الثلاثاء 2019/03/19

آخر تحديث: 01:13 (بيروت)

طبعُ بشّار غلب التطبع

الثلاثاء 2019/03/19
طبعُ بشّار غلب التطبع
"العودة الآمنة والطوعية" للنازحين التي تبنتها مؤتمرات بروكسل وغيرها لن تكون قبل الحل السياسي (Getty)
increase حجم الخط decrease

اكتشف وزير خارجيتنا جبران باسيل أخيراً أن مؤتمرات بروكسل هي لتمويل بقاء النازحين السوريين في لبنان! التوجه كان واضحاً في هذا الاتجاه في كل مؤتمرات بروكسل قبل سنوات. وفي مؤتمرات لندن ونيويورك وغيرها. وقد كتبنا في حينها أكثر من مرة عن "الملف المريب إلى بروكسل" و" مؤتمرات النازحين .. لا تستغيبونا". لكن باسيل الذي نصّب نفسه ناطقاً بلسان العهد وارتضى الأخير ذلك، لم يكتشف بعد في خطبِه الشعبوية، وسباقه إلى انتخابات رئاسية رشّحه إليها رئيس الجمهورية قبل أوانها، أن النظام السوري المعزول عربياً ودولياً لا يريد عودة النازحين. وأن زجّ لبنان الضعيف في عملية فكّ طوق العزلة عن النظام السوري، بدعوى عودة النازحين، قبل استجابة الأخير قرارات دولية كان شريكاً فيها، وقبل قفل الملفات الكبيرة العالقة مع هذا النظام، وفي مقدمها ملف المفقودين اللبنانيين في سوريا وغيرها، إنما هو تخريب لعمل الحكومة اللبنانية، وإمعان في تغييب موقف لبناني رسمي موحد، يتبنّاها لبنان في المؤتمرات الدولية ويعمل لعودة النازحين على أساسه.

في بيان بروكسل
العاملون للنظام السوري في لبنان و"الحلف الممانع"، لا يريدون قراءة بيان بروكسل 3 أيضاً. الذي يدحض كل الثرثرة السياسية لمتعلقات سوريا في لبنان. ومن بينها ترّهات الإستعداد لقطف عملية إعادة إعمار سوريا. وفيه أكثر الكلام عن مؤتمر سيدر وتعهداته المالية، بما يوحي مواربة أن المؤتمر ما كان ليقرر ما قرره في معزل عن ملف النازحين وبقائهم في لبنان، إلى حين نضوج الظروف السياسية لعودتهم. 56 دولة شاركت في مؤتمر سيدر وقد حضرت مؤتمر بروكسل 3.

نعرض لبعض ما ورد في بيان بروكسل 3 الختامي، ليس لمن يتحدث عن عودة النازحين واستعجال إعمار سوريا وحسب، بل للبنانيين الذين يحق لهم معرفة ما يُحجب عنهم من معلومات لمعرفة خلفية هذا الملف على لبنان سياسياً واقتصادياً وأمنياً. نقتبس منه تأكيد المؤتمر "أن الحل المستدام للصراع في سوريا لا يمكن أن يستند إلاّ إلى بيان جنيف (2012) والتنفيذ الكامل لقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2254 (2015) الذي يدعو إلى قيام سوريا بقيادة سورية سياسية. وتهدف إلى إنهاء النزاع في سوريا، وإقامة حكم ذي صدقية وشامل وغير طائفي. ووضع عملية لصوغ دستور جديد يمهد الطريق نحو انتخابات حرة ونزيهة، بإشراف الأمم المتحدة. بما في ذلك الشتات".

شيم النظام
"العودة الآمنة والطوعية" للنازحين التي تبنتها مؤتمرات بروكسل وغيرها لن تكون قبل الحل السياسي. لو حذفنا العودة الطوعية، لبقيت العودة الآمنة. وكل ما يفعله النظام السوري لا يشكل طوق أمان لعودة النازحين. بيان جنيف، وقرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن، والدستور الجديد، وانتخابات حرة ونزيهة وحكم ذو صدقية وغيرها من المحاميد، ليست من شيم هذا النظام وتقاليده. يعني أن الحل السياسي ما زال بعيداً. العودة الطوعية أبعد بكثير. نعم، في سوريا مناطق واسعة باتت في كنف النظام. حكومتنا تألفت مضروبة أساساً. وزراء العهد و"الحلف الممانع" خرقوا التضامن الوزاري قبل جلسة مجلس الوزراء الأولى. ذهبوا إلى دمشق ويذهبون، بلا تكليف رسمي، ومصحوبين بـ"بنك أهداف" آخرها عودة النازحين، وأولها سداد فواتير "الحلف الممانع" لبناء الجسر الإيراني العراقي السوري، وصولاً إلى لبنان. هذا مُعلن من الجانب الإيراني ويُغبط الحلف. لكن لم يقل الموفدون بماذا عادوا. من الآخر. إذا كان "العهد القوي"  و"الحلف الممانع" صادقين ليذهبوا إلى حليفهم بشار الأسد ويحصلوا على مواقفة "العودة الآمنة والطوعية" للنازحين، وعرضها على مجلس الوزراء. بيان بروكسل 3  ذكر أن "هناك حالياً نحو 11.7 مليوناً، يحتاجون إلى المساعدة الإنسانية في سوريا، بما في ذلك 5 ملايين في المناطق الأكثر احتياجاً. هناك نحو 6.2 ملايين مشرد داخلياً، منهم 1.1 مليون شخص في مناطق يصعب الوصول إليها. وأكثر من 5.6 ملايين لاجئ في البلدان المجاورة". سوريا ليست مليار نسمة. مع مئات آلاف الشهداء، وأكثر من ذوي الحاجات الخاصة وجرحى الحرب، إضافة الى العسكر وأجهزة أمن النظام نصل الى نحو 25 مليوناً تعداد الشعب السوري. ما نقص مهاجرون سوريون إما للعمل، وإما هاربون من جور النظام وعسفه. لماذا يوافق النظام على عودة أبناء سوريا؟ وبحسب بيان بروكسل 3 فقد "وافق الرؤساء المشاركون ومجتمع المانحين على أن الظروف داخل سوريا لا تفسح في المجال لتشجيع العودة الطوعية المنظمة أو تيسيرها في ظروف من السلامة والكرامة بما يتماشى مع القانون الدولي". لم يُسقط بروكسل 3 في المقابل قضية تسهيل "الوصول إلى الوثائق المدنية مثل شهادات الميلاد والزواج والوفاة وبطاقات الهوية". ولحظ وجوب "احترام حقوق الإسكان والأراضي والممتلكات من دون أي قيود من أي نوع".

الإعمار والحل السياسي
أمّا عن إعمار سوريا، فقد أكد المؤتمر المؤكّد الذي يتسق مع كل عمليات إعادة إعمار الدول، التي شهدت نزاعات منذ الحرب العالمية الثانية. ويتجاهلها المروجون لاستثمار لبنان فرصة إعمار سوريا. بدأ النظام باستخدام هذه الورقة وتوزيع المغانم الاستثمارية على خلفية من قدم الدعم له في الحرب. ولم يقل من سيموّل مشاريع الإعمار. ذكر بيان المؤتمر أن الدول المانحة والاتحاد الأوروبي "أكدت، أن إعادة الإعمار والدعم الدولي لن يكونا ممكنين إلاّ بعد تحقيق صدقية الحل السياسي، تماشياً مع قرار مجلس الأمن رقم 2254 وبيان جنيف". وتتطلب عملية إعادة الإعمار الناجحة أيضًا "توفير الحد الأدنى من الظروف الاستقرار والشمولية، وحكومة ديموقراطية تضمن سلامة الناس وأمنهم. ولم يتم الوفاء بأي من هذه الشروط في سوريا".

جرائم الأسلحة الكيميائية مثُلت في بروكسل أيضاً. "يجب محاسبة جميع المسؤولين عن انتهاكات القانون الدولي، بما في ذلك استخدام الأسلحة الكيميائية والانتهاكات الصارخة للقانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان". وطالب المؤتمر بإحالتها إلى المحكمة الجنائية الدولية. وقرر التوسع في تحقيق الإفراج عن المعتقلين والمخفيين في سجون النظام والإفصاح عن مصيرهم. وبين هؤلاء أعداد كبيرة من اللبنانيين الذين أسقطهم "الحلف الممانع" والعهد وتياره من حسابات "لبنان القوي". قرارا مجلس الأمن الدولي 2254 و 2268 التي يرفضها النظام لحظا هذه القضية بوضوح.

تمييز لبنان
مرّ بروكسل 3 على تعهدات مؤتمر سيدر. وأكد دعمه إياها لإجراء الإصلاحات. وكذلك دعم قرارات مؤتمر روما لدعم "قوات الأمن اللبنانية". لم يربطها صراحة بدعم النازحين السوريين. لكن سيدر نفسه تضمن الكثير من الإشارات إلى هذا الأمر. بصرف الإعتبار عن خلفية المجتمع الدولي وإدراته مؤتمرات النازحين وتعهداته المالية تجاه لبنان، بيد أننا في حاجة ماسة إليه في هذه الظروف. ويبدو إنه ما زال يميز لبنان عن دول المنطقة والإقليم. لكننا نخطو بسرعة في الإتجاه المعاكس، لنقحم البلد في روزنامة إقليمية تفقدنا هذا التميز وسنكون ضحاياها. الرياء في التعامل مع بروكسل لتطبيع العلاقة مع النظام السوري، وهو لا يملك حق تقرير مصير سوريا، مجازفة كبيرة. تخريب العمل الحكومي لا يؤول لبناء البلد. يتعاطى العهد وباسيل مع ملف النازحين كملف الكهرباء. إمّا التطبيع مع النظام السوري وإما بقاء النازحين. إمّا البواخر وإمّا العتمة. وطبع بشار غلب التطبّع.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها