السبت 2019/03/23

آخر تحديث: 00:02 (بيروت)

نبيذ لبنان يعاكس حال اقتصادنا.. ويزدهر

السبت 2019/03/23
نبيذ لبنان يعاكس حال اقتصادنا.. ويزدهر
نجح المنتجون في خلق سمعة متميّزة للنبيذ اللبناني، في الأسواق الخارجيّة (Getty)
increase حجم الخط decrease

منذ سنوات وقطاعات الاقتصاد اللبناني المختلفة تشهد تراجعاً كبيراً، على مختلف المستويات، بينما توسّعت الهوّة بين الصادرات والواردات، ما انعكس في مسار تصاعدي حاد لعجز الميزان التجاري. وفي ظل المشهد السوداوي، الذي تخيّم عليه آثار الأزمة الاقتصاديّة، يكثر الحديث عن حماية القطاعات الإنتاجيّة ودعمها، كطريق وحيد لزيادة الصادرات، والخروج من دائرة الاقتصاد الريعي المفرغة، والأزمات الناتجة عنه.

نموذج النمو السريع
هذا النقاش يدفعنا بشكل ملحّ، اليوم، إلى مراجعة تجارب النجاح النادرة للقطاعات الإنتاجيّة، التي تمكّنت مؤخّراً من النمو والإزدهار، بمعزل عن تردّي ظروف الاقتصاد المحلّي، وفي طليعتها قطاع إنتاج النبيذ في لبنان. وذلك من أجل حماية هذا النوع من القطاعات وتطويرها، وللتعلّم من هذه التجارب أيضاً.

فخلال السنوات الثمانية الماضية، وحسب أرقام الجمارك اللبنانيّة، تمكّن قطاع إنتاج النبيذ من رفع صادرته من 1,662 طن سنة 2010 إلى 2,322 طن السنة الماضية، في مسار تصاعدي مستمر، وهو ما ضاعف قيمة هذه الصادرات من 10.9 مليون دولار سنة 2010 إلى 20.3 مليون دولار السنة الماضية.

في المقابل، لم يستورد لبنان خلال السنة الماضية سوى كميّة لا تتعدّى قيمتها 8.3 مليون دولار من النبيذ، وهو ما يعني أنّ هذا القطاع وحده حقق فائضاً للميزان التجاري بقيمة 12 مليون دولار السنة الماضية. وبينما كان حجم صادرات هذا القطاع يرتفع على مدى السنوات الماضية، تراجع حجم النبيذ الأجنبي المستورد من 953 طن سنة 2017 إلى 851 طن سنة 2018، وهو ما يعكس تنامي الفائض، الذي يحقّقه هذا القطاع للميزان التجاري. مع العلم أن تراجع حجم النبيذ المستورد السنة الماضية ترافق مع زيادة بنسبة 14 في المئة في استهلاك النبيذ محلّياً، وهو ما يعني أيضاً زيادة في حصّة النبيذ اللبناني من الاستهلاك المحلّي.

تترافق هذه النتائج المذهلة التي يحقّقها القطاع مع حاجة ماسّة للاقتصاد اللبناني إلى هذه التدفّقات الماليّة الناتجة عن صادراته. فعجز الميزان التجاري اللبناني، وبسبب تراجع معظم القطاعات الأخرى، سجّل السنة الماضية أعلى رقم له منذ سنة 2014، وهو ما أدّى – بالإضافة إلى عوامل أخرى مثل تراجع التحويلات الخارجيّة- إلى تفاقم عجز ميزان المدفوعات، الذي يختصر صافي التحويلات الماليّة بين لبنان والخارج.

حجم الإنتاج يدعم المنافسة في الخارج
توسّع حجم القطاع من خمسة منتجين سنة 1990 إلى 46 منتجاً اليوم، وهو ما يظهر حجم النمو الذي تحقق خلال هذه الفترة. لكنّ عمليّاً، يسيطر ستة منتجين أساسيّين على 95 في المئة من إنتاج النبيذ اللبناني، مع العلم أنّ حجم العمليّات الكبير، لكل من المنتجين الستّة، هو ما يسمح لهم بالتصدير إلى الخارج، بالجملة وبأسعار تنافسيّة. كما يسمح حجم اللاعبين الكبير القيام بالنشاط التسويقي اللازم في الخارج، لتأمين الأسواق والطلب من أجل التصدير.

وحسب أرقام اتحاد النبيذ اللبناني، أكبر هؤلاء المنتجين هو "شاتو كسارة" الذي ينتج بين 35 في المئة و40 في المئة من إجمالي النبيذ اللبناني، ويصدّر حوالى 40 في المئة من إنتاجه إلى الخارج. يليه "شاتو كفريا" الذي ينتج بين 20 في المئة و25 في المئة ويصدّر كذلك 40 في المئة من إنتاجه إلى الخارج. أمّا "شاتو موزار" فيصدّر حوالى 80 في المئة من إنتاجه للخارج وينتج بين 8 و10 في المئة من النبيذ اللبناني. كما يسيطر المنتجين الثلاثة الآخرين دومان دو تورال وإكسير وسانت توماس على على نسبة تتراوح بين 14 في المئة و20 في المئة من إجمالي الإنتاج.

استهداف الأسواق الكبيرة
لعلّ أبرز السمات الواعدة في هذا القطاع، هو استهداف صادراته لمجموعة من الأسواق الكبيرة، ذات القدرة الشرائيّة الجيّدة، وهو ما يعني وجود فرص كبيرة لاحقاً، للتوسّع وزيادة الصادرات. فحسب أرقام الجمارك اللبنانيّة تتركّز 47 في المئة من صادرات النبيذ اللبناني في سوق المملكة المتحدة، يليها سوق الولايات المتحدة بنسبة 20 في المئة وفرنسا بنسبة 15 في المئة وكندا بنسبة 8 في المئة، بالإضافة إلى الإمارات العربيّة المتحدة بنسبة 6 في المئة وألمانيا بنسبة 4 في المئة.

تعاون المنتجين
يتميّز هذا القطاع تحديداً عن غيره من القطاعات، بوجود قدر عالي من التنسيق، بين المنتجين الأساسيين في القطاع. فأغلب المنتجين وأكبرهم ينتسبون إلى إطار تعاوني، تحت مسمّى "اتحاد النبيذ اللبناني"، للتنسيق مع السفارات اللبنانيّة في الخارج، من أجل تتبّع أبرز النشاطات التي تتعلّق بالقطاع، والاستفادة منها لتسويق النبيذ اللبناني. فطبيعة القطاع تفرض على المنتجين العمل سويّاً، لتسويق النبيذ اللبناني كصنف تجاري في الخارج، ودمج قدراتهم لهذه الغاية.

مزايا تنافسيّة
يمتلك النبيذ اللبناني مزايا تنافسيّة أخرى، تتعلّق بالمناخ، وعدد الأيام المشمسة، والفصول الأربعة، وطبيعة تربة سهل البقاع اللبناني وهوائه. ومن هنا، فليس من قبيل الصدفة أن يتركّز أكثر من 50 في المئة من إنتاج النبيذ اللبناني في دائرة بقطر 7 كلم في سهل البقاع، تملك مواصفات متميّزة من ناحية الموقع والتربة. كما يستفيد القطاع من خبرة متجذّرة لمنتجين، يعملون في هذا المجال منذ إنتهاء الحرب. وبالإضافة إلى كل ذلك، نجح المنتجون في خلق سمعة متميّزة للنبيذ اللبناني، في الأسواق الخارجيّة. وهو ما يشكّل بحد ذاته فرص للتوسّع في المستقبل.

وبمعزل عن واقع هذا القطاع تحديداً، تبرز اليوم الحاجة إلى الإستفادة من تجربة منتجي النبيذ في لبنان، عبر مراجعة سياسة الدولة في دعم القطاعات الإنتاجيّة، والتعاون مع المنتجين في كل قطاع، لتحديد وتطوير المزايا التنافسيّة، وفتح أسواق خارجيّة محددة بعناية، بناءً عليها. خصوصاً، أنّ تجربة النبيذ اللبناني تثبت أن التخصّص في قطاعات معيّنة وتطويرها، والعمل على تسويقها في الخارج، يسمح للبنان بخلق فرص إنتاجيّة واعدة، بدل الاستسلام لتجربة الاقتصاد الريعي.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها