الإثنين 2020/01/20

آخر تحديث: 00:14 (بيروت)

"نحكمُ البلد أو يحترق"!

الإثنين 2020/01/20
"نحكمُ البلد أو يحترق"!
قرّرت السلطة التعاطي بنهج "نحكم البلد على هوانا أو يحترق"! (علي لمع)
increase حجم الخط decrease

تعتقد المؤسسات المالية الدولية، أن لبنان ذاهب لا محالة إلى التوقف عن الدفع قبل حلول الفصل الثاني من 2020. وأن المسألة مسألة وقت كي يختار سبل معالجة مديونيته قبل الوصول إلى مندرجات D لدى وكالات التصنيف، التي تفصلنا عنها درجة واحدة. لذلك، بات العزم الذي أبدته الحكومة على سداد 1.2 مليار دولار أميركي دينًا سياديًا يستحق في آذار 2020 موضع سؤال. إذ أجدى، في الحال هذه، توفير العملات لتمويل شؤون ملحّة جدًا مثل المستلزمات الطبية للمستشفيات. لاسيما أن محاولة لبنان تمديد آجال الجزء المحلي من الاستحقاق وسداد الدائنين الأجانب فقط، لم يرق لبعض الوكالات واعتبره شكلًا من أشكال "العُسر الإنتقائي".

نحن في القاع الآن. عدا ذلك تفصيل. كتبنا مرة إن لبنان في حاجة إلى تصنيف سياسي قبل التصنيف السيادي والائتماني. كنا على خطأ كما يبدو. لقد بات التصنيف الأدقّ معرفة ما اذا كانت السلطة السياسية تتآمر على لبنان أو إنها فاقدة الأهلية في المطلق، وتحتاج إلى تصنيف إنساني. لبنان الذي عليه أن يختار سيناريوات السقوط المدوّي ما زال بلا حكومة. وهناك من يعتقد أن تأليف حكومة مستقلين واختصاصيين أوادم، تنكبّ على محاولة الإنقاذ وتومض بمجرد خيط من الثقة، قد يخفف من آلام الجلجلة. ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في ​لبنان​ يان كوبيتش عبّر عن دهشته في تغريدة أن "يوم آخر من الارتباك على تشكيل الحكومة، وسط احتجاجات متزايدة الغضب. السياسيون يجب أن يلوموا أنفسهم على هذه الفوضى الخطرة". كلام غير تقليدي لمبعوث أممي قُدّر له أن يشهد مهزلة حكم في بلد ينهار، وبدأت المجاعة تضرب شعبه، ويفتقر إلى مستلزمات الحياة الإنسانية، وما زالت قوى السلطة فيه تتنازع على نوع الوزارة وعدد الحقائب. هذا ليس انحطاطًا سياسيًا وأخلاقيًا فحسب، إنه كرنفال من الجنون أو المؤامرة العمد. في دول الرخاء الاقتصادي والرفاه الاجتماعي، لا يتقدم شأن على ملء الفراغ في المؤسسات الدستورية وهياكل الحكم. لا يدري الشعب كم كانت تكلفة عامين ونصف عام من الشغور في رئاسة الجمهورية. ولا تكلفة الشهور الثمانية ويزيد على تأليف الحكومة. قطعًا بمليارات الدولار الأميركي. لكن الأخطر الذي لا يشترى ولا يباع، تقويض الثقة بالدولة والحكم والمؤسسات.

تغيرت أوليات الهيكلة
لا يمكن أن نصدّق أن تمسك القوى التي كلّفت حسان دياب تأليف الحكومة مواربة بوزارت محددة كانت في حوزتهم، إلّا للتغطية على أفعالها في تلك الوزارات. وللاستمرار في سياسة خارجية لا تدفع أبدًا في اتجاه مساعدة لبنان في أزمته المالية والنقدية. وما كان ممكنًا في 2018 وبداية 2019 بات أصعب الآن. تعهدات سيدر في صيغتها التي أقرّت في 2018، قد تكون باتت وراءنا اليوم. التعهدات من طبيعة استثمارية على البنى التحتية. على أهميتها فحصَادها مرجأ سنوات ثلاثًا حدًا أدنى من تاريخ تنفيذ المشاريع المتصلة بها. ولم تقدّم مثل تلك التعهدات لدولة تواجه مخاطر التوقف عن الدفع. مع ذلك لم نتمكن من الحصول عليها بعد تسعة عشر شهرًا من إقرارها. فقط لأن الإصلاح لم يحصل بإعادة الهيكلة المالية والقطاعية. لبنان يحتاج اليوم إلى إعادة هيكلة ديونه واحدًا من الخيارات القسرية المطروحة. وإعادة هيكلة مصرف لبنان بذاته. وبالتالي قد يكون الدعم المطلوب من دول مؤتمر سيدر ووكالاته في المجالين المذكورين. بعد ذلك تأتي تعهدات التمويل الاستثماري في حال بقيت الدول المعنية عند التزاماتها. ولبنان يحتاج إلى حكومة موثوقة محليًا وعربيًا ودوليًا لوضع قدميه على البَرّ. بعد ذلك تبدأ معاناة الخروج من الأزمة.

"موازنة مستقلّة" عن الحكومة
رئيس مجلس النواب نبيه برّي مستعجل لعقد جلسة مناقشة مشروع قانون موازنة 2020 وإقراره قبل نهاية كانون الثاني. بيد أن المشروع أعدته حكومة مستقيلة. والحكومة التي لم تؤلف بعد لا يد لها فيه. كل حكومة جديدة ستكون الموازنة قضية رئيسة في جدول أعمالها، وجزءًا لا يتجزأ من رؤية الحكومة والحكم للإنقاذ. وسواءٌ كان صندوق النقد الدولي بين خيارات الحكومة أو غيرها لمعالجة المديونية، فالموازنة هذه غير الموازنات السابقة. تبقى التزامًا مهمًا لتعاطي الحكومة مع المؤسسات الدولية. فكيف ستلصق موازنة 2020 في وجه الحكومة الجديدة لتتبناها كما هي بعد إقرارها في مجلس النواب من دون تضمينها تصور هذه الحكومة للإنقاذ؟ وقد أتت لهذه المهمّة أساسًا. ولماذا استقلالها واختصاصها؟

عدنا إلى القضية نفسها. تفضّلوا دعوا رئيس الحكومة المكلّف تأليف الحكومة من مستقلين أولًا واختصاصيين ثانيًا. فقط لأن الاختصاصيين والخبراء التابعين لسدنة السلطة موجودون ويعرضون أنفسهم، ويقتتلون لبيع خدماتهم. الوزراء المستقلون نفتقد إليهم. وهم جديرون بفتح ملفات أسلافهم من قوى السلطة في الوزارات التي سيتسلمونها. الاختصاصيون المستتبعون لن يفعلوا ذلك. من حق مندوب الأمين العام للأمم المتحدة أن يُشده لتصرف الحكم والسلطة في لبنان تجاه أزمة السقوط المالي الكبير غير المسبوق. وأن يُفسّر كلامُه دعمًا غير مباشر لثورة الشعب اللبناني غير المسبوقة بدورها منذ مئة عام. وهي الضوء الوحيد في نهاية النفق. لا تزال السلطة ترفع من تكلفة علاوة المخاطر السياسية على لبنان وتشهد انهياره على يدها. كل التقارير التي صدرت عن وكالات التصنيف وصندوق النقد الدولي والمصرف الدولي والمؤسسات الاستثمارية بما في ذلك تلك التي تدير بعض الديون السيادية اللبنانية في الخارج، تحدثت في حينه عن الشغور في رئاسة الجمهورية. والشغور الحكومي بعد ذلك. ولم تنفكّ بعد استقالة حكومة سعد الحريري وتكليف دياب. ولا شيء تغير. لم يشهد لبنان ذلك على مرّ العهود.

ويبدو أن السلطة قرّرت التعاطي بنهج العنف المفرط مع ثورة الشعب اللبناني على طريقة "نحكم البلد على هوانا أو يحترق"! لو حصل سيكون خاتمة الحماقات والتنكّر للشعب والوطن. وقد يؤدي إلى عزل لبنان عربيًا ودوليًا واستدعاء الخارج هذه المرة لينقذ ما تبقّى. الغالبية الساحقة لم تعد تملك شيئًا للتحسّر عليه سوى الوطن والأمل في المستقبل.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها