الأحد 2020/12/27

آخر تحديث: 15:16 (بيروت)

حذار التوقيع على تحويل الحسابات إلى الليرة أو إقفالها

الأحد 2020/12/27
حذار التوقيع على تحويل الحسابات إلى الليرة أو إقفالها
بلغ إجمالي ودائع القطاع الخاص في نهاية آب 2020، نحو 148.1 مليار دولار (عباس سلمان)
increase حجم الخط decrease

الفراغ يملأه الهواء.. والخواء والاهتراء تملأه جمعية مصارف لبنان، التي يبدو أنها تعد العدة لتوجيه ضربة جديدة لأصحاب الودائع الصغيرة والمتوسطة من المدنيين والعسكريين، تتمثل بإجبارهم على توقيع إقرارات تخول البنك تحويل الوديعة الدولارية إلى الليرة اللبنانية وفق سعر صرف المنصة، وذلك تحت طائلة التهويل بفقدانها أو التهديد بإقفال حسابات العميل، وإعطائه شيكاً مصرفياً.

اللعبة الجهنمية
ويبدو أن النجاح النسبي الذي حققته التجربة التي قامت بها ثلاثة مصارف كبيرة، قد تمهد للتوسع في هذا "الحل الجهنمي" الذي سيؤدي إلى شطب نصف تلك الودائع تقريباً، وذلك إذا لم يتم التصدي له من قبل المودعين أولاً، ومن قبل كافة مؤسسات الدولة، من رئاسة الجمهورية إلى مجلسي النواب والوزراء، وصولاً إلى مصرف لبنان.. التي لم تحرك ساكناً حتى الآن تاركة للمصارف ولجمعيتها المهنية المؤسسة بعلم وخبر، أن ترسم سياسات وتتخذ وتنفذ قرارات تمس مدخرات الناس ومصائرهم وتهدد الاستقرار الاجتماعي وحتى الأمني.

وتعرب مصادر مطلعة عن خشيتها أن تكون هذه "اللعبة الجهنمية" مغطاة بمباركة خفية من الطبقة السياسية، ومنسقة مع حاكم مصرف لبنان، رغم كل ما يقال ويشاع عن خلافات بينه وبين المصارف. وتستند هذه المخاوف إضافة إلى صمت السياسيين، على قول سعادة الحاكم خلال مقابلته مع محطة "الحدث" مؤخراً، أن "الودائع ليست لدى مصرف لبنان، بل لدى المصارف، وأنه لا يجوز أن تجري أي معاملة مصرفية إلا بالعملة الوطنية، إسوة بما هو معمول به في كل دول العالم". علماً أنه هو الحاكم ذاته الذي كان "يتبجح" بانتزاع موافقة السلطات الأميركية على ان يكون لبنان بين دول قليلة في العالم، يسمح له بإجراء مقاصة فورية على الشيكات بالدولار.

كلام بالأرقام..
وللانصاف، فإن الحاكم أصاب نصف الحقيقة في كلامه، وهي أن الودائع موجودة في المصارف، ولم يتم إقراضها كلها إلى الحكومة كما يشيعون. لكنه تعمد إخفاء النصف الثاني وهو أن الودائع يجب أن تعاد إلى أصحابها بالدولار وليس بالعملة الوطنية، استناداً إلى قانون النقد والتسليف، وإلا فليتم إصدار قانون جديد أو تعديل القانون الحالي من قبل مجلس النواب وليس من قبل جمعية المصارف.

بالنسبة للنصف الأول الصحيح الذي يدحض إدعاء المصارف بأن الودائع بالدولار غير موجودة، نضيف إلى كلام الحاكم، البيانات الرسمية الصادرة عن مصرف لبنان حول الميزانية المجمعة للمصارف. والتي جاء فيها ما يلي:

- بلغ إجمالي ودائع القطاع الخاص في نهاية آب 2020، نحو 148.1 مليار دولار، متراجعة بحوالى 10 مليارات دولار فقط عن آب 2019. وتوزعت هذه الودائع بين ودائع بالليرة اللبنانية بقيمة 33.4 مليار دولار، والباقي أي 114.7 مليار دولار بالعملات الأجنبية.

ونكمل الحكاية بأرقام الميزانية المجمعة، للإجابة على السؤال الأهم، وهو أين هي تلك الأموال؟ فنذكر ما يلي:

- بلغت التسليفات للقطاع الخاص في آب 2019 حوالى 49.77 مليار دولار. وتراجعت في آب 2020 إلى 39.64 مليار دولار، من بينها حوالى 21.34 في المئة فقط بالدولار. وهذه التسليفات باستثناء تلك الممنوحة لكبار المقترضين والمساهمين، مفترض أنها مغطاة برهونات تعادل ثلاثة أضعاف قيمتها. أما القروض المصنفة خطرة أو معدومة فيجب على المصارف اقتطاع مؤونات كافية لتغطيتها من أرباحها التي تقدر بحوالى 2 مليار دولار سنوياً، بدلأ من توزيعها على المساهمين، وبدلاً من مواصلة "لعبة الثلاث ورقات"، وآخر فصولها كان تعميم مصرف لبنان "المشبوه" بإلزام المصارف توزيع أرباح على حاملي الأسهم التفضيلية.

- تقدر قيمة سندات اليوروبوند التي تحملها المصارف بحوالى 10 مليارات دولار، من أصل 33 مليار دولار، كما في نهاية أيلول 2020. وقد تم التخلص من جزء كبير من هذه السندات قبيل إعلان "عباقرة الحكومة" التوقف عن السداد (علماً أن بيع تلك السندات قضية تستحق التحقيق والمحاكمة). أما السندات بالليرة اللبنانية والمقدرة بحوالى 27 في المئة من الإجمالي فلا مشكلة أصلاً في سدادها.

ومن أفواههم ندينهم، فأمين عام جمعية المصارف يقول إن المصارف أقرضت الدولة 25 مليار دولار، من أصل الودائع الموجودة لديها أي 150 مليار دولار، وهي نسبة ضئيلة من إجمالي إمكاناتها، أما الأموال المتبقية، "فتوزعت بين الاقتصاد اللبناني وودائع لدى المصرف المركزي".

- كلام أمين عام الجمعية يقودنا إلى القطبة المخفية، وهي إدعاء المصارف بأنها قامت بإقراض الدولة بشكل غير مباشر من خلال مصرف لبنان. ولكي لا نطيل شرح ما بات معروفاً، فإن "سعادة الحاكم"، أصاب الحقيقة مرة أخرى بنفيه نفياً قاطعاً ذلك الإدعاء، مؤكداً إعادة تلك الأموال إلى المصارف، محملة بأرباح فعلية تقدر بحوالى 13 مليار دولار، من بينها حوالى 6.5 مليار دولار من خلال الهندسات المالية، توزعت على المصارف الكبيرة بشكل رئيسي، وعلى كبار المودعين (المساهمين) الذين حصلوا على حوالى مليار دولار منها. وعلق أحد المصرفيين المخضرمين على تصريح الحاكم بالقول "إن أسرع وأدق تدقيق جنائي سيكون تشجيع الخلاف بين المصارف ومصرف لبنان والسياسيين، ليفضحوا بعضهم".

المصارف تحجز الودائع
"يعني بحسبة عرب"، هناك أكثر من 85 مليار دولار من أصل ودائع القطاع الخاص الدولارية موجودة لدى المصارف. والقول أنه تم استخدام الجزء الأكبر منها لتمويل الاستيراد خلال السنوات الأربعة الأخيرة والمقدر بحوالى 60 مليار دولار، فهو قول مردود لأن هذه الواردات تم بيعها وتحويل قيمتها إلى عملات أجنبية موجودة في خزائن التجار والمصارف أو في حساباتهم في الخارج. ولا يزالون حتى اليوم يرفضون استخدامها، ويطلبون من مصرف لبنان تزويدهم بالدولارات لاستيراد المحروقات والأغذية والأدوية والمستلزمات الطبية، تحت طائلة قتل الناس جوعاً ومرضاً.

... الحل برفض قرارات المصارف
الخلاصة التي باتت واضحة كعين الشمس هي  أن المصارف بتواطؤ مصرف لبنان والطبقة السياسية، تسعى لاستغلال حالة خواء واهتراء الدولة، لتحميل المودعين الجزء الأكبر من الخسائر المحققة، ويقدر بعض الخبراء أن نجاح لعبة تحويل الودائع الدولارية وإقفال الحسابات سيؤدي إلى شطب ما بين 20 إلى 30 مليار دولار منها، لتضاف إلى ما يتم سحبه عبر بيع الشيكات المصرفية والسحوبات الشهرية المسموح بها.

وعليه فالمطلوب هو الرفض القاطع من قبل المودعين توقيع أي معاملة تخول البنك التصرف بودائعهم، وكذلك عدم المبالغة بالسحوبات الشهرية من الوديعة الدولارية بسعر صرف المنصة، أو بيع شيكات مصرفية بثلث قيمتها. وعدم الاستجابة للتهويل بأن الودائع تبخرت أو للتهديد بإقفال الحسابات. فالمصارف وجمعيتها لا تملك ـ تحت أي مسوغ قانوني ـ الحق في تعديل وتقييد وتنظيم النشاط المصرفي. وأي قرار تتخذه بما في ذلك تقييد سحب الودائع أو التصرف فيها، أو إقفال حساب من دون مسوغ قانوني واضح، يشكل مخالفة صريحة لقانون النقد والتسليف ويضع المصارف تحت طائلة المساءلة القانونية.

وهذا المسعى من قبل المصارف وجمعيتها، يأتي استكمالاً لقائمة طويلة من الهرطقات القانونية والمخالفات المصرفية وحتى الأخلاقية التي ارتكبتها، والتي بدأت بالتوسع بإقراض الدولة بشكل يتعارض مع أبسط القواعد والمعايير المصرفية، مروراً بتقييد ووقف السحوبات بالدولار ووقف التحويلات الخارجية، أي فرض "كابيتال كونترول" من دون أي قانون من مجلس النواب أو حتى تعميم من مصرف لبنان، وصولاً إلى إذلال الزبائن وإجبارهم على الوقوف في طوابير أمام أبواب المصارف، بدعوى الوقاية من كورونا.

نعم المطلوب الانتظار استناداً إلى حقائق ومعطيات اقتصادية ومالية، وهي: أن الودائع موجودة والمصارف ملزمة قانوناً بإعادتها، وأن لبنان ليس بلداً مفلساً، بل نظامه السياسي مفلس وبعض مصارفه مفلسة، وهذه المصارف هي من يجب أن تتحمل جزءاً من الخسارة من أموالها الخاصة ومن الأرباح التي راكمتها.

أما الحلول فهي موجودة وسهلة في حال استعادة الدولة لدورها، ولو على قاعدة الحد الأدنى. إذ يمكن البدء بتطبيق حلول عاجلة، أهمها قيام المصارف بدلاً من السطو على أموال المودعين بتطبيق تعاميم مصرف لبنان بزيادة رؤوس أموالها، وودائعها لدى البنوك المراسلة، من خلال استخدام جزء من الأموال التي حولتها إلى الخارج. إضافة إلى البدء بتصغير القطاع المصرفي من خلال الدمج الإلزامي أو وضع مصرف لبنان يده على البنوك المتعثرة. وكذلك استعادة جزء من أموال كبار المساهمين والمودعين التي حولوها ولا يزالون يحولوها إلى الخارج، لإيداعها في المصارف أو تحويلها إلى أسهم فيها Bail In. وكذلك إعادة جدولة القروض الممنوحة للقطاع الخاص، وصولاً إلى التفكير بإنشاء صندوق سيادي لأصول الدولة، ولكن بعد قيام الدولة وليس الآن.

نعم الحلول موجودة بانتظار أن تقوم المؤسسات بأدوارها، بدءاً من حاكم مصرف لبنان الذي ضاق صدره وصدرونا  بأوسمة التقدير  كأفضل حاكم بنك مركزي في الشرق الأوسط والعالم، ومجلس النواب الذي بشرنا بأن ودائعنا مقدسة ومحمية بالتشريع والقانون، لنفاجأ بتدنيس هذه القداسة من قبل جمعية المصارف.. وصولاً إلى هيئات وجمعيات المجتمع المدني، وفي مقدمتها نقابة المحامين ونقيبها المقدام الذي يقتحم المخافر انتصاراً لأحد المحامين، بانتظار أن يقتحم المصارف انتصاراً للمودعين ودفاعاً عن القانون، أما الحكومة المستقيلة أو التي في طور التشكيل فهي مدعوة لتقوم بواجباتها على أكمل وجه.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها