الإثنين 2019/08/19

آخر تحديث: 01:18 (بيروت)

مَهمّة الرئيس بعد الإختراق السياسي

الإثنين 2019/08/19
مَهمّة الرئيس بعد الإختراق السياسي
عاد رئيس الجمهورية إلى لعب دوره الطبيعي في التوازن السياسي في البلاد.. فهل يستمر؟ (دالاتي ونهرا)
increase حجم الخط decrease

أكدّ رئيس الجمهورية ميشال عون المضيّ في تنفيذ قرارات اجتماع بعبدا المالية والاقتصادية التي عقِبت لقاء "المصارحة والمصالحة" في أحداث قبرشمون – البساتين. الأجواء السياسية و"النوايا الحسنة" التي أشاعها اللقاء وكان البلد في حاجة ماسة إليها، تستدعي ترجمة صادقة وسريعة في مجلس الوزراء الذي يجب أن ينعقد اليوم قبل الغد.

إختبار الجدارة السياسية
التعيينات الملحًة في المجلس الدستوري والقضاء ومصرف لبنان والنيابة العامة التمييزية وغيرها الكثير، هي الإختبار الأول للجدارة السياسية للحكم والحكومة بعد الإنفراج السياسي. ولاستشعار المسؤول مسؤوليته، وإرادته للتحكم بغرائزه السياسية والشخصية، وتجاوزه التزمت الحزبي الضيق. الجدارة السياسية هنا هي تصنيف الدولة السيادي الحقيقي. لا شأن لموديز، وستاندرد أند بورز، وفيتش ووكالات التصنيف الدولية في هذا الشأن. العكس صحيح، الجدارة السيادية صناعة وطنية لتأكيد الحاكم أهليته بالحكم. ولا يكون ذلك من خارج منطوق الدستور والقوانين والمؤسسات. نتوجسّ منذ فترة نتائج تصنيف لبنان السيادي المتوقع صدوره عن ستاندرد أند بورز. كل التقارير التي صدرت عن الوكالة المذكورة وغيرها من الوكالات، بنت تصنيفاتها في المقام الأول على هشاشة الحكم والمؤسسات في لبنان. تصنيف المصارف الائتماني بني على القاعدة نفسها. ولو كانت شركات القطاع الخاص والمؤسسات الكبيرة فرادى خاضعة لتلك التصنيفات عفوًا، أو بطلب منها على غرار ما يحصل في الدول المتقدمة، لما جاءت تصنيفاتها بأفضل من تصنيف الدولة السيادي.

العقلية العصبوية
بعد لقاء بعبدا والاجتماع المالي، سمعنا من الصفوف الخلفية لبعض أحزاب السلطة وتياراتها، ما لا يشي بأن التعيينات المرجأة في مراكز قيادية ستعبر بسهولة في مجلس الوزراء. وكأن الأسماء التي ستسقط على هوى القوى السياسية هي القضية، وليس إداء تلك المؤسسات وتفاعلها مع إصلاح هيكلي وقطاعي لا مجال لتجاهله بعد، كي تتمكن الحكومة من الحصول على تعهدات سيدر، للشروع في مرحلة إعمار البنية التحتية وتطويرها.

كنا ولا نزال، نضيق ذرعًا بتقسيم مراكز الفئة الأولى في الدولة مناصفة بين الطوائف كما لحظها الدستور. امتدّت اليد إلى الدستور ببدعة استئثار هذه الطائفة أو تلك بوزارات معيّنة وبمراكز أخرى في القطاع العام. ويراد أيضاً تعميم المناصفة على وظائف الدولة الدنيا بصرف النظر عن الكفاية والأهلية. الناجحون في امتحانات مجلس الخدمة المدنية مثالًا. علمًا، أن التوازن الطائفي في نتائج امتحانات المجلس ليس مضمونًا في الضرورة وليس مطلوبًا في الأساس. ولا يمكن أن تبنى دولة بهذه العقلية العصبوية الجاهلة. ولو صحّت تلك القاعدة إنما تؤذن بتحويل كل المواطنين الأكفياء زبائن.

بعد أن رأَس عون "لقاء المصارحة والمصالحة" في بعبدا، ليتوج ما مهّد له رئيس مجلس النواب نبيه بري، ودعمه "حزب الله"، عاد رئيس الجمهورية إلى لعب دوره الطبيعي في التوازن السياسي في البلاد. وهو المؤتمن على الدستور وصاحب القسَم. ما فعله رئيس مجلس النواب بدا جزءًا من مسار بين "حزب الله" وبين الحزب التقدمي الاشتراكي. ومن شأن ذلك تيسير السبل لتنفيذ القرارات التي صدرت عن الاجتماع المالي والاقتصادي في بعبدا. وتسهيل مهمة رئيسي الجمهورية والحكومة للبدء بتصويب المسار الاقتصادي والمالي. ولنا أن نعتقد لو عادت الحواجز السياسية صدًا في وجه التعيينات، أن كل ما تمّ تحقيقه لاستئناف عمل المؤسسات عرضةٌ ليتبدّد والعودة الى المربّع الأول.

سياق تنموي للمشاريع
مشاريع إعمار البنية التحتية وصيانتها من نحو 20 مليار دولار أميركي. أي أكثر من 35 في المئة من الناتج المحلي. 10 مليارات منها تعهدات سيدر قروضًا ميسّرة، ونحو 800 مليون هبات وضمانات. الباقي جُلّه مأمولٌ من القطاع الخاص. لو هطلت علينا الأموال مدرارةً، لن تفي بالحاجة للخروج من الأزمة بلا إرادة سياسية، وإدارة كفية شفّافة لتنفيذ المشاريع. ذكرنا ذلك في مقالات سابقة. مشروع إعمار في هذا الحجم يجب أن يأتي في سياق توجه تنموي مغيّب من زمان عن النموذج الاقتصادي، المهجوس بالريوع والعجز المالي والفساد. وهذا النوع من المشاريع لا يعبر من دون قرار سياسي موحدّ مدعوم بثقة الرأي العام والمجتمع. ومن دون إصلاحات اقتصادية ومالية واجتماعية صلبة وعادلة. صلبة، لأنها تستدعي التنازل عن الامتيازات السياسية والتربّح من حقوق الدولة والمواطن. وعادلة، لأن العدل هو القوة. والقوة بلا عدالة اجتماعية عسفٌ وجورٌ وظلامة. مشكلتنا في النظام السياسي وصنوه نظام الريوع وتنقيد الاقتصاد والفساد، إنه يفتقر الى الفكر الاصلاحي والتنموي من أساسه. هو عدو هذا الفكر ومناوئ إيّاه وحَرون. ولو كان غير ذلك، لرأينا نمطًا مختلفًا من صراع قوى السلطة على التعيينات والقوانين، وصولًا الى العبث بتفسير الدستور على مقاسات السياسة في كل مرة يتطلب الأمر تعيينات. والمطلوب تعيينات من نوع آخر في الهيئات الناظمة لمرافق الخِدمات العامة الحيوية التي تعاني عجزًا ماليًا هائلًا ولا توفر الخِدمات. في مقدمها قطاع الكهرباء الذي لا يخلو تقرير دولي وتصنيفي للبنان من الإشارة الى مخاطره وسيئاته. ومطلوبة في مؤسسات الرقابة والمحاسبة والشفافية.

حشدُ المدخرات الوطنية
نريد تعهدات سيدر في السياق الذي ذكرنا. ونريد أموال القطاع الخاص كي يشترك في إعمار البنية التحتية. والأهم، كي يكون قاطرة لاستثمارات محلية وعربية وأجنبية من خارج تمويل الدولة والعجز المالي، لبقاء النظام السياسي في مسار اختراب البلد وتهجير شعبه وتفتيت نسيجه الاجتماعي. نحتاج إلى توجيه المدخرات الوطنية في مشاريع النمو والتنمية الاقتصادية والاجتماعية. المال موجود في لبنان. نحو 173 مليار دولار أميركي ودائع مصرفية. ويجب أن تتحين فرص التوظيف في البلد. السؤال كيف نستقطبها ونهيء البيئة الاستثمارية الملائمة لاستقطابها. وفي مقدمها البيئة السياسية وإعمال سلطة الدستور والقوانين والمؤسسات. وهذه البيئة هي التي تحمي في الوقت نفسه الحيازات العامة وأصولها، وحقوق الدولة والمواطن في مرحلة التزام المشاريع، من شطط القطاع الخاص، حؤولًا دون إفراغ المشاريع من قيمتها المضافة في حال استُرهنت المشاريع وتلزيمها لمراكز قوى سياسية أو لشركائها من الباطن والعنق لا فرق. القطاع الخاص لا يملك سجلًا ناصعًا من الشفافية يُحتذى. كيف يكمن أن نفهم أن يتمكن أصحاب المولدات الكهربائية من تأمين التيار حيث عجزت الدولة، وتفشل شركات مقدمي الخِدمات من القطاع الخاص في الكهرباء؟

الاختراق السياسي حصل كما هو. بقيت التعيينات والإختراق الاقتصادي. مهمة الرئيس على طاولة بيت الدين.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها