ويستند وزني أيضاً إلى المؤشرات الإيجابية التي أطلقتها الوكالة نفسها، إذ أكدت أنه برغم ضعف تدفقات العملة الأجنبية، من المتوقع أن تحقق حكومة لبنان بعض التقدم بشأن الإصلاحات في الأجل القصير لتحسين ثقة المستثمرين. وتوقعت الوكالة أن يبقى النمو في لبنان ضعيفاً، على أن يتحسن تدريجياً ليقارب معدل 2.2 بالمئة في العام 2022. كما أكدت الوكالة قدرة لبنان على سداد استحقاقاته في العامين المقبلين على الأقل، وهو ما عزز إبقاء الوكالة لتصنيف لبنان عند معدل B- ولم تخفّضه كما فعلت وكالتا فيتش وموديز.
محاولة للتغيير
أخذت وكالة ستاندر أند بورز على عاتقها تصديق جهود الطبقة السياسية الرامية لإجراء إصلاحات جدية، فأبقت على تصنيفها للبنان ولم تخفّضه. لكن يبدو أن سعي السلطة لم يكن مقنعاً للوكالة، كما أن "تسارع وتيرة السحب من الاحتياطي واستمرار انخفاض تدفقات ودائع العملاء، استدعى الإنتباه إلى وجود خطر على "قدرة البلاد على الحفاظ على ربط العملة بالدولار"، والانتباه المستجد يعني سحب وكالة التصنيف يدها من إعطاء لبنان فرصة للخروج من أزمته وتغيير معدلات تصنيفه بعد نحو 6 أشهر، فالفرصة الوحيدة كانت إبقاء التصنيف على ما كان عليه، وبالتالي الإبقاء على بصيص أمل قد يتلاشى خلال الأشهر المقبلة.
وعليه، فإن الأشهر الست المقبلة هي مرحلة مفصلية بالنسبة للاقتصاد ومالية الدولة. ولأنها كذلك، يعمل مصرف لبنان بحسب مصادر داخله، على "حث المصارف التجارية على استقطاب العملات الأجنبية وإيداعها في المصرف المركزي لمدة لا تقل عن 3 سنوات، لقاء فوائد مرتفعة. وهو ما يعزز الاحتياطي الأجنبي". كما تشير المصادر إلى "إمكانية تعزيز احتياطي المركزي عن طريق استثمار سعودي بقيمة مليار دولار وآخر إماراتي بمبلغ مماثل. لكن من غير المعروف إذا ما سيكون الاستثمار وديعة مصرفية أم شراء لسندات يوروبوند. لكن في الحالتين فإن الاستثمار يحسّن وضعية المصرف المركزي".
عدم ثقة
قد تكون محاولات التغيير لانتشال الاقتصاد ومالية الدولة من أزمتهما، مدخلاً إلى الإصلاح. لكن ذلك يصح فيما لو كانت المحاولات صحيحة وبطرق علمية. وفي الواقع، ما تفعله السلطة السياسية هو البحث عن توليفة تشي بالإصلاح وتحافظ على المكتسبات. وهما هدفان لا يجتمعان في الظروف الراهنة، مهما كثرت التصريحات السياسية. فالعقود الثلاثة التي مضت على تشعّب الأزمة السياسية والاقتصادية، لن تُحل كما يتصور رئيس الجمهورية ميشال عون، الذي يعتقد أن لبنان سيخرج من الأزمة الاقتصادية الراهنة بعد اعتماد إجراءات "الحد من التضخم الوظيفي ومن المساعدات غير المنتجة وسلفات الخزينة غير المبررة وغيرها". كما لن يساعد العمل القائم "لخفض العجز في فاتورة الطاقة، وبدء التنقيب عن النفط والغاز في أواخر السنة الجارية"، لأن أرضية تحقيق هذه الأمور غير متوفرة، لا سياسياً ولا اقتصادياً. إذ أن عون يقر بعجز الاعتماد على سياسة الاقتصاد الريعي. لكن هل هناك إمكانية سريعة لنقل الاقتصاد من ريعي إلى انتاجي؟.
ليس من السهل الحديث عن تحويل طبيعة الاقتصاد خلال 6 أشهر. وفي الحالة اللبنانية، ليس الأمر منظوراً خلال 10 سنوات. وهذا ما تلحظه وكالات التصنيف والمجتمع الدولي، اللذان يعبّران عن عدم الثقة تجاه الإجراءات التي تتخذها السلطة السياسية تحت مسمى الإصلاح.
ومع ذلك، لم يتجه المجتمع الدولي إلى التخلي عن لبنان، وتحديداً عبر التراجع عن دفع الأموال المتفق عليها في مؤتمر سيدر، إذ أكد المبعوث الفرنسي المكلف متابعة تنفيذ مقررات مؤتمر "سيدر" بيار دوكان، التزام المجتمع الدولي بسيدر، لكن هناك قرارات "يجب أن تؤخذ بسرعة لإقناع المجتمع الدولي واللبنانيين". أي ان الثقة على المحك بانتظار ما ستعتمده الحكومة، بدءاً من إقرار موازنة العام 2020.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها