الثلاثاء 2020/03/17

آخر تحديث: 20:49 (بيروت)

المصارف "تأمُر ولا تؤمَر": الاستيلاء على دولارات المودعين

الثلاثاء 2020/03/17
المصارف "تأمُر ولا تؤمَر": الاستيلاء على دولارات المودعين
وافقت الدولة على خفض قيمة الودائع الدولارية رغماً عن أصحابها (مصطفى جمال الدين)
increase حجم الخط decrease
ماذا لو قرَّرت قيادة الجيش تسريح رجالها بحجة حمايتهم من فيروس كورونا؟ ماذا لو أعلن الأطباء والممرّضون الاعتكاف في منازلهم خوفاً من الوباء الجديد؟ وماذا لو فضَّلَ الصليب الأحمر اللبناني والجمعيات التي تقدّم خدمات الاسعاف والطبابة، إغلاق الأبواب والاختباء؟ أليس الخوف مشروعاً للجميع؟

ما يمنع هذه القطاعات من اعتزال عملها أو تعليقه بحجة الخوف، هو طابعها الذي يحتّم على أصحابها تحمّل المخاطر.

وجمعية المصارف ليست طرفاً عسكرياً أو صحياً، لكنها طرفاً يحمل مسؤولية أموال الشعب، فليس بإمكانها التصرّف بوصفها قطاعاً خاصاً معزولاً عن الظروف العامة المحيطة بها، لأن جوهَر عملها يجعلها بموازاة القطاع العام، لناحية تداعيات قراراتها المُتَّخَذة.

بدعة الإقفال
وكأنّ هدف المصارف بات الإقفال. هو لعبتها المفضّلة. إذ بها تلتقط أنفاسها ودولاراتها، فمع كل نسمة ريح تقرر المصارف إقفال أبوابها. وحين يشتد الانتقاد ضدها، تدفع بنقابة موظفيها إلى الواجهة، فيصبح انتقاد الإقفال، اعتداءً على حقوق الموظفين بالأمن. فالمصارف أقفلت أبوابها سابقاً بحجة الخوف على أمن الموظفين من "شغب" المتظاهرين، فيما هؤلاء أصحاب حقوق. واليوم الحجة أقوى، وهي الأمن الصحي. ولذلك، أعلنت جمعية المصارف "التجاوب مع مطلب اتحاد نقابات الموظفين بإقفال فروع المصارف لغاية 29 آذار 2020". وعلى لسان رئيس نقابة موظّفي المصارف أسد خوري، فإن قرار إقفال المصارف "اتّخذ بعد إجتماعات ومطالبات عدّة، وبعد تلمّسنا خطورة انتشار وباء كورونا"، مضيفاً أن "قرار إقفال المصارف نهائي. العمليّة لا تحمل مزحة أو مراوغة، وأن نفعلها اليوم خير من أن نفعلها غداً". 

ولسخرية القدر، فإن المصارف، وإن كانت قطاعاً خاصاً، إلاّ أن "عِشرتها" لأهل السلطة السياسية، حوّلتها بالممارسة إلى قطاع عام، فاكتسب أهلها آلية تفكير أهل السلطة الذين يدفعون بموظفيهم المخلصين في الروابط والنقابات، للإضراب، أو لفك الإضراب، وبذلك يضعون أصحاب الحقوق في مواجهة بعضهم البعض.

محاولة الالتفاف
خطورة الإقفال، التمسها وزير المال غازي وزني، فرفع سقف الاعتراض وصولاً إلى حد دعوة النيابة العامة للتدخل لفرض عدم الإقفال، لما لهذا الاجراء من مسّ بمصالح الناس.

انخفض السقف، فجلس الطرفان على طاولة المفاوضات التي انتهت بموافقة المصارف على "فتح بعض الفروع التابعة لها ابتداءً من يوم الأربعاء 18/3/2020، وتنظيم دوام العمل والقيام بالإجراءات المطلوبة لتسيير الخدمات المصرفية، من أجل تلبية حاجات الناس في هذه الظروف الصعبة والدقيقة".

فتح بعض الفروع لم يُثنِ المصارف عن إجبار أصحاب الحقوق على سحب أموالهم من الصراف الآلي. إذ خلص المجتمعون إلى أن المصارف ستستمر بتقديم خدمة الـ "Call Center" وتأمين السيولة عبر ماكينات الصراف الآلي الـ "ATM"، أي ضمان سحب الأموال بالليرة اللبنانية.

وافقت وزارة المال. أي وافقت الدولة على خفض قيمة الودائع الدولارية رغماً عن أصحابها، عبر إلزامهم بسحبها بالليرة. وفي السياق، كشفت وكالة "بلومبرغ" عن اقتراح يتم درسه بين المصارف والسلطة السياسية، يقضي بتمكين أصحاب الودائع بسحب الدولار وفق سعر 2000 ليرة. وبذلك، رضخت الدولة للمصارف، مع تعديل في شروط الخضوع. هو تعديل يسمح لأصحاب السلطة بتمنين أتباعهم برفع سعر الصرف، فيما يبطش السلطويون بمؤازرة الصرافين، بأصحاب الودائع ومُنتظري الرواتب الشهرية والمياومين. فسعر 2000 ليرة للدولار، لا يتوافق مع القيمة الحقيقية للدولار في السوق، والتي تصل إلى 2500 ليرة، والتي تُسعَّر وفقها المواد الغذائية وكافة السلع. وبالتالي، تحاول السلطة إسكات اللبنانيين بما لا يتوافق مع ظروف معيشتهم المأزومة.

تتذرّع المصارف بضمان صحة موظفيها وزبائنها، وهي التي لا تترك فلساً إلاّ وتسحبه من جيب الزبائن، تحت مسوّغات لا يعلم بطلاسمها إلاّ اختصاصيو اللغة العربية والقانون. أمّا مَن يتخلَّف عن سداد قسطٍ من أقساط القروض، فتجتمع إدارة المصارف وتصدر حكم الإعدام المالي على المتخلّف، حتى وإن كان التخلّف قهرياً بسبب العَوَز أو فقدان الوظيفة. ومن وحي المناسبة، وإن كان الإقفال لمصلحة المواطنين، فهل تتوقف المصارف عن استيفاء بعض سندات القروض، من دون فوائد؟

قالها أحد كبار المصرفيين يوماً: المصارف تأمُر ولا تؤمَر.. والتجربة أثبتت أن المصارف في لبنان تَحكُم ولا تُحكَم.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها