحّة. تحديد المسؤوليات المرحبّ به، رحلة طويلة نشكّ بخواتيمها السعيدة في ظل منظومة سياسية سدنت حاكم مصرف لبنان واشتغلت عنده ربع قرن من الزمن. سلامة مسؤول أساسي. لكن ليس وحده.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها