الإثنين 2020/03/02

آخر تحديث: 07:22 (بيروت)

كورونا لبنان غير الكورونا!

الإثنين 2020/03/02
كورونا لبنان غير الكورونا!
لا يمكن التقاط أنفاسنا بلا خطة شاملة (Getty)
increase حجم الخط decrease
غادرت بعثة صندوق النقد الدولي الاستشارية بيروت. باتت المعلومات التي جمعتها عن موقف رئيس جمهورية لبنان وحكومته من الانهيار المالي والاقتصادي والنقدي في حوزة الخارج دولًا وحكومات وربما شعوبًا من خلال مجالس نواب تلك الدول، إلّا الشعب اللبناني. ولا ندري كم من الوزراء والنواب اللبنانيين على علم بنتيجة الاستشارات. المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيتش غرّد عبر حسابه على تويتر "آمل أن لا تبقى المشورة التقنية التي طلبتها الحكومة اللبنانية من صندوق النقد الدولي سرية عن الشعب اللبناني. فله الحق بالإطلاع عليها. أي حل للأزمة الاقتصادية والمالية والمصرفية يجب أن يبدأ بشفافية كاملة في شأن الملاءة المالية الخاصة بلبنان وبالمصرف المركزي، على أن يتم نقلها بوضوح تام، وصدق ومساءلة أمام الجمهور". 

لا مدعاة للهلع!
ربما "لا شيء يدعو الى الهلع". جملة استخدمها كثيرًا وزراء ومسؤولون حكوميون لتهدئة بال المواطن من داء كورونا مع الارشادات لأخذ الحيطة. الانهيار المالي والنقدي والاقتصادي صنيعتنا بامتياز. لذلك فالكتمان لزوم التقيّة ممّا اقترفته أوليغارشيا السلطة والمال. قوانين الإفصاح والشفافية خصوصًا متى اتصلت بالشؤون المالية والنزاهة هي الأشدّ حزمًا في دول العالم. فكيف بسبل الخروج من أزمة أفقرت شعبًا وهددت كيان دولة؟ كورونا وافد إلينا. قدر لبنان أن يواجه الانهيار المتعدد الأوجه. والهلع الكبير من كورونا مكشوفًا على ثقة مفقودة بدولة هشّة. تحية كبيرة للجسم الطبي والتمريضي واللوجستي أينما كان، خصوصًا في مستشفى رفيق الحريري الذي يتنكب عرضة للمخاطر، عملًا عميقًا في بعده الانساني والبشري، مع شابات وشباب الصليب الأحمر اللبناني. هؤلاء كانوا خليقين بلفتة من رئيس الجمهورية في "خطبته العصماء". يتسع لها المجال للإشادة "بجبران" والذين تعاقبواعلى وزارة الطاقة والمياه، "ودوّنوا أسماءهم في سجلّ النور والضياء، وعلى سواري البواخر في الجية والزوق". وزراء البيئة يستحقون الاشادة أيضًا!

خلفية رفض الصندوق
فهمنا ان الحكومة ترفض طلب برنامج قروض من صندوق النقد الدولي، لأن البرنامج يجعلنا تحت وصاية الخارج والصندوق. لكن الحقيقة لا تتصل بما يقترحه الصندوق من ضرائب، ورفع الدعم عن الكهرباء، وخفض حجم العاملين في القطاع العام وتشركة القطاع الخاص في مشاريع عمومية. هذه كلها اقتراحات قابلة للنقاش. لكننا نرى الرفض من سببين آخرين. أولًا، عدم استعداد الحكومة لرقابة الصندوق برنامج قرضه للبنان بأشكاله المتعددة، وربط دفعاته باصلاحات محسوسة هيكلية وقطاعية. أهمها الكهرباء، ووقف الفساد السياسي والامتيازات السياسية لزعماء الطوائف في القطاع العام. لاسيما المؤسسات المفترضة مربحة. يستوي في ذلك المعابر غير الشرعية، والجمارك، والضريبة، ومؤسسات الرقابة والمحاسبة. وفي مقدمها القضاء واستقلاله عن السلطة السياسية. باختصار، كل ما يمت بصلة الى أوكار الفساد. واذا كانت تقديراتنا مخطئة – كما نتمنى – فلماذا عدم الاعلان عن الاجراءات الاصلاحية بمعزل عن برنامج قروض صندوق النقد ووصايته؟ وهي مطلوبة بإلحاح من اللبنانيين ومن مؤتمر سيدر والمجموعة الدولية من أجل لبنان وكل المجتمع الدولي. 


الامتيازات السياسية النفعية والمالية في القطاع العام، والتي امتدّت الى المصارف والقطاع الخاص، هي سبب الانهيار الشامل في الاقتصاد. الخلافات السياسية، والتسويات، وتعطيل التصويت في مجالس الوزراء، وغياب الرقابة والمساءلة والمحاسبة من مجالس النواب، إنما كان القليل منها لغايات سياسية، والكثير لغايات نفعية لا علاقة لها بالمواطن والاقتصاد إلًا في وجهها السلبي. لا أحد يوفر لنا المال من دون رقابته ووجهة إنفاقه. معروفة حكايتنا مع صناديق التنمية العربية، وصدّنا لقروضها الميسّرة الطويلة الأجل التي عرضتها علينا لاسيما لمشاريع الكهرباء. حتى الشركات العملاقة كجنرال إلكتريك وسيمنز صُدّت بذريعة أو بأخرى. فقوانين بلادها تحظر عليها دفع رشًى وعلاوات الزعرنة! لماذا نبتعد؟ عداؤنا موصوف لادارة المناقصات ومديرها العام الآدمي. لقد بات السؤال يجوز، هل نحن مؤهلون لطلب برنامج مساعدات من صندوق النقد الدولي، كي نجيز لأنفسنا رفض البرنامج، ما دمنا رافضين اصلاحات لأنفسنا وبلادنا؟ تجاربنا مع مؤتمرات باريس وسيدر تقول غير ذلك؟ وإلًا لماذا لم نحصل بعد على تعهدات مؤتمر سيدر؟


أمّا سبب الرفض السياسي للخارج ووصاية صندوق النقد الدولي، فحبّذا الأمر كذلك خصوصًا عندما يأتي من "حزب الله". وكان كلام النائب حسن فضل الله أمس عيّنة منه. أي داخل ترك لنا الحزب خصوصًا، وخصومه عمومًا كي ننبذ وصاية الخارج على لبنان؟ لاسيما عندما تكون التبعية على خلفية العداء للدول العربية ودول الخليج تحديدًا التي لم تبخل يومًا على لبنان في الملمًات. وقد استثمرت اقتصاديًا في البلد منذ استقلاله. وتحتضن نخبة من الكفايات اللبنانية ردّت على لبنان المليارات كل سنة. لا نتحدث في السياسة هنا. الواقع لا مجال لنكرانه.


لا يمكن التقاط أنفاسنا بلا خطة شاملة. علاج الدين بالهيكلة. والأخير لن يكتمل بلا لازمته. اعادة رسملة مصرف لبنان والمصارف. وخطة اقتصادية لم تتضح معالمها بعد، سوى بالخطب الرنانة لاقتصاد الانتاج لا للريع. وقبل ذلك بتثبيت القيود على التحويلات الى الخارج وقنونتها. مع الاحتفاظ بهامش يكفي لتحريك الاقتصاد، واستيراد المواد الأولية الوسيطة للصناعة. وللزراعة والتِقانة والخدمات. بأولوية لولوج المودعين الى ودائعهم وحقوقهم في المصارف لتلبية حاجاتهم الاستهلاكية والضرورية. 

هذه الخطة تستحيل بلا مساعدة خارجية ومحلية. كل التركيز على الدين الخارجي لأن للدائنين أسلحتهم يستخدمونها عند الحاجة لعقاب المدين، ولا تتوفر للدائنين المحليين. لكن الدين الداخلي للمصارف بالعملات الأجنبية والليرة يحتاج هو الآخر الى حلّ لا يمكن أن تستهين الحكومة به لأنه جزء لا يتجزأ من نجاح الخطّة الشاملة. فعملة الدين هي التي تحدد طبيعته وليست هوية الدائن. مقيمًا أكان أم غير مقيم. العملة القابلة للصرف على أخرى. والتحويلات من لبنان وإليه المحميًة بالقانون، لا تحتاج الى تأشيرات دخول وخروج كي يصبح الدين الداخلي بالعملات الأجنبية خلال لحظات دينًا خارجيًا بالكامل عملة ودائنًا. لو لم تكن سندات اليوروبوندز متاحة في الأسواق الثانوية الخارجية، لما استحصل لبنان أصلًا على التمويل بالعملات. لا من المصارف اللبنانية ولا من المصارف الأجنبية.

 الخبير الاقتصادي ناصر السعيدي الذي يكتنز خبرة واسعة في المؤسسات المالية والاقتصادية الدولية، يقدّر حاجة هيكلة الدين والمصارف ومصرف لبنان بنحو 50 مليار دولار أميركي. قد يكون الرقم معقولًا الى جانب الخطة الاقتصادية. سُدّت المنافذ في وجه لبنان. لقد انكشفنا على الخارج والاقليم بكل أنواع الانكشاف المؤذية للبنان وشعبه واستقراره. الآن يراد اقتفاء سياسة "النأي بالنفس" إنما معكوسة، ولمجرد انتشال لبنان من القعر الى سطح الماء. ضدّ ارتهان لبنان للخارج. ليتفضّل رئيس الجمهورية و"حزب الله" وحكومة حسّان دياب بالبحث عمّن يمدّ البلد الجريح بالأمصال لمكافحة الانهيار وكورونا في وقت واحد. كورونا لبنان غير الكورونا!

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها