الإثنين 2019/08/26

آخر تحديث: 10:12 (بيروت)

الوقت يدهم لا مجال للمواربة

الإثنين 2019/08/26
الوقت يدهم لا مجال للمواربة
حيازات الدولة وكياناتها الاستثمارية خاضعة لاقتسام المغانم السياسية والاستحصاص الطائفي (علي علّوش)
increase حجم الخط decrease
لو جاء العدوان الصهيوني على لبنان الذي استهدف الضاحية الجنوبية بالطائرات المسيّرة قبل "فترة السماح السياسي" التي ستعلن بعدها وكالة ستاندرد أند بورز تصنيف لبنان السيادي، لاكتمل عِقدُ الضغوط المالية على لبنان من درجة CCC في سُلّم المخاطر عن السداد، والحذر الشديد على الاستثمار من الوكالات الثلاثة الرئيسة في العالم من أصل أكثر من 145 وكالة مماثلة أقل أهمية. موديز وفيتش بالإضافة الى ستاندرد اند بورز. علمًا، أن تصنيفين في الاتجاه نفسه تتلقفهما الأسواق لتحديد موقفها من أوراق الدين الدولية. 

قبل أن نسأل وكالات التصنيف الدولية، نسأل ذواتنا بعد أن أذُنت ساعة الحساب، ما إذا كان سدنة الحكم والسلطة في وطننا الذين نفخوا كرة النار، ودفعوا بالأزمة المالية والاقتصادية والاجتماعية الى حدّ الانفجار، قد استوعبوا جسامة المرحلة الخطيرة التي أوصلوا اليها البلاد والعباد؟ لو صحّ الظنّ، فالبلد ليس مفلسًا. والخروج من نفق الأزمة ليس مستحيلًا. والحلول مرمى النظر وطوع اليد، وليست في حاجة الى "حكماء وكالات التصنيف وخبثائها". ولا الى أموال سيدر وماكينزي أند كومباني. 

الجدارة السياسية
نبدأ تراتبًا بالضرورة. تصنيف جدارة الحكم السياسية. إحترام الدستور والقوانين. إعمال نهج المؤسسات وركائز الدولة الصلبة في الادارة والرقابة والمحاسبة. وهي بالضرورة سلسلة مترابطة تقود الى التصدي للفساد السياسي والاداري، واستغلال النفوذ للتربح من الدولة، والى الشفافية وآخر مدونة الخُلق الحميد. راجعوا تقارير وكالات التصنيف بدلًا من استرحامها لتلطيف التصنيف أو إرجائه، ستجدوا أن ركيزة التصنيف في ضعف الحوكمة والمؤسسات وغياب الشفافية في الدرجة الأولى. ألا يعني كل ذلك الجدارة السياسية لأهل الحكم والسلطة؟ تشكك الوكالات في الوصول الى 7.6 في المئة عجزًا في موازنة 2019، لأن خطة الحكومة غير موثوقة للقيام بالاصلاحات المطلوبة. هل ينفصل الأمر عن أزمة ثقة حقيقية بين الحاكم وبين المواطن؟ "من المرجح أن يظل المودعون غير المقيمين، والمستثمرون الأجانب حذرين في لبنان، ما لم تكن الحكومة قادرة على التغلب على الخلافات السياسية وتنفيذ الاصلاحات الهيكلية لجسر الفجوة الكبيرة في الموازنة وتحسين النشاط التجاري"، ذكر تقرير ستاندرد أند بورز. تتطابق الرؤية مع ما أورده تقرير فيتش. وموديز من قبل. ننتزع الحذر ونقلب المسار بتحسين تصنيف الجدارة السياسية. هل كنا ننتظر تقارير الوكالات لنعي الأمر؟ 

المال موفور!
نأتي الى المال. نسمع من جديد في صدد التحضير لموازنة 2020 عن "اجراءات موجعة" و"تضحيات". المال ماثل للعيان وموفور. وحق طبيعي من حقوق الدولة. لكنه ليس في تصرفها ولا في الخزانة العامة والموازنات السنوية. وممنوع على الدولة والمواطن، عنوةً وكيدًا وفجورًا. كل التقارير المحلية والدولية تؤكد الفاقد الضريبي جرّاء التجاوزات الجمركية والتهريب بنحو 5 مليارات دولار أميركي سنويا. هذا كافٍ لموازنة من دون عجز ولتوازن وفائض. أمّا حيازات الدولة، وكياناتها الاستثمارية فخاضعة ماليا وادرايا لاقتسام المغانم السياسية والاستحصاص الفئوي والطائفي. الأملاك البحرية والبرية الموضوعة اليد عليها ليست للناس البسطاء والمواطنين. هل على وكالات التصنيف أن ترشدنا الى المكان الصحّ لاستعادة حقوق الدولة؟ لماذا الثرثرة والاستخفاف بعقولنا؟  

تقرر عقد اجتماعات برئاسة رئيس الجمهورية ميشال عون ورؤساء أحزاب السلطة، ومن خارجها، وعلى مستوى الخبراء لاتخاذ اجراءت سريعة لعلاج الأزمة. العلاج بات معروفا. وجنس الملائكة أيضا. ما يستطيع الرئيس فعله ولا يستطيع غيره، هو تحسين تصنيف الجدارة السياسية وتوجيه "الفتى الأغرّ" رئيس "التيار الوطني الحرّ" أن يكفّ عن استحضار الأحقاد الاستفزازية التي ينهجها، وتزرع الشقاق في بنية المجتمع، وتستدعي ردودا تسمم المناخ السياسي وتعرقل عمل مجلس الوزراء. لا حاجة الى قوانين ضرائبية جديدة. القوانين موجودة. العفو يصدر مرة واحدة لحالة واحدة. تكرار العفو عن غرامات التأخير للمتخلفين عن سداد الضرائب، والمتهربين منها، وعن أصحاب التصاريح المزيفة للمكلفين وسواها من الأساليب التي باتت معروفة، إنما عقاب للمكلفين الذين يمتثلون للقوانين. ومكافأة للمتجاوزين. لتطبقّ قرارات مجلس الوزراء ومجلس الدفاع الأعلى لضبط المعابر مع سوريا ووقف التهريب. الحال نفسها في قوانين المحاسبة العامة والشفافية والتفتيش. المناقصات العامة من خلال ادارة المناقصات لا تتجاوز 15 في المئة. الاجتماعات المقررة عليها الحسم في هذه الأمور. وفترة الشهور الستة سماحًا، تكفي للشروع في ذلك وتحضير موازنة 2020 بحسب الدستور واقرارها في مجلس النواب. وتسريع تنفيذ خطة الكهرباء بشفافية وجودة، وحسم ملفات النفايات بالطريقة نفسها.

إشارات سوق القطع
لا يمكن تغيير المسار من دون استعادة الثقة. الاشارات التي بدأت في سوق القطع ليست مطمئنة ولا يبددها سوى الثقة، طالما أن الودائع بالعملات الأجنبية فوق 71 في المئة من الودائع الاجمالية. ومصرف لبنان القادر على تأمين فاتورة الاستيراد لفترة سنة بحسب وكالات التصنيف، والدفاع عن سعر الصرف، سيكون عليه في تشرين الثاني 2019 سداد استحقاقات ديون سيادية من اليوروبوندز بواقع مليارين ونصف مليار دولار أميركي، لتبلغ حصيلة أعبائه من تغطية الديون الخارجية هذه السنة نحو 5.5 مليارات دولار أميركي. المشكلة التي نواجهها مع عجز ميزان المدفوعات اضطرار مصرف لبنان الى سداد أصل الدين والفوائد معًا حين استحقاقها. وليس الفوائد فحسب كما كان يحصل في الغالب خلال سنوات سابقة. بينما يتعسّر الاعلان عن إصدارات جديدة باليوروبوندز تمكنه من زيادة خزينه من العملات الأجنبية، واجراء مقاصة مع وزارة المال في مقابل الليرة اللبنانية. وهي العملة الرسمية بموجب قانون والتسليف. التحول نحو الدولار الأميركي في المبيعات والتجارة لاسيما التجزئة منها يخلق فوضى في السوق. اذا كان التسعير بالدولار الأميركي والدفع بالليرة، لا يجوز التربح من المستهلك بسعر الصرف على مزاج التاجر ومن البيع في وقت واحد. 

العوامل الجيوسياسية عادت الى التوتر من جديد بعد العدوان الصهيوني على الضاحية الجنوبية، وقوسايا في البقاع. وليس بالضرورة أن تؤدي الى انقسام سياسي يحول دون الشروع في الاصلاحات المالية والدفع بمشاريع البنية التحتية. في صرف النظر عن جدوى بقاء قوات الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة في قوسايا والناعمة عقودًا. ولا بدّ من جبه هذا الواقع باستراتيجيا دفاعية وطنية ينخرط فيها كل الشعب اللبناني بقرار الدولة السياسي. ركيزتها الجيش اللبناني والقوى الأمنية و"حزب الله" ركنٌ فيها، طالما يمثل كتلة شعبية كبيرة وتمثيلًا في الحكم والحكومة. الوقت يدهم ولا مجال للمواربة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها