الإثنين 2019/03/04

آخر تحديث: 07:40 (بيروت)

ثمة من لا يريد للبلد قيامة؟

الإثنين 2019/03/04
ثمة من لا يريد للبلد قيامة؟
كل النفقات التي حصلت بلا موازنة لا يجوز أن تبقى مجهولة (المدن)
increase حجم الخط decrease
غادر الموفد الفرنسي المكلّف ملف مؤتمر سيدر بيار دوكان بيروت، بكثير من عدم اليقين في قدرة الحكومة اللبنانية على تنفيذ تعهداتها الاصلاحية للحصول على تعهدات المؤتمر. لم يعد سراً أن دوكان نقل الى سفراء الدول المشاركة في المؤتمر، وممثلي الصناديق العربية والدولية المعنية، خلال اللقاء الذي عقد بناء على طلبه في السفارة الفرنسية في اليوم الأخير من الزيارة انطباعات غير مشجعة بعد اجتماعاته بالمسؤولين اللبنانيين على خلفية المشكلات السياسية التي تواجه الحكومة. في زيارته بيروت في تشرين الأول 2018، حضّ دوكان القوى السياسية على تسريع تأليف الحكومة. في الزيارة الثانية بعد أربعة شهور كانت الحكومة قد تألفت بلا تآلف وعلى تنابذ. حين يذكرنا الموفد الفرنسي بـ"ترف الوقت" الذي لا يعمل لمصلحة تنفيذ الاصلاحات الهيكلية والقطاعية للحصول على تعهدات سيدر، يعني لم يعد للبنان ثمة وقت لشرائه.

تزامنت زيارة الموفد الفرنسي مع خلافات سياسية كبيرة على ملف الـ11 مليار دولار أميركي الذي أعاد "حزب الله" فتحه من خلال النائب حسن فضل الله متهماً رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة من دون أن يسميه. وحصل دوكان على نسخة مما قاله السنيورة في مؤتمره الصحافي رداً على الاتهامات. ويبدو أن دوكان صنّف الاتهامات في خانة الصراع السياسي في البلد الذي بنى عليه موقفاً أقرب الى الخيبة بقيامة البلد والاصلاحات فيه.

كل النفقات التي حصلت بلا موازنة ومن خلال القاعدة الإثنتي عشَرية، وسلف الخزانة التي حصلت عليها الحكومات السابقة التي لم تتوفر فيها شروط استردادها وتتعارض مع القوانين، جزء لا يتجزأ من مشكلة الحسابات المالية العامة، التي لا يجوز أن تبقى مجهولة. ليس للإقتصاص من المرتكب والمرتكبين في حال ثبوت التجاوز فحسب. بل وللإنطلاق من نقطة ما الى موازنة وحسابات مالية عامة وفق الأصول، لأننا ما نزال في لبّ المشكلة إياها. أي "حساب قيد ما قبل" كي تكون لنا موازنة عامة بقطع حساب جديد. كان يمكن أن تكون خطوة "حزب الله" أُولى في اتجاه الاصلاح المالي والهيكلي لو جاءت في سياق ملف الحسابات المالية العامة، ووجوب بتّها نهائياً لإقرار موازنة 2019 وفق الدستور والقوانين. علما، أن التصويب في هذا الاتجاه لا يلغي محاسبة المسؤول أو المسؤولين عن إهدار المال أو إذا تحول الملف المالي مشكلة بين "حزب الله" وبين السنيورة. إذا كانت كذلك، راحت الى السياسة. فحقّ للسنيورة أن يتعاطى معها في الجانب السياسي والسياسة الكلّية وهيمنة "حزب الله" على قرارات البلد الأساسية. وعلى المؤسسات الدستورية. وفي حالة "حزب الله"، فالحزب لم يكن يتدخل مباشرة في الشق الاقتصادي وقت تفرّغ لقتال العدو الصهيوني والتحرير. لكنه عاد مشاركاً في السلطة الاجرائية والتشريعية مجلس النواب والحكومة. وهو ليس في حِلّ من ممارسة مسؤولياته في القرارات المالية والاقتصادية. أمّا لماذا أشاح "حزب الله" بناظريه عن ملفات أخرى مخالفة للقوانين والدستور كملف الكهرباء والنفايات، وعن تلزيمات من خارج ادارة المناقصات العامة كبواخر الكهرباء، وعن غيرها من الملفات التي تحتمل الفساد وهي كثيرة، وتتصل بجهات سياسية متنوعة، وقد عارضها الحزب، فهذا قد يُردّ لأسباب سياسية مع الحلفاء. وفي كل الأحوال، فالأمر لا يُسقط حق النائب فضل الله وحزبه في التركيز على ملف من دون غيره. لكن الاتهام يغدو مشوباً بالغرضية السياسية. وهذا كاف لاستدامة الفساد المغطّى بلحاف طائفة الفاسدين. هذه أيديولوجيا الأوليغارشيا لتحالف النظام السياسي الزبائني ونظام الاقتصاد الريعي.

حقبة حسابات المالية العامة والموازنات بعد حرب خمسة عشر عاماً  شديدة التعقيد. السنيورة أحد أهم خبراء المحاسبة وتدقيق الحسابات في لبنان قبل دخوله الحكومة والمعترك السياسي. وكان من الأوائل في لبنان الذين نالوا قبل عقود واحدة من أهم شهادات المحاسبة الدولية وتدقيق الحسابات المالية. CPA ( Certified Public Accountant ) ويقول عنه أصدقاؤه أن رقمه واحد في جدول نقابة خبراء المحاسبة المجازين. مؤهل السنيورة العلمي، وخبرته في القطاع الخاص، وكرئيس سابق للجنة الرقابة على المصارف، يخولانه امتيازاً مهنياً محترفاً لادارة الموازنات وحسابات المالية العامة لا يحوزه غيره بسهولة. وهذا شأن يرتّب له وعليه. أمّا له، فأن يأتي التقرير الذي وعد به في مؤتمره الصحافي علمياً دقيقاً وشفافاً وشافياً، يظهر حكاية الحسابات المالية العامة، والموازنات فترة توليه المسؤولية المالية مباشرة أو على رأس الحكومة. ويوضح مدى صواب كل الاتهامات الموجهة اليه. وأمّا عليه، فمجال المناورة يضيق في وجه السنيورة للتنصل من المسؤولية في حال تحمله إياها بقرار قضائي وليس سياسياً. أمًا الظروف الإستثنائية وغياب الموازنات والنفقات وفق القاعدة الإثنتي عشَرية، ومقاطعة الحكومة بدعوى إنها "غير شرعية ولا ميثاقية"، وعدم التئام مجلس النواب، فللقضاء أن يفصل في الأمر أيضاً. وكذلك في الإنفاق لزوم استمرار الدولة في عملها ونظرية المرفق العام.

لا نفهم علم المحاسبة المالية والتدقيق ولا ندّعيه. لكننا نسأل مقدار ما تيسّر نسأل:

1- في الموازنات العامة نفقات على سنوات خارج سنة الموازنة. في الجزء الأول من الموازنة الأجور ودرجات الموظفين وخلافها. وفي الجزء الثاني مشاريع بوشر في تنفيذها وملزمة الإستكمال. موافقة مراقبي عقد النفقات والصرفيات موجبٌ بالضرورة. هل اقترن الإنفاق بتواقيعهم أم لا؟ في حال الإعتراض، هل دونوا ذلك؟

2- ديوان المحاسبة له كل الصلاحيات الدستورية والقانونية بالرقابة المؤخرة على الموازنة. وهو مربط الفرس في هذا المجال. هل قام بدوره كاملاً؟

3 - لماذا لم يصدر مرسوم تعيين لجنة المراقبة السنوية على المؤسسات العامة بموجب قانون ديوان المحاسبة؟ ومسؤوليتها كبيرة  على المشاريع العمومية ورقابة مجالس ادارات المؤسسات العامة والمجالس والهيئات وإبراء ذممها. وكلها مؤسسات نعاني خدماتها المنقوصة وجودتها وعجزها المالي!

4 – المال يخرج من الصناديق وحسابات وزارة المال في مصرف لبنان مرفقاً بالحوالات من الوزارة. حوالات صرف وحوالات دفع. تبقى التوقيفات ورسم الطابع. وكلها قابلة للتحقق منها. هل تمّ ذلك؟

5 - انتهت الحرب 1990. كان يفترض تدوين الحوالات وتفاصيلها. لكن ما يسميه خبراء المحاسبة "السجل الصافي" كانت تدون فيه حسابات لتنزيلها في السجلات لاحقاً، وبقي الموقّت دائماً. ضاعت بعض المستندات، أو تُلفت واحترق بعض آخر في 1997. لماذا لم يوضع تقرير بالمستندات التالفة والمحروقة وبالسجلات التي حالت دون تسجيل الحسابات؟ ومن يتحمل المسؤولية؟

يتمالكنا شعور بأن ثمة من لا يريد قيامة البلد.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها