newsأسرار المدن

اعتراض موظفي المصارف: الوقاحة الفاجرة لتغطية الفشل

خضر حسانالجمعة 2020/01/03
17 (1).jpg
جمعية المصارف تخوض المعركة ضد أصحاب الحقوق والناشطين بواسطة موظفيها (عباس سلمان)
حجم الخط
مشاركة عبر
يعيب مجلس اتحاد نقابات موظفي المصارف في لبنان على الشبّان والشابات، دخولهم إلى عدد من فروع المصارف، للضغط على إداراتها، لإعطاء أصحاب الحقوق أموالهم، التي فرضت المصارف عليها حصاراً يهدد وجودها.

واعتبر المجلس أن الدخول إلى المصارف بهذه الطريقة هو "اعتداء مباشر على القطاع المصرفي"، ووصف القطاع بأنه "قيمة وطنية". وزاد المجلس من مستوى الرفض، فأدخَلَ "هيبة الدولة" في المزاد الوطني، الذي باتت فيه هيبة الدولة شمّاعة لكل قضية، من أهمّها إلى أكثرها تفاهة، وأحياناً أكثرها بذاءة. إذ قرر المجلس أن الدولة "من واجباتها حماية كل المواطنين من كل متطاول على أمنهم وسلامتهم". نعم هو مطلب حق، لكن يراد به باطل، حين يريد المجلس وضع الدولة في وجه أصحاب الحقوق. وإذا كان المجلس حريصاً على هيبة الدولة، فعليه أن يقبل تدخّل الدولة لمحاسبة القطاع المصرفي على أسره أموال المودعين والتصرف بها بطريقة تضر بقيمتها وبحقوق أصحابها.

حق لا فوضى
أعاد ثوّار 17 تشرين الأول بعضاً من الأمل لأصحاب الحقوق في المصارف، عبر دخولهم الى بعض الفروع لإجبارها على دفع الأموال لأصحابها. فالدولة بأجهزتها القضائية والسياسية تتماهى مع السلطة الاقتصادية المسؤولة عن ضياع الأموال، لذا، لا تتدخّل ولا تبالي بقرارات جمعية المصارف حجز أموال المودعين، تحت مُسمّى سقوف السحب اليومية والاسبوعية والشهرية، وهي إجراءات غير قانونية.

تنصاع المصارف لضغط الثوار الذي استجابوا بتحركاتهم لصرخات أصحاب الحقوق، حين منعتهم المصارف من تحصيل حقوقهم، التي هي بأغلبها رواتب شهرية بالكاد تكفي لسد الحاجات الاساسية. لكن المجلس قارَبَ الصورة من زاوية مختلفة، فرأى أن دخول الثوار إلى المصارف "هجمات منظّمة"، ومطالبتهم إياها إعادة الأموال إلى أصحابها، هي "حالة من الفوضى لن تُخفف من معاناة المودعين". لكن المجلس يتناسى أن ما يقوم به الثوار هو حق لا فوضى. وجزء أصيل من حقوق الاعتراض المدني وأشكاله. وهذا التدخّل يخفف غضب أصحاب الحقوق لأن هناك من يستردّ حقوقهم بالقوة في ظل غياب الدولة.

وأبعد من ذلك، على المجلس أن يشكر الثوار لأنهم عادة ما يدخلون مجموعة صغيرة إلى المصارف، فإذا تُرِكَت الناس على سجيّتها، لأكَلَت المصارف وأصحابها وسَنَدِها السياسي. كما أن صاحب الحق لن يرضى المساومة مع أحد على حقه، في حين أن الثوار قد يتفاوضون مع المصارف على أعلى سقف يمكن أن يستفيد منه أصحاب الحقوق. أي من الممكن ترك مساحة لإجراءات المصارف وقراراتها الجائرة.

حاوَلَ المجلس إبقاء اعتراضاته ضمن حدود الاعتراف بحقوق المودعين، والتركيز على استهدَفَ الثوار، انطلاقاً من أنهم يضرّون بمصلحة المودعين الذين عليهم فقط "الاعتراض حسب القوانين المرعية الاجراء على هذه التدابير الاستثنائية التي اتخذتها إدارات المصارف مؤقتاً حفاظاً على استمرارية عمل القطاع المصرفي وتفادياً من السقوط في المحظور".. ونِعمَ "التدابير" التي تعاقِب المظلوم على خطيئة اقترفها الجاني!

معركة بالوكالة
تصعيد الموقف من قِبَل المجلس، يحمل في ظاهره خوفاً على الذات من الثوار وأصحاب الحقوق. لكن في الحقيقة، التصعيد هو حربٌ بالوكالة عن أصحاب المصارف وكبار الموظفين. وهو معركة جديدة ضمن حرب طويلة ضد أصحاب الحقوق، لإخفاء مسؤولية المصارف التي لا تستطيع خوض المعركة باسمها مباشرةً. فذلك سيستدعي فتح الباب على مصراعيه ضد المصارف. وعليه، خوض الحرب بالموظفين، أسهل. والحجّة هي الخوف الأمني.

ليست المرة الأولى التي تلجأ المصارف لاستعمال الموظفين متراساً في حربها. فبعد إقفال أبوابها تزامناً مع انطلاق التظاهرات في 17 تشرين الأول، وتهريبها مليارات كبار المودعين من رجال أعمال وسياسيين وقضاة وضباط وغيرهم، لم يعد بامكان المصارف تحمل تبعات إعلانها الإقفال، فتُقفل بحجة أمن الموظفين. وهو ما فعلته سابقاً بهدف ضبط الوضع وتخويف أصحاب المودعين وابتزازهم، بأن لجوءهم للقوة سيعني التضييق أكثر على أموالهم. فضلاً عن أن الإضراب، أي إقفال أبواب المصارف، يُكسب المصارف وقتاً لانعاش نفسها واطالة أمد التصرّف بما تبقى من دولار موجود في خزائنها.

هذه المعركة التي يتبجّح بها الموظفون، ستنقلب عليهم حين تبدأ المصارف التضييق على رواتبهم وتقديماتهم. وحينها، هل سيُعيبون على أنفسهم رفع الصوت، وربما تكسير محتويات المصارف؟

أيها الموظّفون، لقمة العيش لا تعرف بروتوكولات وقوانين ونظريات. لقمة العيش لا تعرف سوى الحق. أما خوض المعارك بالوكالة، فهو انتصار للباطل في وجه الحق. والأجدى بالمجلس الاعتراف بأن المصارف فشلت، وأن وقوف الموظفين في صف المصارف ضد المودعين، هو تغطية فاشلة للفشل.

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

تابعنا عبر مواقع التواصل الإجتماعي

  • image
  • image
  • image
  • image
  • image
subscribe

إشترك في النشرة الإخبارية ليصلك كل جديد

اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث