وأعلن مستخدمو الهيئة في مختلف المناطق اللبنانية، استعدادهم لتصعيد تحركاتهم، ما لم تُحل هذه الأزمة. مستغربين عدم حلّها رغم موافقة وزارة المالية ومجلس الخدمة المدنية ومجلس شورى الدولة على ملف مطالبهم. والعقبة تكمن فقط في عدم وضع الملف على جدول أعمال مجلس الوزراء لإقراره. والمفارقة أن المستخدمين يطبّقون القانون، لجهة التزامهم بالدوام وزيادة ساعات العمل، من دون الاستفادة من مفاعيله.
إشكالية قانونية
عند إقرار قانون السلسلة في العام 2017، لم تنزع قوى السلطة فتيل لغم خضوع بعض المؤسسات العامة والمصالح المستقلة لقانون العمل. وبما أن هذه الجهات لديها صناديق مالية مستقلة، على عكس الإدارات العامة، التي يتم تمويلها من خزينة الدولة، ترك القانون 46 لإدارات تلك المؤسسات حرية تقدير قيمة الزيادات على الرواتب، وربطت الدفع ببت المرسوم في مجلس الوزراء.
الأزمة لا تقتصر على هيئة إدارة السير، وإنما تتعداها إلى المستشفيات الحكومية والضمان الاجتماعي ومؤسسات المياه ومؤسسة كهرباء لبنان، غير أن الأخيرة حُلّت أزمتها بعد إتفاق غامض. علماً أن مؤسسة الكهرباء، هي أكثر مؤسسة مرشّحة لعدم دفع السلسلة بسبب العجز الذي تعيشه، والذي ينعكس على الموازنة العامة. ومع ذلك، تجد المؤسسة مالاً في جعبتها لتدفعه، تطبيقاً للاتفاق السياسي بين القوى النافذة في المؤسسة. في حين تنتظر المؤسسات الأخرى اتفاقات مماثلة.
الحل معقّد
ليست صدفة خلاصة الهندسة الملتوية التي رُسِمَت وفقها سلسلة الرتب والرواتب. لكن ما لم تتوقعه السلطة، هو تسارع الأحداث السياسية والاقتصادية، التي راكمت الملفات في وجهها، وهو ما جعل التخفيف من آثار المقاربة الخاطئة لملف السلسلة، أمراً معقداً. فكيف يُعقل أن تجزّء السلطة مفاعيل قانون ما، وتربط تنفيذ جزء منه بإصدار مرسوم يسمح بخلق استنسابية تميّز بين الموظفين، في ظل فساد إداري ينخر مؤسسات الدولة؟
وتتعاظم انعكاسات السياسات الخاطئة لتصل إلى حد تحميل الطبقة العاملة، وخصوصاً في القطاع العام، مسؤولية الأزمة الاقتصادية. ولا تجد السلطة حرجاً في توجيه اللوم على موظفي الدولة، وكأن هؤلاء وُلِدوا داخل الإدارات والمؤسسات العامة، ولم يدخلوها عبر مجلس الخدمة المدنية، أو برعاية أحزاب وزعامات سياسية وطائفية، كترجمة عملية للصفقات بين قوى السلطة.
استمرار الإضرابات وامتدادها إلى كل المؤسسات المحرومة من مكتسبات السلسلة، يؤشّر إلى اتجاه متعاظم نحو التأزّم والتصعيد. فالسلطة لا تلتفت إلى مكامن الخلل الحقيقي في التركيبة الحالية للنظام، والتي تُعتبر المصارف جزءاً رئيسياً منها. وهي وحدها القادرة على تقليص حجم الهوة الاقتصادية والاجتماعية التي تكبر بين الدولة والمواطن. فاستعادة الدولة لحقوقها، عبر فرض ضرائب عادلة على أرباح المصارف، هو إجراء يكفي المواطنين شرّ الضرائب التي ترهقهم.. ضرائب يتبين أنها لا تحل أي أزمة للدولة.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها