الثلاثاء 2019/12/31

آخر تحديث: 17:07 (بيروت)

سنة انهيار النموذج الاقتصادي اللبناني

الثلاثاء 2019/12/31
سنة انهيار النموذج الاقتصادي اللبناني
لم يقتنع ساسة لبنان أن نهجهم لا يجدي نفعاً.. فكان الانفجار (مصطفى جمال الدين)
increase حجم الخط decrease
تباهت السلطة السياسية اللبنانية بنظامها الاقتصادي الذي يحمي مصالح الفئة الحاكمة على حساب باقي الشعب. نظام اقتصادي قام على الريع والخدمات لا على الانتاج، على إغراء أصحاب الأموال لا الاهتمام بالمزارعين والصناعيين والمنتجين. فبات الاقتصاد رهينة توجهات السلطة، التي لم تترك للاقتصاد منفذاً صغيراً ليتنشق منه الهواء، فسدّت السلطة كل المنافذ، وسلبت الناس والبلاد أموالها. وبدل الاعتراف بالأزمة والعمل على إصلاحها، تقاذفت السلطة المسؤولية من دون حل. فكانت النتيجة أن انفجر الوضع في العام 2019، من دون أي مؤشر للحل.
وفي خضم التغيّرات التي رافقت الانفجار، سجّل لبنان بعض المؤشرات الاقتصادية الأساسية التي رسمت مسيرة الأزمة، أبرزها إقرار موازنة العام 2019 مع استمرار العجز. خفض التصنيفات الائتمانية بصورة متهاوية. شح الدولار وانعكاساته، ومنها أزمة البنزين، إلى جانب التهديد بأزمة خبز. ومع تفاقم الوضع سوءاً، وصلت المصارف إلى حد حجز أموال اللبنانيين. الى ذلك، أجرَت الدولة أول مناقصة لاستيراد البنزين لحسابها، في محاولة لكسر احتكار الشركات، على حد قول وزارة الطاقة.

موازنة من دون إصلاحات (علي علّوش)


إقرار الموازنة
بعد سجالات ماراتونية، أقرت السلطة السياسية موازنة العام 2019 من دون الإصلاحات المطلوبة لزرع الثقة في الداخل اللبناني، ولدى الدول التي تعهّدت في مؤتمر سيدر، اقراض لبنان. 

داخلياً، لم تستطع موازنة العام 2019 إخراج لبنان من أزمته. إذ أصرت السلطة السياسية على انتهاج المسار السابق عينه. فلم تستطع خفض العجز كما وعدت. وفرضت رسوماً أثقلت كاهل الناس والخزينة.
خارجياً، انتظر المجتمع الدولي موازنةً تطمئنه لإعطاء لبنان نحو 11 مليار و500 مليون دولار. ولأن المجتمع الدولي يعرف تماماً عقم السياسات اللبنانية، أصرّ عبر الموفد الفرنسي المكلف متابعة عملية تنفيذ مقررات مؤتمر سيدر، بيار دوكان، على عدم تضييع الحكومة اللبنانية الوقت. ولكن حتى اللحظة ما زال المجتمع الدولي ينتظر.

فقدان ثقة المستثمرين وتراجع التدفقات المالية (مصطفى جمال الدين) 


خفض التصنيفات الائتمانية
لم يقتنع ساسة لبنان أن نهجهم لا يجدي نفعاً، فهُم لا يديرون بلدأ معزولاً عن باقي الدول. لذلك، كانت مؤسسات التصنيف الائتمانية على موعد مع خفض التصنيف الائتماني للبنان تباعاً. إذ لم يتّعظ السياسيون من بدء الانخفاض، الذي كان يظهر عبر فقدان ثقة المستثمرين وتراجع التدفقات المالية من الخارج، فضلاً عن تراجع النمو وازدياد معدلات البطالة... وما إلى ذلك.

خفض التصنيفات انسحب الى تخفيض وكالة ستاندرد اند بورز تصنيف أبرز ثلاثة مصارف لبنانية، هي "بنك عودة" و"بلوم بنك" و"بنك ميد" من "CCC" إلى "SD". ما يعني أن سلّم الانخفاض وصل إلى أسفله، أي أن البلد يتّجه رسمياً نحو الانهيار، خصوصاً وأن الوكالة بدأت بالحديث عن سيناريوهات أسوأ.

إدراج بنك جمال على لائحة العقوبات (مصطفى جمال الدين)

جمّال ترست بنك
في خضم المؤشرات السلبية للقطاعات، وتحديداً القطاع المصرفي، شكّل إدراج "جمّال ترست بنك" على لائحة العقوبات التي يصدرها مكتب مراقبة الأصول الخارجية "أوفاك"، ضربة قوية للقطاع الذي يترقّب بحذر كيف تنظر الادارة الاميركية إليه، فبأي لحظة قد يواجه أي مصرف تهمة تمويل حزب الله، أي تمويل الارهاب.
وادراج جمال ترست بن على تلك اللائحة، بالاضافة الى 3 شركات تأمين تابعة له هي "تراست للتأمين" و"تراست للتأمين على الحياة" و"تراست لخدمات التأمين"، أدى الى اقفال المصرف وتهديد مصير ودائع زبائنه، إلا أن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة أكد منذ اللحظة الأولى أن الودائع محفوظة بضمانة المصرف المركزي.

لكن مع التطمينات، ومع اسناد مهمة التدقيق في حسابات المصرف من قِبَل هيئة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان، الا أن الاحتمالات التي تتعلق بمصير المصرف لم تُحسم بعد، لا لجهة الاستحواذ عليه من قبل مصرف آخر، ولا لجهة مصير كامل الودائع، وهو ما يترك الاحتمالات مفتوحة على القلق الذي تتحمل نتائجه كافة المصارف بوصفها منتسبة لقطاع متماسك يسير اعضاؤه بتناغم محدد لناحية الدور والتأثير. وتلك الاحتمالات استهدفت ايضاً شريحة كبيرة من المجتمع اللبناني، وهي البيئة الشيعية التي تضرر جزء منها مع "انهيار" جمال ترست بنك، وينتظر آخرون القرارات الأميركية التي وضعت كامل البيئة الشيعية في دائرة الاستهداف.

شح الدولار
تحت رماد الأزمات الاقتصادية المتكررة، كان جمر شح الدولار يشتعل رويداً رويداً، وينتظر لاشعال المزيد من الأزمات التي ما عاد بالامكان تداركها والحد من مفاعيلها. وسيسجل التاريخ أن العام 2019 شهد أزمة شح الدولار، فكرّت سبحة الأزمات، وبات لبنان على مشارف تلقي مساعدات غذائية إذا استمرت السياسات على هذا المنوال.

أزمة مالية بتأثيرات مدمّرة على معيشة اللبنانيين (علي علّوش)

انعكاسات أزمة شح الدولار بدأت بالظهور مع ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة، بفعل عدم توفّره في المصارف، مع اصرار حاكم مصرف لبنان رياض سلامة أن الليرة بخير ولا داعي للقلق، مؤكداً أن 95 بالمئة من العمليات المالية تتم عبر المصارف. وبالتالي، يعتبر سلامة أنه مسؤول عن الدولار الموجود في المصارف فقط. علماً أن انعكاسات شح الدولار في السوق كانت لها تأثيرات مدمرة على حياة اللبنانيين، فقد انخفضت القدرة الشرائية للرواتب بالليرة، ولم يعد المستوردون قادرون على توفير الدولار لاستيراد السلع. وأبرز ما تأثر بأزمة شح الدولار، هي قطاعات البنزين والدواء والقمح، ما حذا بأهل هذه القطاعات إلى رفع الصوت والتحذير من انقطاع البنزين والقمح والدواء، إلى أن توصل أهل القطاعات ومصرف لبنان إلى آلية يدعم من خلالها المصرف المركزي، عملية تأمين الحوالات المالية الدولارية المطلوبة لتأمين هذه السلع الأساسية. لكن العملية شهدت بعض التعثرات التي أدت الى اضراب محطات البنزين تارة، ومستوردي المحروقات تارة أخرى. وشهدت محطات البنزين احتشاد طوابير المواطنين في محاولة لتأمين هذه المادة. كما لوّح أصحاب الأفران بتوقفهم عن انتاج الخبز ما لم يتأمّن الدولار.

شحّ الدولار انعكس أزمة في قطاع المحروقات (علي علّوش)


سقوف السحوبات
شح الدولار ودخول الناس في دوامة تأمينه بأسعار صرف مرتفعة، دفعت المصارف إلى وضع سقوف لسحب الدولار، ولاحقاً سقوفاً لسحب الليرة. حتى وصل الأمر إلى حد السماح لأصحاب الودائع والحسابات الجارية من صغار المودعين، بسحب 100 أو 200 دولار اسبوعياً. وما عمّق الأزمة، هو تطبيق هذا الإجراء على صغار أصحاب الحسابات، فيما هرّب كبار المودعين الذين ينتمي بعضهم الى الطبقة السياسية، أموالهم إلى الخارج في عزّ الأزمة، وفي ظل إقفال المصارف أبوابها تذرعاً بالحالة الأمنية، التي ترافقت مع انطلاق التظاهرات الشعبية الرافضة لهذا الواقع، في 17 تشرين الأول.

ما زالت السقوف مطبقة حتى اللحظة. لكنها تنذر بوقوع الكارثة التي بدأت بعض بوادرها بالظهور من خلال لجوء أصحاب الحقوق إلى الدخول إلى المصارف ورفع الصوت احتجاجاً، أو حتى تكسير محتويات بعض المصارف، ضمن موجة غضب تتزايد يومياً.

حجبت المصارف الأموال عن مودعيها (عباس سلمان)


بنزين لصالح الدولة
لم تعد الدولة قادرة على كبح الأزمة. فهي على ما يبدو لا تملك آليات الحل، فيما تصر على عدم التنازل عن مبالغ مالية حصّلتها على مدى ثلاثة عقود، انقاذاً للبلاد. الإصرار على الإنكار، دفع وزارة الطاقة إلى مواصلة سياساتها الاستغلالية التي تضمن مصالح التيار الوطني الحر. وباسم مصلحة الدولة ومنع الاحتكارات، نظّمت وزارة الطاقة مناقصة مخالِفة للقانون، تستورد بموجبها 10 بالمئة من حاجة السوق المحلي لمادة البنزين، ورست المناقصة على شركة مدعومة عونياً، هي شركة ZR energy. والحال أن هذه المناقصة لا تكسر الاحتكار، بل تضع قدم العونيين على سلم مشاركة باقي أطراف السلطة في قطاع المحروقات، تحت غطاء مصلحة الدولة.

هذه الملفات التي طبعت العام 2019 بأكثر الصور سلبية، مرشّحة لأن تصبح أشد سلبية، وسط إصرار الطبقة السياسية على ممارسة نهجها السياسي والاقتصادي ذاته.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها