الإثنين 2019/02/25

آخر تحديث: 00:00 (بيروت)

هذا ما يريده النظام السوري

الإثنين 2019/02/25
هذا ما يريده النظام السوري
الملف مع سوريا سياسي وسيادي.. لا مجال للعبث فيه ولا المواربة (Getty)
increase حجم الخط decrease

هل كان رئيس الجمهورية ميشال عون في حاجة إلى التذكير بصلاحياته، لرفع جلسة مجلس الوزراء الأولى بعد تأليف الحكومة؟ المادة 53 من الدستور، التي خولت الرئيس رئاسة جلسات مجلس الوزراء عندما يشاء، من دون الاشتراك في التصويت، تخوله رفع الجلسة حين يشاء. وكان وُسع الرئيس لو شاء المغادرة، ترك الجلسة قائمة برئاسة رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري. فهو ووزراؤه يعلمون أن "رئیس الجمهوریة هو رئیس الدولة ورمز وحدة الوطن. یسهر على احترام الدستور والمحافظة على استقلال لبنان ووحدته وسلامة أراضیه وفقاً لأحكام الدستور". (المادة 49) والقسَم الرئاسي يلزمه ذلك.

الملف السيادي
واضح أن خطوة رئيس الجمهورية، جاءت على خلفية النقاش الذي بدأ في مجلس الوزراء، على ملف النازحين السوريين، والعلاقة مع النظام السوري. ولم تتح لجميع طالبي الكلام الإدلاء بدلائهم. حسناً فعل الرئيس. وسننتظر من الآن وصاعداً، أن يضرب على الطاولة ويقول "لا"، إذا حاول أي فريق حكومي أو سياسي تجاوز الدستور. وتحصيل حاصل، تجاوز قوانينه التطبيقية والقوانين كافة الصادرة عن مجلس النواب. كل المشكلات التي نواجهها اليوم كانت نتيجة تجاوز الدستور والقوانين. الملف مع سوريا سياسي وسيادي لا مجال للعبث فيه ولا المواربة. قضية النازحين الجزء الساخن والملحّ فيه. ينتظرنا الملف الأشمل، المتصل بالمعاهدات السياسية والاقتصادية والتجارية والأمنية والتعليمية، المتفرعة من معاهدة "الأخوة والتنسيق". وكلها سيادية بامتياز، فرضت على لبنان فترة وصاية النظام السوري وقواته العسكرية على الأرض اللبنانية. يوم كان النظام يفرض رؤساء جمهورية ويمدد لهم، ويفرض حكومات ونواباً ويملأ المؤسسات الدستورية، ويتدخل في كل شاردة وواردة في البلد. حصل ذلك في الحقبة التي لم يعترف بها عون، ووصف فيها قوات النظام السوري احتلالاً وخاض حرباً معها. كل تلك المعاهدات كانت نتائج الحقبة نفسها. والجنرال اليوم رئيساً. نعم، نريد رئيس جمهوريتنا قوياً حقاً، يلتزم قسَم حماية الدستور والقوانين والسيادة والمصالح الوطنية. تماماً كما قال عندما ضرب على الطاولة، ورفع جلسة مجلس الوزراء الأولى بعد تأليف الحكومة.

لم يكن هناك رد فعل لرئيس مجلس الوزراء على رفع الجلسة. ربما لأنه تواقٌ لتطبيق الدستور وكل مندرحات البيان الوزاري، خصوصاً منها الشؤون المالية والاقتصادية والاعمارية. ولتفادى مأزقاً لو ذكّر بصلاحياته. والدستور نفسه واضح. فـ"رئیس مجلس الوزراء هو رئیس الحكومة، یمثلها ویتكلم باسمها، ویعتبر مسؤولاً عن تنفیذ السیاسة العامة التي یضعها مجلس الوزراء". (المادة 64) مع ذلك، راح "فصحاء الجمهورية" من تيار الرئيس يذكّرون بصلاحيات الرئيس الدستورية. فاستدعوا رداً من تيار رئيس الحكومة عن صلاحيات الإثنين معاً.

أخطر فجوة
يؤكد الدستور أن سياسات الدولة العامة يقررها مجلس الوزراء. قضية النازحين السوريين والعلاقة مع النظام السوري في مجلس الوزراء تُقرر. الأمر الذي لم يحصل. ويشكل أخطر فجوة لبنانية رسمية في هذا الملف. وزير خارجيتنا جبران باسيل يريد أن يقنعنا أن فريقاً سياسياً لا يريد عودة النازحين، وإنه "يناضل ليل نهار لعودتهم إلى بلادهم". ويشكو المعارضة. حالنا معه كحال الكهرباء. "يمنعوننا عن تنفيذ خططنا فلا يبقى إلاّ البواخر"! كتبنا من زمان أن النظام في سوريا لا يريد عودة النازحين. هجّرهم بالقتل والنفي. ويربط عودتهم بشروطه التي لا يعلنها بعد، في انتظار انتهاء الحرب أولاً، والمسار السياسي خلافاً للقرار الدولي 2254 ثانياً، الذي يحدد الإطار العام للدولة السورية بعد الحرب، انتخابات عامة نزيهة، ودستوراً وحكومة وحكماً، والجهة، أو الجهات التي ستتكفل تمويل إعادة إعمار سوريا ثالثاً. و"إلاّ ليبقَ النازحون في لبنان، يعتاشون على المساعدات الدولية ومن الخزانة اللبنانية الفارغة. أما النازحون الاقتصاديون، الذين يدخلون الأراضي السورية ويخرجون، ولا علاقة لهم بالنازحين القسريين، فلندعهم في لبنان يأخذون فرص العمل في كل المرافق، ويؤسسون أعمالاً، خلافاً للقوانين، بلا سجلات وقيود رسمية ولا ضريبة". فهؤلاء يرفدون اقتصاد النظام ببضعة مليارات من الدولار الأميركي سنوياً. فلماذا يستعجل النظام إذن عودة مواطني سوريا؟

النازحون والعنتريات
إعملوا من أجل لبنان. نقول لمتعلقات النظام ومؤيديه وأتباعه. أنتم قابضون على السلطة في لبنان اليوم. تبنوا سياسة عامة لحل مشكلة النازحين في مجلس الوزراء، كما يقول الدستور. إذهبوا بها إلى حليفكم في دمشق. وطالبوه باعادة النازحين. أرض سوريا تتسع. من له منزل إلى منزله يعود. ومن فقده ويقطن خيمة في لبنان يقطنها في سوريا. والمساعدات الدولية التي يحصل عليها سيحصل عليها في سوريا. وليس لأحد من معارضي النظام السوري وضحاياه في لبنان أن يقف في وجه ذلك بجريرة تعويم النظام. كل حاملات الطائرات لا تعوّمه. وكل معاهد التجميل في العالم لا تجمّله.

إستدعاء قضية النازحين السوريين لتشكل موضع نزاع سياسي داخل مجلس الوزراء، المفترض أن يتخذ قرارات مهمة تتصل بالوضع المالي والاقتصادي والاجتماعي، كرمى لعيون النظام و"الحلف الممانع"، تآمر على الوطن والمواطن. من يقول خطة روسية لاعادة النازحين فليذهب إلى موسكو. اذا كان ثعلب الكرملين صادقاً يأمر بشار فيذعن. ليس النازحون من هموم دمشق ونظامها. بل من اهتماماته وفقاً لما سبق ذكره. النازحون ساقطون من خطاب الحكومة السورية. نحن نستخدم مأساتهم ومأساة اللبنانيين في سياق العنتريات تارة والمداهنة طوراً.

طويلة قضية النازحين السوريين في لبنان. إذا كان "الحلف الممانع" الذي عطّل انتخابات رئيس الجمهورية قرابة ثمانية عشر شهراً، وعطّل تأليف الحكومة زهاء تسعة شهور، يستعد لتعطيل أعمال الحكومة ومجلس الوزراء، للبت في القضايا الاقتصادية والمالية، على خلفية ممالأة النظام السوري على حساب المصالح الوطنية اللبنانية، ومأساة النازحين في وقت واحد، يعني أن الأمور متجهة إلى مزيد من التعقيد والمخاطر على كل الصُعد. ولن يفيد في شيء التذكير بالصلاحيات التي خولها الدستور لرئيسي الجمهورية والحكومة ولغيرهما على رأس المؤسسات الدستورية. قيل لنا أن الحكومة التي تألفت بعد انتخاب رئيس الجمهورية لم تكن حكومة العهد الأولى. وأن الثانية ستكون. إذا لم تتمكن هذه الحكومة من ممارسة مسؤولياتها بنص الدستور وروحه، فأي حكومة ننتظر وأي عهد؟ ربما هذا ما يريده النظام السوري.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها