الإثنين 2020/02/24

آخر تحديث: 00:03 (بيروت)

ممرّ إلزامي بعد نزع الصاعق

الإثنين 2020/02/24
ممرّ إلزامي بعد نزع الصاعق
الخروج من الركود القاسي شرط للتغلب على الأزمة (Getty)
increase حجم الخط decrease

ضاقت خيارات الحكومة جدًا لحسم قرارها سداد اليوروبوندز استحقاق 9 آذار المقبل من عدمه. إتصالات جسّ نبض السعودية وعدد من الدول العربية الخليجية التي فُهم إنها تمّت عبر قنوات ظليلة أكّد المؤكد. لا مجال لأي مساعدة من خارج حزمة أوسع، أساسها سياسي يوضح بلا لبس دور لبنان الإقليمي وسياسة "النأي بالنفس" من جهة، وقرارات الحكومة اللبنانية تجاه الإصلاحات المطلوبة من جهة ثانية.

لم يعد مفرٌ من إعادة هيكلة الدين. والعملية تحتاج إلى دعم في مرحلة التفاوض مع الدائنين، ليس مضمونًا سوى من صندوق النقد الدولي. إنما بعد طلب الحكومة برنامج قروض من الصندوق، يؤمن في آن نفقات طارئة لم تعد متوفرة من الدين لا محليًا ولا خارجيًا. البرنامج شمل محادثات بعثة الصندوق إلى بيروت واحدًا من الخيارات القلية الباقية. وباء كورونا واحتمالات تمدده في المنطقة ولبنان، قد تكون قطعت الطريق على خيار سداد استحقاق آذار. وبعده استحقاقا نيسان وحزيران بتكلفة كلّية مع فوائد اليوروبوندز في 2020 زهاء 4,5 مليارات دولار أميركي. الاحتياط الصافي السالب لدى مصرف لبنان تناوله تقرير وكالة فيتش الأخير من دون تفصيل. ( نحو 44,8 مليارات دولار أميركي. المدن 7-2-2020 ) ما يتوفر ممّا يعتبره مصرف لبنان احتياطًا هو ما بقي لديه من توظيفات المصارف شهادات إيداع وودائع. أي سداد للدين السيادي سيعمّق أزمة المصارف تجاه حقوق المودعين وأموالها الخاصة ورسملتها. طبعًا يقودنا هذا الوضع إلى سؤال عن الحكمة من سداد مصرف لبنان 1.5 مليار دولار أميركي دينًا سياديًا في تشرين الثاني 2019، في غياب رؤية حكومية واضحة، وقرار من سداد التزامات الديون الأخرى في 2020 حدًا أدنى. إذ لم تتغير المعطيات سوى تشكيل حكومة جديدة. القاسم المشترك مع الحكومة القديمة وما سبقها من حكومات، يبقى غياب الرؤية الاقتصادية الشاملة وتشتت السياسات والقرارات الحكومية. كورونا ضيّق خيار السداد. احتياط موازنة 2020 على الورق. ولا شيء سوى الوقاية والقضاء والقدَر ليقف في وجه الوباء لو حلّ بنا. الرقابة ملحّة عبر المعابر البرّية مع سوريا، وليس في المطار والمرفأ فحسب.

برنامج مع الصندوق
أكثر من سبب يقودنا إلى برنامج قروض صندوق النقد الدولي مشروطًا بإصلاحاته المطلوبة. العجز المالي والنقدي. عدم القدرة على السداد المنتظم للديون السيادية. حماية أموال المودعين في المصارف وإعادة رسملة المصارف ومصرف لبنان. استبقاء المستطاع لاستيراد الغذاء والدواء واللوازم الاستشفائية والوقود. وإمكان الولوج إلى إعادة هيكلة الديون والتفاوض مع الدائنين قبل إعلان التوقف عن الدفع رسميًا. وكل ذلك في سياق خطة لتحريك الاقتصاد من جديد. هناك إمكان برنامج قروض ميسّرة من الصندوق بنحو 6 مليارات دولار أميركي لو طلبت الحكومة خيار البرنامج، بحسب المعلومات. مهمّة بعثة الصندوق الاستشارية التي تحدثت عنها الحكومة لم تكن كذلك في الواقع، سوى لناحية استحقاقات الدين الخارجي التي دهمت. تقارير الصندوق وبعثاته إلى بيروت ونصائحه للحكومات تكفي وتزيد. آخرها كان التقرير المهم لمجلس مديري الصندوق التنفيذيين المخوّل قرارات الصندوق، الذي قيّم تقرير بعثة المادة الرابعة وأودعه الحكومة السابقة. لم يتغيّر شيء!

وكالة موديز Moody's التي خفضّت تصنيف الحكومة إلى Ca من Caa2 وغيرت نظرتها إلى "مستقر" قبل  مندرجات D بالتوقف عن الدفع، استندت إلى ما وصفته برنامج تكيّف مع صندوق النقد الدولي. ذكر التقرير أن "النظرة المستقرة" تعمل على موازنة افتراضات وكالة موديز حتى الآن بأن إعادة هيكلة الديون قد تحدث بالتنسيق مع الدائنين وتحت مظلة برنامج التكيف الاقتصادي المتفق عليه مع صندوق النقد الدولي الذي يفتح التمويل الخارجي.

الركود والنمو
لقد أخلت الهواجس المتعلقة بطوارئ الأوضاع المالية والنقدية والمصرفية المكان من التركيز على الوضعين الاقتصادي والاجتماعي. وعلى الركود العميق والنمو السالب الذي يشي بأن يكون من رقمين في 2020. وهذا من شأنه أن يضرب موازنة 2020 ويفاقم مشكلة النمو، ويستأخر أي خطة وبرنامج مع صندوق النقد الدولي. النمو هو الممرّ الإلزامي في المحصلة لجبه الأزمة على تنوعها وتعقيدها. حتى لناحية الشروط التي يتطلبها برنامج الصندوق لو كان خيارًا نهائيًا. إصلاح النظام الضريبي وزيادة ضريبة القيمة المضافة وتحسين الجباية، تبقى بلا طائل في مراحل البرنامج الأولى. وترتبط نتائجها مباشرة بالفترة التي سيستغرقها الخروج من مرحلة الركود القاسي الذي دخلنا طوره حاليًا. ففي ظل تراجع حجم الأعمال لدى المؤسسات الاقتصادية التي ما زالت قيد العمل، وبالتالي تراجع أرباحها، فعائدات الضرائب ستتراجع على أنواعها. وتواجه تلك المؤسسات أعباء ديون مصرفية كبيرة. مئات المؤسسات أغلقت أبوابها وخرجت من ظل الضريبة. أن يقتصر الإصلاح الضريبي وجبايته على الضرائب المباشرة التي تصيب الفئات الفقيرة، ويسهل جبايتها خلافًا لضريبة الدخل، فلن يكون الأمر ميسورّا في أزمة اجتماعية خانقة. وليس في ذلك إصلاح. ضريبة القيمة المضافة التي تطال المستهلك النهائي يرتقب أن يكون مردودها ضئيلًا بدوره في ضؤ الركود وتراجع الطلب الاستهلاكي الداخلي وقوة الأجور الشرائية.

الاقتصاد يواجه اختناقًا كبيرًا في ظل الوضع المصرفي وعلاقة المصارف مع عملائها. أي برنامج يفترض أن يحرّر التحويلات المخصصة لاستيراد مواد الصناعة الأولية والأسمدة الزراعية والدوية والبذور من القيود المصرفية المفروضة. وتوسيع مجال التحويلات للتجارة مطلوب أيضًا لتوفير السلع وتحريك العجلة الاقتصادية. الصادرات الصناعية حققت 3 مليارات دولار أميركي في 2019 رغم الأزمة. وارتفعت تغطية الصادرات إلى الواردات بنسبة كبيرة. التدفقات النقدية الخارجية ناضبة. السياحة والخدمات الفندقية كذلك. لا بد من مصدر للعملات الأجنبية لتخفيف اختلالات أنظمة الدفع. الدور السلبي للقيود على السحوبات المصرفية أثر ظاهر في كل الحركة التجارية والعقارية. عمليات البيع والشراء والتبادل على أنواعها شبه جامدة لعلّة إيداع الشيكات في حسابات المتعاملين مع القيود على السحوبات لاسيما بالعملات الأجنبية. والمصارف لها ديون على القطاع الخاص. وسدادها يعتمد على استمراره في العمل ومده بالسيولة التشغيلية حدًا أدنى.

لم تتمكن اليونان من مغادرة أزمتها قبل أن تتعافى من آثارها بعد، إلّا من خلال تحقيق معدلات نمو حقيقي كان لها مكان بارز في خطة الإنقاذ التي تكفلّها صندوق النقد إلى جانب المصرف المركزي الأوروبي والمفوضية الأوروبية. النمو ممرّ إلزامي للبنان بعد نزع صاعق الدين.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها