الأربعاء 2019/04/24

آخر تحديث: 00:15 (بيروت)

الحريري يعترف بالتقصير.. والمصارف تتباهى بنفسها

الأربعاء 2019/04/24
الحريري يعترف بالتقصير.. والمصارف تتباهى بنفسها
اعتبر سلامة أن المحافظة على سمعة لبنان تكون في إقرار المؤسسات الدولية بـ"حسن امتثال لبنان" (دالاتي ونهرا)
increase حجم الخط decrease
تغيّرت أشكال الحروب وآليات إخضاع الدول والمجتمعات عبر التاريخ. وبعد سباق التسلّح الذي كان سمة الحرب الباردة بين الاتحاد السوفياتي السابق والولايات المتحدة الأميركية، سادت الحرب الاقتصادية، كسلاح أقوى وأشد فتكاً وتأثيراً، وأقل كلفة من الحروب العسكرية، بالنسبة للدول الكبرى. أما سلاح الحرب الاقتصادية، فهو المصارف والمؤسسات المالية، وعلى رأسها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. وبالتأكيد، وجدت المصارف الخاصة حول العالم أساليبها المتعددة للسيطرة على اقتصادات الدول، حسب شكل التحالفات بين أقطاب السلطة وأقطاب المال في تلك الدول. ويُعتَبر لبنان أصدق مثال على شكل ونتائج تلك التحالفات.

واقع الإقتصاد اللبناني
يسجّل البنك الدولي أن معدل البطالة في لبنان وصل في العام 2018 إلى نسبة 25 في المئة، وتجاوزت نسبة البطالة لدى فئة الشباب حصراً، نسبة 36 في المئة. وأكد رئيس جمعية مصارف لبنان جوزيف طربيه، أن "الدين العام في لبنان يوازي 150 في المئة من الناتج المحلي"، وهذا الواقع، وضع لبنان "في مقدمة 11 دولة عربية مثقلة بديون فاقت نسبتها 50 في المئة من إجمالي الناتج المحلي لتلك الدول، وذلك وفق دراسة لصندوق النقد العربي للعام 2017".

ما يقدّم العزاء للاقتصاد اللبناني، هو أن حالته لا تختلف في جوهرها عن باقي الحالات العربية، وإن تفاوتت الأرقام. وبرأي طربيه، فإن ما تعانية الاقتصادات العربية "من أخطار مزمنة، نتجت عن سنوات من غياب التخطيط الصحيح، على الصعد المالية والإقتصادية. وأدى غياب التخطيط إلى أن معظم الاقتصادات العربية أصبحت تفتقر إلى التنويع الاقتصادي، ويعتمد بعضها بشكل كبير على قطاع واحد هو النفط او الغاز او الزراعة أو السياحة".

وحسب ما قاله طربيه، خلال حفل افتتاح المؤتمر المصرفي العربي لعام 2019، يوم الثلاثاء 23 نيسان، تحت عنوان "الإصلاحات الاقتصادية والحوكمة"، فقد "أدى ذلك إلى تأثر الاقتصادات العربية بالصدمات الاقتصادية والمالية العالمية وتراجعت إيراداتها. واضطرت بعض الدول العربية إلى الاستدانة، ما رتّب ديوناً كبيرة عليها، على نحو أصبح من الصعب، إن لم يكن من المستحيل تسديدها".

اعتراف بالعجز
امتزجت التصريحات السياسية بالاقتصادية خلال افتتاح المؤتمر. تداخلت الكلمات والمواقف حدَّ التناقض. ولم تُسعف العبارات أصحابها لشرح معانيها وتدارك مفاعيلها، لجهة تحميل مسؤولية العجز والفشل السياسي والاقتصادي إلى الحكومات المتعاقبة، أي إلى الطبقة السياسية المسيطرة على البلاد منذ العام 1992.

فلم يجد رئيس الحكومة سعد الحريري حرجاً في تحميل المسؤولية لـ"الدولة"، والتي برأيه "لم تقم بالإصلاحات التي كان يجب أن تقوم بها". ولتدعيم وجهة نظره، استند الحريري إلى إصلاحات مؤتمر باريس 2، حين "قامت المصارف بواجبها بإعطاء لبنان المبلغ المطلوب، والدولة أخذت مبلغ 10 مليار (دولار) ولم تقم بالإصلاحات". وعلّق الحريري وساماً على صدر المصارف بقوله "المصارف التي حمت لبنان لم تقصّر".

لم يراجع الحريري، حتماً، أبعاد كلمته. فتياره السياسي يمثّل "الدولة"، مع باقي أقطاب السلطة. والحريري نفسه يمثّل السلطة التنفيذية لتلك الدولة. وعليه، فإن رمي المسؤولية على "الدولة" بوصفها كياناً منفصلاً عن القوى السياسية الحاكمة، أو بوصفها فاعلاً مجهول الهوية، هو تهرّب من المسؤولية، لكنه في الوقت عينه اعتراف بوجود أزمة لم تجد لها الأجهزة الرقابية المختصة حلاً، وهذا يُعيد أصابع الاتهام إلى القوى السياسية، ومن ضمنها الحريري وتياره.

وأمام نأي الحريري بنفسه عن "الدولة"، يصبح من الضروري التساؤل، هل هذا الكلام هو إقرار بهدر الأموال، وتفاؤل بأن الحكومة الحالية ستضع حداً للمشكلات الاقتصادية، من جهة، ومن جهة أخرى هو إقرار ضمني بتصفير حسابات الهدر السابقة؟

واللافت، أن طربيه انتقد أداء السلطة السياسية، بشكل غير مباشر، حين جعل "غياب الحياة السياسية الصحيحة وانتشار ثقافة الخوف، من الأسباب التي أوصلتنا إلى ما نحن عليه من وضع مأساوي، وانهيار للطبقة الوسطى، والتي تعتبر من أهم التحديات التي تواجه مجتمعاتنا العربية".

مدحٌ وجائزة
رحّبت المصارف بثناء الحريري على دورها، لكنها سبقت كلامه باعتراف منشور على الموقع الإلكتروني لجمعية مصارف لبنان، تقول فيه أن "المصارف لا تزال مهيمنة على النظام المالي للبلاد، باعتبارها المموّل الأكبر للأفراد والمؤسسات".

يحمل هذا الاعتراف، مع إقرار الحريري بالعرفان للجَميل الذي قدّمته المصارف، تمجيداً للذات المصرفية وتحقيراً للدولة، بما تمثّله من إحتكار للهيمنة على كل مفاصلها. لكن تحليل القوة الحقيقية للمصارف ودورها المالي والاقتصادي والسياسي في الواقع، يُترجم ما كُتِب على الموقع الإلكتروني.

ويستمر مسلسل امتداح الذات المصرفية، وتأكيد السيطرة على الدولة، مع كلام حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، الذي كُرِّم في الحفل بجائزة من اتحاد المصارف العربية باعتباره "أفضل حاكم بنك مركزي عربي". إذ اختصر سلامة المحافظة على سمعة لبنان من خلال إقرار المؤسسات الدولية بـ"حسن امتثال لبنان"، وهذا يعني ضمنياً أن المصارف هي التي حافظت على سمعة لبنان عالمياً.

لكن سلامة تجاهل أن معايير المؤسسات الدولية، لا تدقق دائماً بالتفاصيل الخاصة بالواقع الداخلي لكل بلد. لذلك، التصنيف الإيجابي الذي تحظى به المصارف اللبنانية لدى المؤسسات الدولية، يقابله تصنيف داخلي سلبي، يتعلق بإشهار قدرة المصارف على قول "لا" في وجه التجاوب مع تمويل القروض السكنية. وأيضاً، لا يمكن للتصنيف الدولي محو آثار العملية التي سمّيت "هندسة مالية"، والتي حققت من خلالها المصارف في العام 2016، ربحاً صافياً بنحو 5 مليار دولار، بتشريع من مصرف لبنان ووزارة المالية. ناهيك عن آثار الهندسة المالية الاستثنائية التي استفاد منها أحد البنوك المحظية بحماية سياسية عالية المستوى.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها