تتبع هذه الجهات الطبية أعلى معايير الجودة المعتمدة عالمياً، وهي قادرة على منافسة عدد كبير من المنتجات المستوردة داخل السوق اللبنانية وفي الأسواق العالمية. وتحظى تلك الجهات بإهتمام مراكز الأبحاث الطبية والجامعات في عدد من دول العالم. وعلى سبيل المثال لا الحصر، استضافت شركة بنتا للصناعات الدوائية، في نيسان الماضي، وفداً من رئاسة جامعة تينيسي الأميركية، بهدف "تعزيز الجهود البحثية الرامية إلى تطوير علاجات الأمراض المزمنة والمستعصية والعلاجات البيولوجية، وإلى توثيق التعاون الصناعي القائم حالياً بين الطرفين، ودور بنتا في تصنيع أدوية في الولايات المتحدة الأميركية بتكليف من جامعة تينيسي، للسوق الأميركية والعالمية.
إلاّ أن هذه النجاحات تبقى خارج اهتمام الدولة، التي لا تقوم بأي إجراءات فعلية لحماية الإنتاج الدوائي اللبناني، خصوصاً على مستوى المعاملة بالمثل مع الأدوية الآتية من الخارج. كما أن الجهات الرسمية لا تحث المستثمرين على دخول القطاع، ذلك أنها لا تدعم القطاع ليكون جاذباً للإستثمارات.
مبادرات غير كافية
اختتم وزير الصحة السابق، غسان حاصباني، ولايته في الوزارة بتسليط الضوء على جودة الصناعات الدوائية، عبر نفيه الشائعات التي دارت حول توزيع شركة أروان لأدوية منتهية الصلاحية في السوق اللبنانية. وتابَعَ الوزير الحالي جميل جبق محاولة إعطاء جرعات إضافية من الثقة لأهل القطاع، عبر جولات قام بها يوم الإثنين 24 حزيران، على عدد من مصانع الأدوية بدعوة من نقابة المصانع، بهدف "دعم الصناعة الدوائية الوطنية وتطويرها وتوسيع أفق عملها".
وفي السياق، أشار جبق إلى أن "سوق الدواء في لبنان يكلف سنوياً ملياراً و800 مليون دولار ويتوقع أن يكون في العام 2023 حسب دراسة شركة الإحصاءات فيتش، 2 مليار و400 مليون دولار"، لافتاً النظر إلى وجود "عيب في مكان ما". إذ أن نسبة مبيعات هذا القطاع في لبنان "تشكّل 3.5 في المئة". ولذلك، حسب جبق، "علينا رفع الدعم لهذه الشركات والمصانع كي تبيع الدواء في لبنان بنسبة 50 في المئة، وهكذا يكون دعم الصناعة اللبنانية".
الإضاءة على إنجازات القطاع لا تكفي للنهوض به، ولا يكفي أيضاً الاعتراف بالتقصير وضرورة زيادة الدعم. أما الشهادات الدولية حول فعالية الصناعة اللبنانية، فهي دليل على عقم السياسات التي تنتهجها الحكومات المتعاقبة، حيث تعترف الجهات الدولية بما لا تعترف به الحكومات. بل أن الأخيرة تعطي الضوء الأخضر لزيادة أرباح تجار الأدوية الذين يُغرقون السوق بأدوية مستوردة، دون التثبّت من فعاليتها وجودتها أو حتى من خلوّها من أي مواد ضارة. إذ لا يملك لبنان مختبراً مركزياً للتدقيق في الأدوية والمستحضرات الواردة. وهذا التراخي يعزز الفساد في هذا القطاع.
تجارة ورُشى
يستفيد تجار الأدوية من غياب دعم الدولة للصناعات الدوائية، ورقابتها على الأدوية الواردة، ليحققوا أرباحاً طائلة، بتواطؤ مع الكثير من الأطباء والصيادلة الذين يصفون أدوية معينة على حساب أدوية أخرى، بفعل رُشى وهدايا وتقديمات يعطيها الكثير من التجار للأطباء والصيادلة.
ويمكن تفادي هذا النوع من الفساد في حال تكامَل دور الإعلام مع دور الدولة "في تسليط الضوء على نجاحات المصانع اللبنانية التي حافظت على جودة الدواء"، حسب الصيدلاني حسن حجازي، الذي يشير في حديث لـ"المدن"، إلى "غياب ثقة اللبنانيين بالمنتج الدوائي اللبناني الذي يضم صناعة المواد الخام من جهة وتعبئة الأدوية من جهة أخرى". فاللبنانيون برأي حجازي "يعتمدون على الأدوية التي يصفها الطبيب أو ينصح بها الصيدلاني، ولا يعرفون شيئاً عن فعاليتها وجودتها". أما الحل، فيضعه حجازي بيد الدولة حصراً، التي عليها أن تبدأ "بمنع استيراد الأدوية التي لديها بديل في الصناعات اللبنانية، فهذا الإجراء يزيد حجم المبيعات ويخفّض أسعار الدواء اللبناني. وفي الوقت عينه، يجب الاهتمام رسمياً بالتسويق الخارجي للدواء اللبناني، وعدم اقتصار المسألة على التسويق الفردي الذي تقوم به الشركات، في الأردن والعراق ومصر".
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها