الخميس 2020/10/29

آخر تحديث: 16:19 (بيروت)

انخسف الدولار ولم تهبط الأسعار: التجار لا يثقون بالسياسة

الخميس 2020/10/29
انخسف الدولار ولم تهبط الأسعار: التجار لا يثقون بالسياسة
انخفاض أسعار المواد الغذائية مرهون بثبات الدولار وإن بقي مرتفعاً (مصطفى جمال الدين)
increase حجم الخط decrease
تبددت المفاجأة التي يتركها ارتفاع أو انخفاض أسعار صرف الدولار في السوق السوداء. فقد اعتاد اللبنانيون ذلك، خصوصاً بعد إدراكهم أن مفتاح التلاعب بالأسعار، ليس سوى مصالح تحالف السياسيين مع الصرّافين والقطاع المصرفي، وفي مقدّمته مصرف لبنان.

التلاعب بالأسعار أفضى إلى حالة تقلّب دائم في السوق، زادت من حدّة القلق الذي بات صفة دائمة تَمنَع أي عملية خفض لأسعار السِلَع، خوفاً من معاودة الارتفاع. وعليه، لم يبادر التجّار إلى خفض أسعار السِلَع عند انخفاض أسعار الدولار، حتّى حين أقدَمَ مصرف لبنان على اعتماد سياسة دعم للمواد الأساسية.

تراجع سعر الصرف
سَجَّلَ الدولار انخفاضاً ملحوظاً وَصَلَ خلال أسبوع إلى نحو 2000 ليرة، حين تراجع من نحو 8500 ليرة إلى نحو 6500 ليرة. وقد عَزَّزَت تسمية سعد الحريري لتشكيل حكومة تخلف حكومة حسان دياب، عملية انخفاض الدولار، لكنّها في الوقت عينه رفَعَت نسبة القلق من معاودة الارتفاع في حال تَعَرقَلَت عملية التأليف. وأبعَد من ذلك، يرى بعض التجّار أنّ تأليف الحكومة ليس سبباً نهائياً أو حتمياً لتحسُّن الأحوال وانخفاض سعر صرف الدولار بمعدَّل إضافي. إذ أنَّ العبرة في تنفيذ الإصلاحات التي تعطي الثقة للأسواق والمستثمرين. وهذا أمر مفقود. وبالتالي، فَقَدَ تراجعُ سعر الصرف تأثيره على أسعار السِلَع.

في السياق نفسه، لم تَتَّضِح معالم أسباب انخفاض سعر الصرف، وكثرت التحليلات، ومنها ما ذهب إلى أنَّ مصرف لبنان يقوم بضخّ ملايين الدولارات يومياً عبر الصرّافين لرفع معدَّل العرض مقابل الطلب، فينخفض سعر الصرف مؤقّتاً، بهدف إقناع الناس بأن عودة الحريري إلى رئاسة الحكومة كفيل بخفض سعر الصرف، وبأن هذه المنظومة ككُل، تعمل على إعادة الأمور إلى نصابها الصحيح تمهيداً لتنفيذ الاصلاحات. وفي الوقت عينه، يشجّع خفض سعر الصرف، حاملي الدولارات على التخلّص من دولاراتهم، خوفاً من تسجيل خسائر كبيرة بعد شرائهم الدولارات على معدّلات مرتفعة. وهذا بدوره يزيد عرض الدولارات في السوق، وتالياً خفض قيمته.

سياسات خاطئة ورهانات مرحليّة
يُدرِك مصرف لبنان والصرّافين والسياسيين، أنَّ كلّ ما يُحاك لإيهام الناس بتحسُّن الأحوال، لا يغدو كونه رهانات مرحليّة وُضِعَت فقط مِن أجر التغطية على سياسات خاطئة، ليس فقط منذ 30 عاماً، وإنما منذ عامٍ واحدٍ على الأقل، مع بدء تدهور الأحوال الاقتصادية والنقدية. وفي أعلى قمّة الهرم، تقبع سياسة دعم المواد الأساسية التي استَنزَفَت أكثر من 4 مليارات دولار "ولم تأخذ في الحسبان مصالح الفقراء ومُحتاجي الدعم"، وفق ما يؤكّده رئيس جمعية المستهلك في لبنان، زهير برّو.

لا ينتقد برّو سياسة الدعم كفكرة، بل يدافع عنها. فالمشكلة، حسب ما يشير إليه في حديث لـ"المدن"، تكمن في "آلية تنفيذ الدعم التي لحظت الدعم بالدولار وليس بالليرة، ولم تتأكّد من حصر الاستفادة مِن الدعم بمستحقّيه، كما لم تحرص على تأمين المواد المدعومة بصورة صحيحة إلى المحتاجين، بل جاء الدعم مناسباً للتجّار والمنتفعين، حين أخفوا السِلَع، فإمّا رفعوا أسعارها أو هرَّبوها إلى الخارج". وهذا الواقع "أوصَلَ البلاد إلى وضع أسوأ ممّا كانت عليه، منذ نحو عام، غداة انفجار الأزمة. وهو ما يؤكّد عدم جدوى الدعم بهذه الطريقة. ومع ذلك، الدعم مُهَدَّد بالتوقّف أو التقنين".

ارتفاع أسعار الدولار والسِلَع
يجزم برّو بأن "السياسات التي اعتُمِدَت حيال خفض أسعار السلع والدولار، لا يمكن أن تؤدّي إلى الانخفاض الفعلي. وجولة صغيرة على الأسواق، تعود بخلاصة أن مستوى أسعار السلع ما زال يتراوح بين 8000 ليرة و9000 ليرة، فيما الدولار لامَسَ حدود الـ6000 ليرة. وحجّة التجّار دائماً أنّهم اشتروا بضائعهم بأسعار مرتفعة، وبيعها بأسعار أقل سيرتِّب خسائر".

يُعيد الأمين العام لنقابة أصحاب الصناعات الغذائية، منير البساط، سبب عدم انخفاض أسعار السلع مع تراجع سعر صرف الدولار إلى "عدم وجود ثبات في سعر الصرف". وبرأيه "لا يمكن توَقُّع انخفاض أسعار السلع في هذ الظرف، لأن الاستراحة التي أخذها الدولار، هي استراحة وهمية يؤكّدها إحجام الصرافين عن بيع الدولار، أو على الأقل يبيعون نصف المبلغ المطلوب، أي يتركون التجّار في حالة عَوَز للدولار، وبالتالي في حالة خوف من معاودة الارتفاع وتسجيل خسائر فيما لو لحقوا تراجع الدولار وخفَّضوا أسعارهم".

لا يفقد البساط الأمل، لكنّ الأمل ضعيف، وهو "أن يبقى الدولار بمعدّلات منخفضة لنحو شهر، ما يوحي بالثقة للتجّار. على أن يترافق ذلك مع ثقة سياسية تدفع السوق إلى عرض الدولار وتأمين الكميات المطلوبة". وينفي البساط أن يكون انخفاض الدولار بمعدّل 2000 ليرة، حدثاً مطمئناً للتجّار "فخبر تكليف الحريري مطمئن، لكن ليس لدرجة تخفيض الدولار 2000 ليرة".

الصناعات الغذائية اللبنانية
رغم ارتفاع أسعار السلع، إلاّ أن الصناعات الغذائية اللبنانية "ما زالت تملك هامشاً من المنافسة بفعل عدم ارتفاع أسعارها أسوة بباقي السلع، ذلك أنّ جزءاً من المواد الأولية موجود في لبنان، متل الحليب والألبان والأجبان، المخلّل، المربّيات، زيت الزيتون.. ولا يُستَورَد من الخارج بالدولار حصراً. كما أن قطاع المواد الغذائية جرى استثناؤه من قرار الإقفال جرّاء انتشار فيروس كورونا، ما دَفَعَ أهل القطاع إلى بيع منتجاتهم وعدم الاضطرار إلى رفع أسعارها كثيراً لتعويض أي خسائر. علماً أن ارتفاع الأسعار جاء بفعل استيراد جزء من المواد الأولية من الخارج بالدولار، كالسمسم ومواد التغليف الكرتونية والنايلون والبلاستيك...".

لم تعد المئة والخمسون ألف ليرة تشتري الكمية الضرورية من المواد الغذائية، كما كانت عليه حين كانت تساوي 100 دولار. فالمئة دولار اليوم أصبحت نحو 700 ألف ليرة كمعدّل وسطي، أي ما كان يوازي 500 دولار، وهي بمثابة راتب شهري للكثير من اللبنانيين. بمعنى أنَّ بعض اللبنانيين باتوا اليوم بحاجة لإنفاق راتبهم الشهري ليشتروا الضروريات. ومع ذلك، الأسعار أمام ارتفاع إضافي ما لم يتغيَّر المشهد السياسي والاقتصادي جذرياً.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها