الإثنين 2020/01/06

آخر تحديث: 02:32 (بيروت)

علياء المبيّض لـ"المدن": لبنان بصلب الإنهيار..وأنصاف الحلول لن تجدي(1)

الإثنين 2020/01/06
علياء المبيّض لـ"المدن": لبنان بصلب الإنهيار..وأنصاف الحلول لن تجدي(1)
استعادة الثقة تتطلب المبادرة فوراً لمصارحة الناس بحجم الأزمة
increase حجم الخط decrease
أمام حال التخبّط التي تسيطر على السلطة السياسية، وفي ظل محاولاتها الخجولة و"المُخجلة" لتشكيل الحكومة تمهيداً للإنطلاق بلملمة "الخراب" الذي خلّفته السياسات الإقتصادية العقيمة، والندوب التي أحدثها الفساد.. بات لزاماً على خبراء الإقتصاد "غير المتحزّبين والمصطفين سياسياً وطائفياً" أن يصارحوا الرأي العام بالحجم الحقيقي للأزمة، وبإمكانات الحلول فيما لو تواجدت، لعلّ سواد الأرقام وهَول الحقيقة يشكّل صفعة على وجه السلطة، فيوقظها من سباتها الناجم عن جهلها لمفاعيل الانهيار الإقتصادي.

ولأن الانهيار الإقتصادي أصبح واقعاً، بات إعلان حالة طوارىء اقتصادية من قبل الحكومة المقبلة، والتفرّغ  للعمل على أكثر من جبهة للإنقاذ أمراً ملحّاً، وفق الخبيرة الإقتصادية علياء المبيّض، يكاد يكون أبرزها إعادة هيكلة ديون لبنان، وإعادة رسملة وهيكلة القطاع المصرفي، إلى جانب العديد من الإصلاحات الكفيلة باستعادة ثقة اللبنانيين والخارج. لكن يبقى الأهم وفق الخبيرة الإقتصادية، وهي كبيرة الاقتصاديين للشرق الأوسط لدى مصرف جفريز انترناشيونال، والمتمرسة بالعمل الاقتصادي بين المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية ومصرف باركليز والبنك الدولي في واشنطن وصندوق التنمية الإقتصادية والاجتماعية ومصرف لبنان، أن يتم تطبيق البرنامج المتكامل من الإصلاحات بزخم استثنائي وجدية مطلقة والإستعانة بكفاءات عالية جداً.

وللإطلاع عن كثب على واقع الأزمة الحالية وكيفية الخروج منها، كان لـ"المدن" مع المبيّض هذا الحوار:

1- كيف يمكن للاقتصاد اللبناني استعادة ثقة المجتمع الدولي مجدّداً؟
الاقتصاد اللبناني بحاجة ماسة لاستعادة ثقة اللبنانيين أولاً، أينما كانوا في الداخل أو في الإغتراب، كمدخل لاستعادة ثقة المجتمع الدولي. فبعد الإخفاقات المتكررة للحكومات المنصرمة في معالجة الإختلالات الماكرو-اقتصادية المزمنة والدين المتراكم وعجز الكهرباء، واستشراء الفساد، فقدت الدولة اللبنانية مصداقيتها تجاه اللبنانيين والمجتمع الدولي على حد سواء، إن على صعيد المانحين أو الأسواق المالية. فهذه الإخفاقات المتتالية أوصلت لبنان لوضع خطير جداً حيث يواجه اليوم عدة أزمات متزامنة، على مستوى ميزان المدفوعات، أزمة مالية ومصرفية، وأزمة نقدية تنعكس انكماشاً حاداً في الاقتصاد الحقيقي، مما يتطلب خفض الدين العام ومعالجة خسائر مصرف لبنان المتراكمة، وضخ حجم كبير من السيولة.

استعادة الثقة تتطلب المبادرة فوراً لمصارحة الناس بحجم الأزمة، والشروع فوراً بوقف النزيف الحاصل عبر تطبيق برنامج متكامل من الإصلاحات يهدف إلى الإستقرار والنهوض الاقتصادي والاجتماعي، على أن يتم تطبيقه بزخم استثنائي وجدية مطلقة، وتمكين فريق عمل ذات كفاءة عالية جدا ليقوم بذلك. لا أظن أن الأمر سيكون بهذه السهولة، لكن ليس ذلك بالأمرالمستحيل. ولذا، يجب علينا الإنكباب على العمل وعدم تفويت الفرصة لاستعادة ثقة اللبنانيين بالاقتصاد اللبناني.

2- ما هي برأيك المقاربات التي من شأنها مواجهة الأزمة الإقتصادية المالية والنقدية في لبنان؟
أي مقاربة لمواجهة الأزمة الحالية عليها برأيي أن تنطلق من مبدأ أن المخاطر الاقتصادية والمالية والنقدية المحدقة بلبنان اليوم تتهدد أمنه القومي، نظراً للتداعيات الأمنية لتأزم الأوضاع. وبالتالي فيجب الإبتعاد عن سياسة تضميد الجروح، وأنصاف الحلول التي يمكن أن تبقينا لسنوات أو عقود طويلة في حالة من الاهتراء والموت البطيء، التي تضعف امكانياتنا للنمو الاقتصادي في المستقبل.

فلبنان، وفقاً للتقديرات المتداولة، قد يحتاج على مدى السنوات الثلاثة المقبلة إلى ما لا يقل عن 50 مليار دولار، لسد حاجاته التمويلية، بما فيها كلفة تقويم الوضعية السلبية بالعملات الأجنبية لمصرف لبنان، لرسملة القطاع المصرفي بعد إعادة هيكلة الدين، بشكل يضع الأخيرعلى مسار مستدام، ولرفد الاقتصاد بالسيولة اللازمة لتمويل النمو. هذا رقم كبير جداً. ولذلك، تتطلب المرحلة المقبلة مقاربات استراتيجية للأزمة الاقتصادية، تكون شاملة ولا تغفل الأبعاد الاجتماعية والأمنية للتقهقر المالي والاقتصادي من جهة، وتتعاطى مع المجتمع الدولي لبناء شراكة نوعية لمساعدة لبنان، آخذة بعين الاعتبار الواقع الجيوسياسي والتغيرات الإقليمية والدولية من جهة أخرى.

3- ما هي الإصلاحات الأساسية التي على الحكومة المقبلة أن تضعها في سلم أولوياتها؟
من الأهمية بمكان أن تعلن الحكومة المقبلة حالة طوارىء اقتصادية فوراً، وأن تعمل على مستويين إثنين:

المستوى الأول:وقف النزيف. وذلك عبر (1) قوننة القيود على رأس المال بشكل أن تكون شاملة (comprehensive) وغير استنسابية، ويتم تطبيقها بصرامة شديدة وعبر آلية شفافة، (2) حماية الإحتياطي المتبقي من العملات الأجنبية وإدارته بطريقة استراتيجية وفق أولويات تدعم القطاعات المصدرة، أو التي توظف عدداً كبيراً من المواطنين أي بشكل يسمح بالتخفيف من حدّة الأزمة قدرالإمكان، (3) إنشاء خلية إدارة الأزمة من ذوي الكفاءة ملمين بالواقع اللبناني ولديهم الخبرة في التعاطي مع المؤسسات الدولية والأسواق المالية، و(4) فتح قنوات الاتصال مع المجتمع الدولي لتأمين تمويل استثنائي لرفد القطاع الخاص بالسيولة، والحد من إفلاس الشركات وخسارة الوظائف للبنانيين واللبنانيات، وذلك بالتوازي مع بدء تطبيق الإصلاحات.

أما المستوى الثاني فهو -التصحيح وإعادة الهيكلة- عبر تنفيذ برنامج متكامل للاستقرار والنهوض الإقتصادي والاجتماعي يسمح باستعادة النمو وخلق الوظائف بدل تدبيرها، تكون ركائزه التالية:

1. تحقيق فوائض أولية سنوية في الموازنة على مدى ثلاث إلى خمس سنوات عبر مجموعة من الإجراءات تهدف الى ترشيد الإنفاق وزيادة فعاليته ولاسيما خفض الدعم الى مؤسسة كهرباء لبنان وإعادة هيكلة القطاع العام، وزيادة الإيرادات عبر وقف التهرب الضريبي وسياسات ضريبية أكثر عدالة تشجع النشاطات الانتاجية وليس الريع.

2. إعادة هيكلة شاملة للدين بما يشمل معالجة الوضعية السلبية لمصرف لبنان بالعملات الأجنبية، لتستهدف مستوى دين عام إجمالي  يناهز 60-70 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي بنهاية هذا العقد، وبشكل يحمل الأعباء بشكل عادل لمساهمي المصارف وكبار المودعين ويحمي صغار المودعين.

3. إعادة رسملة وهيكلة للقطاع المصرفي لكي يكون (بميزانيته النظيفة وحجمه المناسب الجديد) رافعة لإعادة تمويل القطاعات الإنتاجية ولاستعادة النمو الاقتصادي.

4. توسيع شبكة الأمان الإجتماعي وتحسين استهدافها للمتضررين من الأزمة، بهدف التقليل من حدة زيادة الفقر والتسرب المدرسي الذي سينجم عن التضخم وزيادة العاطلين عن العمل.

5. رفد مؤسسات القطاع الخاص بالتمويل الضروري لاستمرارها، وإعادة هيكلة الاقتصاد لتطوير قطاعات جديدة وذات قيمة مضافة عالية بعيداً عن النموذج القائم.

6. استعجال الإصلاحات الهيكلية والمؤسسية الهادفة لتحسين بيئة الأعمال وزيادة القطاعات الإنتاجية (قوانين استقلالية القضاء، الشراء العام، المنافسة...)

7. مراجعة جدوى السياسة النقدية والحالية لسعر الصرف بعد تطبيق الإصلاحات أعلاه.

من الأهمية بمكان أن تعمل الحكومة المقبلة بشكل سريع وموازي على هذين المستويين وإعداد تصور وطني للحل (Homegrown solution) لتأمين الدعم الدولي وفقا لأفضل الشروط. فكل يوم تأخير يزيد الأعباء والمخاطر ويراكم الخسائر. لذا، من الضروري البدء بمحاكاة المؤسسات المالية الدولية والإقليمية والمانحين الدوليين لاطلاعهم على نية الحكومة بالاصلاح الشامل وتطبيق سريع لبعض منها، كخطوة اولى لإعادة بناء الثقة وصياغة إطار جديد للشراكة معها.
(يتبع)

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها