الأحد 2019/03/24

آخر تحديث: 00:07 (بيروت)

قمة الفساد: طائفية أهل السلطة تعطّل مجالس المؤسسات العامة

الأحد 2019/03/24
قمة الفساد: طائفية أهل السلطة تعطّل مجالس المؤسسات العامة
"تناتش" لا يتوقف على الحصص في المؤسسات العامة وإداراتها (Getty)
increase حجم الخط decrease
لا يقتصر الفساد على هدر المال العام، أو اختلاسه، أو الرشى، أو التهرب من سداد الضرائب والرسوم وحسب.. إنما يتعدى ذلك إلى ممارسات وإجراءات، يقوم بها أصحاب السلطة، ولا يمكن وضعها سوى في خانة الفساد. فتعطيل سير مرافق عامة.. فساد، وتعطيل انتخاب مجالس إدارات لمؤسسات عامة.. فساد، والمحاصصة.. فساد، والتقسيم الطائفي للمناصب خلافاً للقانون.. فساد، ومقايضة المناصب بين السياسيين.. أيضاً فساد.

وقاحة "التناتش"
وقد بلغت الوقاحة بأصحاب السلطة والقرار في البلد، إلى اعتبارهم عملية  "تناتش" الحصص في المؤسسات العامة وإداراتها إجراء عادياً، لا بل ضروري، ويمكن وضعه في خانة الدفاع عن حقوق الطائفة! وتحت شعار الدفاع عن حصص الطوائف، تشغر إدارات الكثير من المؤسسات والهيئات، التي تعبث بغالبيتها كافة أشكال الفساد والهدر. ولعل أبرز المؤسسات الشاغرة إداراتها لأسباب طائفية وتحاصصية، مجلس إدارة الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي، مجلس إدارة مؤسسة كهرباء لبنان، مجلس إدارة طيران الشرق الأوسط، مجلس إدارة شركة إنترا، مجلس إدارة الهيئة العامة للطيران المدني وغيرها الكثير الكثير..

لا فرق عند أقطاب السياسة في لبنان، بين مؤسسة عاجزة وأخرى رابحة. فجميعها تُعد غنائم وتخضع لمنطق التحاصص، أو الأصح "التناتش". إذ، وكما عطّلت المحاصصات الطائفية والسياسية مجلس إدارة مؤسسة كهرباء لبنان، المؤسسة الأكثر عجزاً على الإطلاق، كذلك عطّلت المحاصصات الطائفية نفسها مجلس إدارة شركة طيران الشرق الأوسط (MEA)، الشركة التي تحقق أرباحاً بملايين الدولارات سنوياً. وإذا كانت حجة الصراع على المناصب في المؤسسات العاجزة هي "الإصلاح" فما هي حجة المحاصصة على مناصب في المؤسسات الرابحة.

مجلس إدارة الضمان
انتهت صلاحية مجلس إدارة الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي الحالي منذ أكثر من 10 سنوات. وتم التجديد له أكثر من مرة، كان أولها عام 2008، خلال ولاية وزير العمل الأسبق طراد حمادة، الذي طلب من المجلس، في كتاب خطي: "الاستمرار في تأمين عمل المرفق العام، ريثما تسمح الظروف بإجراء انتخابات الهيئات الاقتصادية والعمالية". ولم تسمح الظروف حتى يومنا هذا. فأي ظروف يمكن أن تعطل انتخاب مجلس إدارة، في مرفق بأهمية الضمان الإجتماعي لأكثر من 10 سنوات؟

المحاولة الأخيرة لانتخاب مجلس إدارة الضمان باءت بالفشل. وقد جرت على عهد وزير العمل السابق محمد كبارة، الذي دعا مطلع العام 2018 الهيئات الإقتصادية والعمالية لتسمية مندوبيها في مجلس إدارة الضمان. حينها عمد الاتحاد العمالي العام إلى دعوة الاتحادات لتحديد مندوبيها، وتفويضهم انتخاب مندوبي الاتحاد العمالي العام الـ10، كأعضاء لدى مجلس إدارة الضمان. لكن قبل موعد انتخاب الأعضاء بيوم واحد، أبلغ الوزير كبارة رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الأسمر قرار تأجيل تعيين مجلس إدارة الضمان، وتالياً تأجيل انتخابات الاتحاد العمالي. الأمر نفسه حدث مع الهيئات الاقتصادية، التي كانت قد باشرت بانتخاب مندوبيها إلى مجلس إدارة الضمان، قبل أن تتلقى تعليمات بتعليق الأمر. والسبب: إفساح المجال لمزيد من الدرس في سبيل تحقيق التوازن الوطني. والمقصود بـ"التوازن الوطني" هنا، هو التوازن الطائفي والحزبي، لاسيما أنه تبيّن فيما بعد أن السبب الرئيس وراء تعطيل انتخابات مجلس إدارة الضمان، هو عدم حصول التيار الوطني الحر على حصة موازية أو متوازنة مع حصص التيارات السياسية الأخرى، خصوصاً حصة حركة أمل.

والمضحك المبكي في الأمر، أن مجلس إدارة الضمان يستمر حالياً بتسيير الأعمال، من دون التمكّن من اتخاذ أي قرار مفصلي بأقل من نصف أعضائه، بحكم وفاة البعض، واستقالة وتقاعد البعض الآخر.

مجلس إدارة الكهرباء
عام 2005 انتهت ولاية مجلس إدارة كهرباء لبنان. أي منذ نحو 14 عاماً. ويستمر بتسيير أعمال المؤسسة حتى اليوم، مروراً بالعام 2011، حين أكد القانون 181 على وجوب تعيين مجلس إدارة جديد لمؤسسة كهرباء لبنان، خلال شهرين من تاريخ صدوره، إلا أنه لم يتم الالتزام به. واستمر مجلس الإدارة منتهي الصلاحية بتسيير عمل المؤسسة، من خلال رئيس وعضوين فقط بدلاً من 7.

تتشعب الخلافات والتجاذبات في مؤسسة كهرباء لبنان، إلا أن الثابت الوحيد هو إصرار وزراء الطاقة المتعاقبين، لاسيما المنتمين إلى فريق التيار الوطني الحر، على ممارسة الصلاحيات المطلقة في مؤسسة كهرباء لبنان، وكأنها جزء لا يتجزأ من إمبراطورية وزارة الطاقة، متجاهلين منذ أكثر من عشر سنوات ما تنص عليه المادة الثانية من النظام العام للمؤسسات العامة، من استقلالية المؤسسة العامة، وتمتعها بالشخصية المعنوية، وبالاستقلالين المالي والإداري.

هيئة الطيران المدني
من أطرف القضايا الخلافية في التعيينات، هو مجلس إدارة هيئة الطيران المدني، الذي لم ير النور منذ إقرار مجلس النواب عام 2002 قانون إنشاء مؤسسة عامة تدعى "الهيئة العامة للطيران المدني"، تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال الاداري والمالي، وتخضع لرقابة ديوان المحاسبة. ورغم ان هدف إنشاء الهيئة هو النهوض بقطاع الطيران المدني، والتنظيم والرقابة والاشراف على إدارة جميع القطاعات المتعلقة بالطيران المدني واستثمارها، بما في ذلك خدمات النقل الجوي والملاحة الجوية وسلامة الطيران المدني والمطارات المدنية، على أسس فنية واقتصادية سليمة، إلا أن تأسيس مجلس إدارة الهيئة لم يتم منذ نحو 17 عاماً. والسبب، الخلاف على حجم التمثيل الطائفي، وتوزيع الأعضاء الستة على الاحزاب السياسية والطوائف. والنتيجة أن قانون تشكيل هيئة الطيران المدني بقي في الدرج.

مجلس إدارة "الميدل إيست"
منذ عام 2002، أي منذ نحو 17 عاماً، انتهت ولاية مجلس الإدارة الحالي لشركة طيران الشرق الأوسط، واستمر التجديد له حتى اليوم، وقد أخفقت عدة محاولات لانتخاب مجلس جديد، كان آخرها عام 2017، حين تمت دعوة الجمعية العمومية للإلتئام. إلا أن ذلك لم يتم، بعد تخلّف مصرف لبنان عن الحضور، وإفقاده النصاب القانوني. وتالياً، إرجاء اجتماع الجمعية العمومية للشركة، بسبب عدم التوصل إلى تفاهم بين رئيسي الجمهورية ميشال عون والحكومة سعد الحريري، بالتنسيق مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، على تحديد أسماء أعضاء مجلس الإدارة الستة (مناصفة بين المسلمين والمسيحيين).

وبعد أشهر من المفاوضات، تبيّن أن التيار الوطني الحر لم يسع إلى الاستحصال على حصة في مجلس إدارة شركة طيران الشرق الاوسط وحسب، إنما يسعى وفق مصادر "إلى تفاهم حول رؤية شاملة تتجاوز بحصصها شركة طيران الشرق الأوسط، لتشمل عدد من المؤسسات الأخرى"، وهو ما نشرت تفاصيله "المدن" في وقت سابق.

ولم يقتصر الخلاف على اختيار أعضاء مجلس إدارة الشركة، بل على طلب التيار الوطني الحر فصل منصبي المدير العام ورئيس مجلس الإدارة، وتوزيعهما على شخصين مسلم ومسيحي، وهو ما لاقى رفضاً من قبل الأطراف السياسية الممثلة في مجلس الإدارة، لاسيما أن رئيس مجلس الإدارة، وفق القوانين التي تحكم عمل المؤسسات، يحق له تعيين المدير العام من بين الاعضاء ومنحه صلاحيات محدودة. وهذا ما يرفضه التيار العوني، ويصر على تعيين المدير العام، الذي يفترض أن يتمتع بصلاحيات مستقلة وتامة.

مجلس إدارة إنترا
إصرار التيار الوطني الحر على تسمية المدير العام لشركة طيران الشرق الأوسط، لم يعطل انتخابات مجلس إدارة الميدل إيست وحسب، بل عطّل أيضاً انتخابات مجلس إدارة شركة إنترا، الذي انتهت ولايته رسميا عام 2014، وكذلك عطّل انتخابات مجلس إدارة بنك التمويل التابع لشركة إنترا. إذ يسعى التيار إلى شمول شركة انترا بعملية "الرؤية الشاملة"، ويصر على فصل منصبي المدير العام ورئيس مجلس الإدارة في شركة إنترا.

ونظراً لطبيعة ارتباط مصرف لبنان بعدد من المؤسسات الشاغرة مجالس إداراتها، لاسيما أن مصرف لبنان يملك شركة "طيران الشرق الاوسط"، كما يملك مع وزارة المال نحو 35 في المئة من أسهم شركة "انترا للاستثمار"، والأخيرة تملك نسبة 52 في المئة من أسهم كازينو لبنان، كما تملك بنك التمويل.. تدخل مصرف لبنان عام 2018، وعيّن مدير عام مؤقت لبنك التمويل، وذلك إلى حين انتخاب مجلس إدارة جديد. كما يعمل مصرف لبنان حالياً على تسوية أزمة الفراغ في مجالس إدارات المؤسسات المذكورة، ويعمل على إجراء انتخابات شاملة لمجالس جديدة، بهدف تجنيب المؤسسات الرابحة منها (لاسيما الميدل إيست وإنترا) الوقوع في شرك التجاذب من جديد، لاسيما بعد ربط الحكومات المتعاقبة تعيين مجالس إدارة الهيئات والمجالس في المؤسسات والقطاعات المختلفة مع بعضها، بهدف تقسيم الحصص في سلّة واحدة.

ولا تقتصر أزمة الفراغات في إدارات المؤسسات على تلك المذكورة أعلاه، وإنما تشملها إلى العديد من المؤسسات، كالمؤسسة العامة لتشجيع الإستثمارات في لبنان "إيدال" و"مؤسسة ضمان الودائع"... وغيرها

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها